التكوين
الجسد المادي
النفس اللامادية
الأصل
الخلود
التقسيم الثلاثي
التكوين
الجسد المادي
النفس اللامادية
الأصل
الخلود
التقسيم الثلاثي
التكوين
حين نتحدثُ عن “تكوينِنا”، فإن ما نقصِدُهُ هو الأجزاءُ المختلفةُ المكوِّنةُ للإنسان. يستخدمُ الكتابُ المقدسُ مجموعةً متنوعةً من المصطلحاتِ لوصفِ الأجزاءِ المكوِّنةِ لنا. فهو يتحدثُ عن أجسادِنا، وأجسامِنا، وقلوبِنا، وأذهانِنا، وأرواحِنا، ونفوسِنا، والكثيرِ من الأشياءِ الأخرى. لكن على مدى القرون، اتفقَ علماءُ اللاهوتِ بوجهٍ عامٍّ على إمكانيةِ إيجازِ تلك الأجزاءِ جميعِها في جزئينِ: جزءٌ ماديّ، والذي عادةً ما يُطلقُ عليهِ “الجسدُ”، وجزءٌ لا ماديّ، والذي عادةً ما يُطلقُ عليهِ “نفسٌ” أو “روح”.
يتفقُ غالبيةُ علماءِ اللاهوت الإنجيليين على أنَّ البشر يتكونون من الجسدِ الماديِّ، والنفسِ غير المادية، وأنَّ هذان الجزئان متحدانِ في شخصٍ واحدٍ. إلَّا أنَّ تعليمَ الكتابِ المقدس عن هذه الأمور يبدو معقدًا بسبب المُفردات المتنوعة التي يستخدمُها لوصفِنا، خاصَّةً حين يتعلقُ الأمرُ بنفوسِنا غيرِ المادِّيَّة. ومع ذلك، فَحينَ يُوجِزُ الكتابُ المقدس طبيعتَنا البشرية من منطلق ما هو ماديِّ وما هو غيرِ ماديِّ، فإنَّهُ عادةً يَستخدمُ لفظًا واحدًا للتعبيرِ عن الجزء الماديِّ فينا، ولفظًا واحدًا آخر للتعبيرِ عن الجزء غيرِ الماديِّ.
على سبيلِ المثال، في رسالةِ 2 كورنثوسَ 7: 1 كتبَ بولُس:
لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ (2 كورنثوس 7: 1).
في هذا العدد، أشارَ بولُس إلى إمكانيةِ إيجازِ طبيعتِنا البشريةِ في جزئينِ: الجسدِ الماديّ والروحِ اللامادية. ونرى تركيباتٍ شبيهةً في كلِّ أنحاءِ الكتابِ المقدس، بما في ذلك: رسالةُ رومية 8: 10؛ ورسالةِ 1 كورنثوسَ 7: 34؛ ورسالةِ كولوسي 2: 5؛ ورسالةِ يعقوبَ 2: 26 ورسالةِ 1 بطرسَ 4: 6.
يُعلِّم الكتابُ المقدس بأنَّ البشرَ يتكونون من جزء مادي ويُدعى الجسد، وجزءٍ لا مادي ويُدعى النفسَ، أوِ الروحَ، أوِ القلبَ، أوِ مفرداتٍ مختلفةً أخرى. كِلا هذين الجزئين من الطبيعةِ البشريَّة أساسيان، وهما جزءٌ من طبيعتِنا الأولى عندَ الخلق، وسيصيران في النهايةِ جزءً من طبيعتِنا في القيامة. وبالتالي، فإننا في النهايةِ لن نصيرَ مجردَ نفسٍ أو روحٍ فقط. بل سيقومُ الجسدُ في النهاية. وبالتالي، كلا هذين الجزئين هما جزءٌ من الطبيعةِ البشريَّة، لهما أهميةٌ حاليَّة وأخرى مستقبليَّة. [د. جون هاميت]
وتماشيًا مع هذا الفَهم، ستنقسمُ دراستُنا لتكوينِنا البشريّ إلى جزئين. أولًا، سنرى أن كلَّ إنسانٍ له جسدٌ ماديّ. وثانيًا، سنتناول حقيقةَ أننا أيضًا لنا نفسٌ لا ماديّة. ولنتجهْ أولًا إلى جسدِنا الماديّ.
الجسد المادي
يستخدمُ الكتابُ المقدسُ بعضُ الألفاظِ للإشارةِ إلى الجوانبِ الماديةِ لطبيعتِنا البشرية. وفي أغلبِ الأحيان، يستخدمُ كلمةَ جسدٍ ليقولَ إن البشرَ مخلوقون من مادةٍ حقيقيةٍ مادية. كما قال يسوعُ عن طبيعتِنا البشريّة في إنجيل متى 10: 28:
وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ (متى 10: 28).
في هذا العددِ استخدمَ يسوعُ كلمةَ جسدٍ ليشيرَ بها إلى خواصِّنا الماديّة، مُميزًا إيّاها عنِ النفس، أو خواصِّنا اللاماديّة.
إلى جانبِ استخدامِ الكتابِ المقدسِ لكلمةِ “جسدٍ”، فهو يتحدثُ أيضًا عن خواصِّنا الماديَة بكونِها “جسمًا” في مواضعَ مثلِ رسالةِ كولوسي 1: 24؛ و”لَحْمًا وَدَمًا” في رسالةِ 1 كورنثوسَ 15: 50، ورسالةِ العبرانيين 2: 14؛ و”لحمًا وعظمًا” في سفرِ التكوينِ 2: 23. كما تشيرُ كلمةُ “قوةٍ أو قدرةٍ” إلى قدراتِنا المادية في سفرِ التثنيةِ 6: 5، وفي إنجيل مَرقسَ 12: 30.
يبدو جليًا أن الجسدَ يتكونُ من عدةِ أجزاءٍ مختلفة. ففي بعضِ الأحيان، يُشار إلى الجسدِ بمجموعِ أجزائِهِ، كما في لفظِ “أعضاءٍ” الموجودِ في رسالة رومية 7: 23. لكن يشيرُ الكتابُ المقدسُ أيضًا إلى عدةِ أجزاءٍ منفصلة، كاليدين، والذراعين، والقدمين، والعينين، وما إلى ذلك. وفي حينِ يمكنُنا وضعَ قائمةٍ مطوَّلةٍ للغايةِ لكلِّ جزءٍ من أجزاءِ الجسدِ على حدًا ممَّا يَرِد ذكرُهُ في الكتابِ المقدس، إلا أن هذا لن يفيدَنا كثيرًا. لكن اقتداءً بالكتابِ المقدس، اكتفى علماءُ اللاهوتِ بفهمِ أن كلَّ جزءٍ من هذه الأجزاءِ ينتمي إلى الكلِّ الأكبرِ الذي نشيرُ إليهِ بكونِهِ جسدَنا الماديّ.
وهكذا، من الجديرِ بالأهميةِ أن ندركَ أن أجسادَنا الماديةِ ليست مجردَ أجسادٍ وقتيةٍ زائلة، بل هي جوانبُ ضروريةٌ من وجودِنا، وأجزاءٌ هامةٌ من طبيعتِنا البشريّة. يبدأُ وجودُ أجسادِنا حينَ يتم الحَبَلُ بنا، وتظلُ هذه الأجسادُ معنا طوالَ حياتِنا الأرضيّة. وعلى الرغمِ من انفصالِ أجسادِنا عن نفوسِنا اللاماديّة عند الموت، إلا أنها تظلُ جزءًا منا. ويُعدُّ هذا أحدَ الأسبابِ التي لأجلِها يتحدثُ الكتابُ المقدسُ كثيرًا عن الموتى بأنهم موجودون داخلَ قبورِهم، ويدعو جثثَ الموتى بأسماءَ الأشخاصِ أنفسِهم الذين كانوا في الحياة. نرى هذا في يَهُويَادَاعُ، الذي قِيل عنه في سفر 2 أخبارِ الأيامِ 24: 15، 16 إنه دُفن مع الملوكِ في مدينةِ داود. وفي سفر أعمالِ الرسلِ 13: 36، تحدث بُطرسُ عن كونِ داودَ قد دُفن مع آبائِهِ. كما قيل أيضًا عن لعازرَ حبيبِ يسوعَ إنه كان موجودًا بشخصِهِ في القبرِ في إنجيل يوحنا 11: 17 وقيل عن يسوعَ نفسِهِ إنه وُضع في القبرِ قبل قيامتِهِ من الأمواتِ في سفر أعمالِ الرسلِ 13: 29، 30.
علاوةً على ذلك، في القيامةِ الأخيرةِ في نهايةِ الزمان، سيقوم جسدُ كلِ مَن مات، كي يواجهَ دينونةَ الله. وفي ذلك الحين، ستتحدُ نفوسُنا وأجسادُنا ثانيةً، ولن تنفصلَ أبدًا مرةً أخرى. سيقوم المفديون إلى حياةٍ جديدةٍ في السماواتِ الجديدةِ والأرضِ الجديدة. لكن سيقوم الأشرارُ إلى الدينونةِ والعذابِ الأبديِّ بالجسد. استمع إلى كلماتِ يسوعَ في إنجيل يوحنا 5: 28-29:
تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ [ابن الإنسان] فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ (يوحنا 5: 28-29).
بهذا الفهمِ عنِ الجسدِ الماديّ، لنتناولْ الآنَ جانبًا ثانيًا من تكوينِنا: النفسَ اللاماديّة.
النفس اللامادية
كما هو الحال بالنسبةِ للجسد، يستخدمُ الكتابُ المقدسُ أيضًا ألفاظًا متنوعةً للإشارةِ إلى الجوانبَ اللاماديّةِ من طبيعتِنا البشريّة. أحد الألفاظِ الأكثرِ شيوعًا هو كلمةُ نفسٍ، والتي عادةً ما تَرِدُ كترجمةٍ للكلمةِ العبريةِ نيفيش (נֶפֶשׁ)، أو الكلمةِ اليونانيةِ بسوخي (ψυχή). تشيرُ هاتان الكلمتان بوجهٍ عامٍّ إلى مجملِ الطبيعةِ اللاماديّةِ للإنسان، لكنها أحيانًا ما تشيرُ إلى الإنسانِ ككلٍّ، بما في ذلك جسدُه الماديّ. على سبيلِ المثال، يخبرُنا سفرُ التكوينِ 2: 7 بأنه حين نفخَ اللهُ في آدمَ نسمةَ حياة، صار آدمُ “نفسًا” حية أو نيفيش (נֶפֶשׁ). وفي هذا المثل، تعني الكلمةُ أنه صار إنسانًا حيًا يتنفس. وفي إنجيلِ يوحنا 15: 13، استخدمَ يسوعُ كلمةَ بسوخي (ψυχή) للإشارةِ إلى حياتِنا الجسديةِ حين قال إن الحبَ الأعظم َعلى الإطلاقِ هو أن نضعَ نفوسَنا – بسوخي (ψυχή) – لأجلِ أحبائِنا.
ومن الألفاظِ الأخرى الأكثرِ شيوعًا للتعبيرِ عن أجزائِنا اللامادية هو كلمةُ “روح”، والتي تأتي عادةً كترجمةٍ عن الكلمةِ العبريةِ رواح (רוּחַ)، أو الكلمةِ اليونانيةِ “بنيوما” (πνεῦμα). كلا الكلمتين تشيران عادةً إلى الجانبِ اللامادي ككل من الطبيعةِ البشريّة. ومن هذا المنطلقِ، فهما مرادفان نسبيًا للكلماتِ التي تُترجَم نفسًا. إلا أن كلمةَ “روحٍ” يمكن أن تشيرَ أيضًا إلى أشياءٍ أخرى مختلفة، مثل “النَفَسِ”، أو “الريح”، بل وأحيانًا إلى اتجاهٍ أو سلوك، كما في عبارةِ “رُوح الْفَشَلِ” الواردةِ في رسالةِ 2 تيموثاوسَ 1: 7.
إلى جانبِ هذين اللفظين، يستخدمُ الكتابُ المقدسُ الكثيرَ من الكلماتِ الأخرى للتعبيرِ عن جوانبَ مختلفةٍ من كيانِنا اللاماديّ. على سبيلِ المثال، عادةً ما تعبرُ كلمةُ “ذهنٍ” عن مركزِ الأخلاق، والفكر، والتفكيرِ المنطقيِّ فينا، كما في رسالةِ روميةِ 7: 23. وأحيانًا ما تعبر كلمةُ “قلبٍ” عن حياتِنا الداخليّة، أو المصدرِ اللاماديِّ لأفكارِنا، وإرادتِنا، ومشاعرِنا وعواطفِنا، كما في سفرِ 1 صموئيلَ 16: 7، وفي رسالةِ 2 تيموثاوسَ 2: 22. بل وتشيرُ الكلمةُ العبريةُ ميعيه (מֵעֶה) التي تترجم عادةً أحشاءً، أو رَحِمًا، أو أجزاءً داخليّة، إلى كيانِنا اللاماديِّ في مواضعَ مثلِ المزمورِ 40: 8.
وبالطبعِ يستخدمُ الكتابُ المقدسُ أيضًا العديدَ من الألفاظِ الأخرى للتعبيرِ عن أجزاءٍ مختلفةٍ من كيانِنا اللاماديّ، مثلِ الضميرِ، والرغباتِ، والعقلِ، والأفكارِ، والذهنِ، ومختلفِ المشاعر. وكما هو الحالُ بالنسبةِ لأجسادِنا، أدركَ علماءُ اللاهوتِ بوجهٍ عامٍّ انتماءَ هذه الأجزاءِ جميعِها إلى الكلِ الأكبرِ الذي نَطلِقُ عليهِ النفسَ أو الروحَ اللاماديّة.
لدينا في الكتابِ المقدس أوصافٌ عن الإنسانِ بكونِه نفسًا وذهنًا وقلبًا وروحًا، وبعضُ من هذه الألفاظِ مُترادفةٌ، لكن لها وظائفُ مختلفة. يُعدُّ القلبُ صورةً تعبرُ عن الجوهرِ الروحيّ، وعن مركزِ الإنسان. يمكنُ للذهنِ والإرادة أن يكونَا جزءً من القلب، كما توجدُ العواطفُ داخلَ القلب. فالقلبَ يفكرُ، ويختار، ويؤمنُ، ويشعرُ. أيضًا تتداخلُ كلٌّ من النفسِ والروحِ معًا نوعًا ما. وبالتالي، ربما يكونُ القلبُ هو مركزُ الروحِ وأيضًا مركزُ النفسِ. بحسبِ علمي، تُستخدم الروحُ للتعبيرِ عنِ الجزءِ اللامادي للإنسان؛ كما أن الملائكةَ هم أرواحٌ، واللهَ روحٌ، فالروح ليست كيانًا ماديًا. وتُستخدمُ النفسُ للتعبيرِ عن الكيانِ ككلٍّ، الجسدِ والروحِ معًا. وبالتالي، يوجدُ استخدامٌ متداخلٌ للكلمتين. لا أظنُ أن هذا يشيرُ إلى أن الروحَ جزءٌ والنفسَ جزءٌ آخرٌ يختلفُ عنها، بل هذه مجردُ طرقٍ مختلفةٍ للتحدثِ عن حقيقةِ كونِ الإنسانِ كيانًا روحيًا عميقًا. والغرضُ هنا هو أنه يوجدُ فينا ما هو أكثرُ من مجردِ جسدٍ. فهناك تعقيدٌ مع كونِه تعقيدًا روحيًا، غيرَ منظورٍ، وغيرَ ماديّ. [د. جون ماكنلي]
بعدَ هذه المقدمةِ الأساسيةِ عنِ النفسِ اللاماديّة، يجدرُ بنا فحصُ ثلاثِ أفكارٍ وثيقةِ الصلة بالموضوعِ عن كَثَبٍ: أصلُ نفوسِنا؛ وخلودُ نفوسِنا، بالإضافةِ إلى رأيٍ بديلٍ عن تكوينِنا اللاماديّ، والذي يُعرفُ باسمِ “التقسيمِ الثلاثيّ”. ولنبدأْ الآنَ بموضوعِ أصلِ النفس.
الأصل
يوجدُ العديدُ من الآراءَ المختصةِ بأصلِ النفسِ البشرية. بعضُ علماءَ اللاهوتِ – الذين يُطلقُ عليهِم “أنصارُ نظريةِ الخلق” – يؤمنون بأن اللهَ يخلقُ نفسًا لكلِ إنسانٍ عندَ الحبلِ بِهِ. يستقي هذا الرأيُ تأييدًا من نصوصِ مثلِ سفرِ زكريا 12: 1، الذي يقولُ إن اللهَ يجبلُ روحَ الإنسانِ بداخلِه. كما يستشهدُ أيضًا أنصارُ نظريةِ الخلقِ بنصوصٍ مثلِ سفرِ إشعياءَ 42: 5، ورسالةِ العبرانيين 12: 9، اللذين يشيران إلى أن اللهَ هو خالقُ نفوسِنا.
بعضُ علماءَ اللاهوتِ الآخرين، الذين يُطلَق عليهم “أنصارُ نظريةِ الانتقال”، يؤمنون بأن البشرَ يرثونَ نفوسَهم من أبَويْهم مباشرةً. بحسبِ هذا الرأيِ، تُولدُ نفوسُنا من نفسَيْ أبوينا، كما أن أجسادَنا تُولدُ من جسدَيْهِما. عادةً ما تُستخدمُ نظريةُ الانتقالِ لتفسيرِ سببِ ولادةِ البشرِ بنفوسٍ خاطئة، إذ يصعبُ تفسيرُ خلقِ اللهِ لنفسٍ خاطئةٍ بالفعل. يستندُ أنصارُ نظريةِ الانتقالِ على نصوصٍ مثلِ رسالةِ رومية 5: 12، الذي يفيدُ بأننا ورثنا فسادَنا من آدمَ بالولادةِ العاديةِ أو الطبيعية، ورسالةِ العبرانيين 7: 9-10، الذي يعلِّم بأن لاويَ كان موجودًا في صلبِ جَدِّهِ إبراهيم.
يمكننا أن نكونَ على يقينٍ من أن أصلَ نفوسِنا هو من الله. لكن كيفيةَ حدوثِ ذلكَ ليست واضحةً تمامًا. وبالتالي، فإننا في هذه الدروسِ لن نتخذَ موقفًا حازمًا بشأنِ أيِّ جانبٍ من جانبَيْ الجدال.
يعني كثير في ناس بيتوقعوا أن الكتاب المقدس يخبرنا منين إجت روح الإنسان وكيف تكونت ووين موجودة فيه، بس الكتاب ما بيحكي بالتفاصيل هي اللي نحنا منتوقعها. بس بيخبرنا إن الإنسان ما مجرد كائن مادي بس هو كمان فيه عنصر غير مادي. فيه روح وفيه نفس. ومشان هيك وقت ربنا أوجد الإنسان، مكتوب “نفخ فيه فصار آدم نفساً حية”. فهناك جانب روحي في الإنسان. ما بيخبرنا الكتاب كيف إجا هذا الجانب الروحي، بس بيخبرنا إنه موجود، وبأنه يجب أن نهتم فيه. وبأن خبز أو الحياة العادية لا تشبع هذا الجانب الروحي الموجود في الإنسان. كما ذكر القديس أوغسطينوس قديماً “بأنه في عنا حاجة ماسة حتى يكون الرب موجود بحياتنا حتى يشبع حياتنا، حياتنا الروحية وحياتنا الجسدية أيضاً”. [د. رياض قسيس]
بعد أن تحدثنا عن أصلِ النفسِ اللاماديّة، لنتناولْ الآنَ في إيجازٍ مسألةَ خلودِها.
الخلود
يعلِّمُنا الكتابُ المقدسُ بأن نفوسَنا تظلُ موجودةً بعد موتِ أجسادِنا. وبينما ترقدُ أجسادُنا في قبورِها، تقاسي نفوسُ الأشرارِ عقوبةً وقتيةً في الجحيم، ويتمتع المؤمنون ببركاتٍ وقتيةٍ في السماء. يجري هذا فيما يطلقُ عليه علماءُ اللاهوتِ “الحالةَ الوسَطيّة”، أو الفترةَ الواقعةَ بينَ حياتِنا على الأرضِ في الوقتِ الحاضرِ، والقيامةِ الأخيرةِ حينَ يأتي المسيحُ ثانيةً. كما قالَ بولُس في رسالةِ 2 كورنثوسَ 5: 8:
… نُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ (2 كورنثوس 5: 8).
كان قصدُ بولُس هنا هو أن الجانبَ اللاماديَّ من طبيعتِنا البشريةِ ينجو من الموتِ. وإن كنا مؤمنين، فإن نفوسَنا تستوطنُ عند الرب. يتحدثُ الكتابُ المقدسُ على نحوٍ شبيهٍ في إنجيلِ لوقا 23: 43؛ وفي سفرِ أعمالِ الرسلِ 7: 59، وفي رسالةِ فيلبي 1: 23، 24؛ وفي سفرِ رؤيا يوحنا 6: 9.
ينطبقُ شيءٌ شبيهٌ بهذا على نفوسِ غيرِ المؤمنين. لكن عوضًا عن استمتاعِها بحضورِ الربِ في السماء، تقاسي العذابَ في الجحيم. كما علَّمَ يسوعُ في إنجيلِ لوقا 12: 4-5:
لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. بَلْ … خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ (لوقا 12: 4-5).
بالرغمِ من كونِ الجحيمِ موضعَ موتٍ، فإنه من المهمِ أن ندركَ أن الموتَ في الكتابِ المقدسِ لا يُعدُّ توقفًا عن الوجود. بل هو الوقوعُ تحتَ قصاصِ الله. وهكذا، فمن منظورِ العقوبةِ والبركات، تُعدُّ النفوسُ في الجحيمِ مائتةً. أما من منظورِ الوجود، فتلك النفوسُ تظلُ موجودةً إلى الأبد.
بعدَ انتهاءِ المرحلة الوسطية من العقوبة أو البركة الوقتية، ستتحدُ نفوسُنا ثانيةً بأجسادِنا في القيامةِ الأخيرة. وفي ذلكَ الوقت، سنذهبُ إلى مصائرِنا الأخيرة والدائمة. سيتعذبُ الأشرار في الجحيمِ جسدًا وروحًا. أما نحن المؤمنونَ، فحين تتحدُ أجسادُنا المُقامة بنُفوسِنا الخالدة، سنحيا مع المسيحِ جسدًا وروحًا في السماواتِ الجديدة والأرضِ الجديدة إلى الأبد.
بعدَ أن تناولْنا النفسَ اللاماديةَ للإنسانِ من حيثُ أصلِها وخلودِها، يتحتمُ علينا أن نذكرَ عقيدةَ التقسيمِ الثلاثيّ.
التقسيم الثلاثي
نعلمُ كمؤمنين أن البشرَ ليسوا مجردَ مخلوقاتٍ مادية. ففي النهايةِ، يتحدثُ الكتابُ المقدسُ عن نفوسِنا اللاماديةِ بطرقٍ عديدةٍ ومتنوعة. ولكن الرأيَ الأكثرَ شيوعًا بين علماءَ اللاهوتِ الإنجيليين هو ذلك الرأيُ الذي ذكرناه فيما سبق، والذي يُطلقُ عليه التقسيمُ الثنائيّ أو التفريعُ الثنائيّ. تُعلّمُ هذه العقيدةُ بأن البشرَ يتكونونَ من جزئَيْنِ رئيسيَيْن: الجسدِ والنفس.
ومع ذلكَ، لا يعتقدُ جميعُ علماءَ اللاهوتِ الإنجيليين على أن أفضلَ وسيلةٍ لوصفِ تكوينِنا هي بمفرداتِ جسدٍ ماديٍّ ونفسٍ لاماديّة. لكن يجزمُ بعضُ علماءَ اللاهوتِ في المقابلِ بعقيدةِ التقسيمِ الثلاثيّ أو التفريعِ الثلاثيّ. يقول هذا الرأيُ إن البشرَ يتكونونَ من ثلاثةِ أجزاءٍ: الجسدِ، والنفسِ، والروح. ويستند رأيُ التقسيمِ الثلاثيّ على قلةٍ من الآياتِ الكتابيةِ التي تميزُ بين نفسِ الإنسانِ وروحِهِ. على سبيلِ المثال، تقولُ رسالةُ العبرانيين 4: 12:
لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ (العبرانيين 4: 12).
يقولُ أتباعُ نظريةِ التقسيمِ الثلاثيِّ إن هذا العددَ يقدمُ النفسَ والروحَ باعتبارِهِما جزئينِ لاماديَيْنِ منفصلَيْنِ في الإنسان. يتمُ تقديمُ حججٍ مماثلةٍ من رسالةِ 1 كورنثوسَ 15: 44، ورسالةِ 1 تسالونيكي 5: 23.
وبناءً على نصوصٍ كهذه، يقولُ أنصارُ نظريةِ التقسيمِ الثلاثيّ إن الروحَ والنفسَ ليسا واحدًا. عادةً ما يربطون النفسَ بالوظائفَ اللاماديّةِ الأدنى، كتلك الوظائفَ التي تحركُ جسدَنا، وتخلقُ رغباتِنا وشهياتِنا. وفي المقابل، يربطون الروحَ بالوظائفَ اللاماديةِ الأسمى، كتلك التي تربطُنا بالله.
لكن سواءٌ كنا نتبنى التقسيمَ الثنائيّ أو التقسيمَ الثلاثيّ، لا بد أن نقرَ أن الكثيرَ من الإنجيليين يقبلون الرأيَ الآخرَ بصدرٍ رحب. وينبغي أن نشددَ على أن كلًا من أنصارِ التقسيمِ الثنائيّ أو أنصارِ التقسيمِ الثلاثيّ يتفقون على أن البشرَ يتكونون من جزءٍ ماديٍّ وجزءٍ لاماديّ.
نوقشت نظريةُ التقسيمِ الثنائيِّ والتقسيمِ الثلاثيِّ للإنسانِ لفترةٍ طويلة، وكلا النظريتين لهما سندٌ تفسيريّ. ولذا، لا ينبغي أن نتصارعَ معًا لأجلِ هذا الأمر، إذ هو ليس مسألةً ذات أهميةٍ كبيرةٍ بما يكفي كي نصنفَ بحسبِها أنفسَنا في خانةِ مستقيميِّ الإيمان، والآخرين في خانةِ المنشقين عنِ الإيمان. [د. راميش ريتشارد]
يخبرُنا تكوينُ كياناتِنا بأن هناك أهميةً لكلِ من أجسادِنا ونفوسِنا على حدٍّ سواء. أحيانًا يشتدُ تركيزُنا على الجانبِ الروحيِّ حتى أننا نخفقُ في الاهتمامِ بحاجاتِنا الماديّة، أو بالحاجاتِ الماديةِ للمحيطينَ بنا. أو في أحيانٍ كثيرةٍ، نشددُ على أهميةِ الحياةِ الماديةِ على الأرضِ إلى حدِّ أننا نخفقُ في أن نوليَ الاهتمامَ اللائقَ لنموِّنا الروحيّ. إلا أن تكوينَنا ككائناتٍ من جسدٍ ونفسٍ يشجعُنا على إدراكِ أهميةِ كليهِما، والترابطُ الموجودُ فيما بينَهُما. إن كان فكرُنا روحيًا بحق، فإننا حينئذٍ سنكرمُ اللهَ بأجسادِنا في العالمِ الماديّ، وسنهتمُ بالحاجاتِ الماديةِ للآخرين. وإن كنا نسعى حقًا إلى استخدامِ أجسادِنا لتمجيدِ الله، وأداءِ عملِهِ، فإن هذا سينتجُ نموًا روحيًا في قلوبِنا ونفوسِنا.
تناولْنا حتى الآنَ في هذا الدرسِ كيف كان البشرُ “في البدءِ”، فتحدثْنا عن خلقِ الإنسان، وتكوينِ كياناتِنا. والآنَ لنتجهْ إلى موضوعِنا الرئيسيِّ الأخير: علاقةِ العهدِ الأولى بين الإنسانِ والله.
القسم الثاني: التكوين
الخطوط العريضة لتدوين الملاحظات
التكوين
أ. الجسد المادي
ب. النفس اللامادية
- الأصل
- الخلود
- التقسيم الثلاثي
أسئلة المراجعة
١. ما هي النقطة التي يتفق فيها معظم الإنجيليين حول جوانب الإنسان؟
- هل أجسادنا المادية مؤقتة فقط؟
- بالرغم أنّ أجسادنا المادية تنفصل عن نفوسنا غير المادية عند الموت، هل تستمر كجزء منّا؟
- ما هي النظرة المُقدمة في هذا الدرس حول كينونة جوانب الإنسان الغير مادية؟
- ما هي النظرة الُمقدمة في هذا الدرس حول أصل نفس الشخص؟
- بحسب الدرس، هل تستمر نفس الشخص في الوجود بعد أن يموت الجسد؟
- هل يُعلّم الدرس أنّ الغير مؤمنين سيتوقفوا عن الوجود بعد أن يموتوا؟
- ما هو اللفظ المُستخدَم للقول بأنّ الإنسان مخلوق من جسد، ونفس، وروح؟
أسئلة تطبيقية
- كيف يؤثر التعليم الكتابيّ عن الإنسان على الطريقة التي تفكر بها في نفسك؟ وعلى الطريقة التي تنظر بها إلى جسدك؟ وعلى طريقة نظرتك لنفسك؟
- هل تتفق مع النظرة الثنائية أم الثلاثية للإنسان؟
- ما هي جوانب الجزء الغير مادي في الإنسان التي تعتبرها أكثر أهمية؟ ولماذا؟
- ما رأيك في أصل النفس؟ ما أهمية ذلك بالنسبة لك؟ ما الإختلاف الذي يمكن لذلك أن يُحدثه؟

- إلّيه توليدوتعبارة عبرية (مترجمة بحروف عربية) تعني "هذِهِ مَبَادِئُ" أو "هذه مواليد".
- الضامنالشخص الذي يضمن دفع دَين شخص آخر عن طريق أنه يصبح مسؤولًا قانونيًا عن دَين الآخر.
- العهداتفاق قانوني مُلزم يُقطع بين شخصين أو مجموعتين من الناس، أو بين الله وشخص أو مجموعة من الأشخاص.
- النعمة التي لا تُقاومنعمة من الروح القدس والتي تضمن أن من يختار أن يخلصهم سيختارون طريق الخلاص.
- بروتو-ايفانجيليونأو بروتوايفانجيليوم؛ تعبير لاهوتي "للإنجيل الأول" أو الوعد الأول للفداء الموجود في التكوين 3: 15.
- بيريتمصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) يتُرجم عادة "عهد".
- دياثيكيمصطلح يوناني (مترجم بحروف عربية) يعني "عهد".
- فرائض الخلقالمتطلبات أو الأوامر الأدبية التي وضَعَتْها أعمالُ اللهِ الأولى في الخلق.
- نعمة استباقيةنعمة من الروح القدس تأتي قبل الإيمان الذي يُخلّص وتمكننا من اختيار طريق الخلاص.
- الأنثروبولوجيمصطلح لاهوتي لدراسة الإنسان أو العقيدة عن الإنسان.
- التقسيمُ الثنائيّأو Dichotomy؛ ويعني التقسيم إلى جزئين. في اللاهوت تعني: العقيدة التي تُعلم بأن البشر يتكونون من جزئين (الجسد والنفس)؛ تُسمى أيضًا "التفريع الثنائي".
- إيشمصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني رجل.
- إيشاهمصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني امرأة.
- التقسيم الثلاثيأو Trichotomy؛ وهو التقسيم إلى ثلاثة أجزاء؛ في اللاهوت، هي العقيدة القائلة بأن البشر يتكونون من ثلاثة أجزاء (الجسد، والنفس، والروح). تُسمى أيضًا "التفريع الثلاثي".