مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / من هو الإنسان؟ / الدرس الثاني: صورة الله

من هو الإنسان؟ – الدرس الثاني – القسم الأول

تقدم القسم:
← العودة إلى الدرس
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

المقدمة
المنصب

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN02_01.mp4

صور الآلهة الزائفة
الأوثان

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN02_02.mp4

الملوك

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN02_03.mp4

صور الإله الحقيقي
المفردات

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN02_04.mp4

يسوع

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN02_05.mp4

السلطان

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN02_06.mp4
  • المقدمة
    المنصب
  • صور الآلهة الزائفة
    الأوثان
  • الملوك
  • صور الإله الحقيقي
    المفردات
  • يسوع
  • السلطان

المقدمة
المنصب

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN02_01.mp3

صور الآلهة الزائفة
الأوثان

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN02_02.mp3

الملوك

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN02_03.mp3

صور الإله الحقيقي
المفردات

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN02_04.mp3

يسوع

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN02_05.mp3

السلطان

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN02_06.mp3
  • المقدمة
    المنصب
  • صور الآلهة الزائفة
    الأوثان
  • الملوك
  • صور الإله الحقيقي
    المفردات
  • يسوع
  • السلطان

المقدمة

هلْ رأيتَ من قبل صُورًا رسمَها أطفالٌ لوالديهِم؟ عادةً لا تُشبِه الصُّور الوالدَين كثيرًا، لكنهُما مع ذلك يعتزَّانِ بها. فبالنسبة لهُم، لا تكمُن قيمةُ الصورِ في الجَودة التي رُسمتْ بِها، بل في المشاعر التي يَكَنُّهَا أبناؤهُم لهُما. فبِغضِّ النظرِ عن نقصِ الجَودة في رَسمِ الصُّور، لكنها مع هذا تُمثلُ الوالدَين. وينطبقُ الشيء ذاته بهذا على البشريةِ المعاصرة. فلسنا صُورًا مثاليةً لله، لكننا لا نزالُ صُوَرَهُ. وهذا يُضفِي علينا كرامةً، وبهاءً، وسلطانًا، بالإضافةِ إلى دعوةٍ عُليا نؤديها في العالم.

هذا هو الدرسُ الثاني في سلسلتِنا من هو الإنسان؟ وقد وضعْنا لهذا الدرسِ عنوانَ “صورةِ الله” لأننا سنتناولُ فيه ما يعنيهِ أن يُخلَقَ البشرُ على صورةِ الله.

في درسٍ سابق، رأينا أن كونَنا على صورةِ اللهِ يشبه كونَنا نُصْبًا أو صورةً تمثيليةً لله. ففي الشرقِ الأدنى القديم، كانت صورُ الملوكِ التَّذكاريةِ توضَعُ في جميعِ أنحاءِ المملكةِ كي تذكِّرَ المواطنين بإحسانِ الملكِ وعظمتِهِ، وكي تَحُثَّ الشعبَ على طاعةِ الملك، وتُبينَ أن الملكَ حاضرٌ مع شعبِهِ. وعلى غرارِ ذلك، خُلِق البشرُ كصورٍ على شبهِ الله. كما نقرأُ في سفرِ التكوينِ 1: 27:

فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ (التكوين 1: 27).

يُعدُّ البشرُ رسومًا ماديةً تذكرُ كلَ الخليقةِ بقوةِ الله، وسلطانِهِ، وصلاحِهِ. ومن خلالِنا، يستعلِن اللهُ تسلّطَهُ على العالمِ وعلى جميعِ مخلوقاتِهِ.

في هذا الدرس، سنتناولُ ثلاثةَ جوانبَ من دورِ البشرِ باعتبارِهم “صورةَ الله”. أولًا، سندرسُ صورةَ اللهِ باعتبارِها منصبًا أو وظيفةً نشغلُها. ثانيًا، سنركز على الصفاتِ التي لنا كصورِ الله. وثالثًا، سنصفُ طبيعةَ علاقاتِنا كصورِ الله. لننظرْ أولًا إلى منصبِنا.

المنصب

إن منصبَ “صورةِ اللهِ” متأصلٌ في سلطانِ اللهِ الذي أوكلَه للبشرية. كما رأينا في درسٍ سابق، أقام اللهُ البشرَ ليتسلطوا على خليقتِهِ نيابةً عنه. استمع إلى سفرِ التكوينِ 1: 27-28:

فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ» (التكوين 1: 27-28).

بعد أن قدمَنا الكتابُ المقدسُ بصفتِنا صورَ اللهِ مباشرةً، يقولُ إننا نحكمُ الخليقة. وبالتالي، فإن جانبًا واحدًا على الأقلِ من كونِنا صورةَ اللهِ هو أننا نشغلُ منصبَ حاكمٍ مفوَّض. وبألفاظٍ لاهوتية، نحن “حكامٌ نوابٌ” عنِ الله – أي المندوبونَ الإداريونَ عنه، أو، بحسبِ مفرداتِ الشرقِ الأدنى، نحن خدامُه أو ملوكُه “التابعونَ” له.

سنتناولُ منصبَنا أولًا من خلالِ دراسةِ الكيفيةِ التي بها لعِبت صورُ الآلهةِ الزائفةِ دورَها في أزمنةِ الكتابِ المقدس. وثانيًا، سنرى كيف ألقت هذه الصورُ الضوءَ على دورِنا باعتبارِنا صورَ الإلهِ الحقيقي. ولنبدأْ من صورِ الآلهةِ الزائفة.

صور الآلهة الزائفة

لأغراضِنا في هذا الدرس، سنسلط الضوءَ على نوعين من صورِ الآلهةِ الزائفةِ كانت سائدةً في الشرقِ الأدنى القديم: الأوثانِ والملوك. ولننظرْ أولًا إلى الأوثان.

الأوثان

طبعاً بالشرق الأدنى القديم بدراستنا وبأبحاثنا منعرف إنه كانت الأصنام متواجدة بكثرة. وكان الناس يعبدوها ويعتبروها إنها هي مصدر قوتهم أو ممكن تعطيهم خصب، ممكن تعطيهم بركات عديدة. ربنا حرّم إنه نشبهه بأي صورة. والسبب الأساسي بإنه هو غير محدود، وما في إمكانية أبداً إنه أي جسم مادي مهما كان يقدر يمثل ربنا قدامنا. فقدرته غير المحدودة، عظمته تمنعه حتى يمنعنا إنه نعبده بأشياء محسوسة وأشياء ظاهرة. [د. رياض قسيس]

كانت الأوثانُ عادةً ما تُصنَع باليد. لكن لم يكن الغرضُ منها أن تكونَ مجردَ رسومٍ منظورةٍ لآلهة. فحين كانت الأوثانُ تُصنع، كان يُعتقد أن الإلهَ الذي كانت تمثِلُهُ يسكنُ بروحِهِ أو يحُلُ في الوثن. ولهذا بجَّلَت الدياناتُ القديمةُ أوثانَها. فقد اعتقدوا أن التماثيلَ كانت وسائلَ استخدمتها الآلهةُ كي تكونَ حاضرةً مع شعبِها. وعلى هذا النحو، صارت الأوثانُ ممثلةً للآلهةِ نفسِها، بل وبديلةً عنها.

وقد دُوِّن البرهانُ التاريخيُ القديمُ على هذا المعتقدِ على حجرِ ستيلا مصريّ، أو حجرٍ منحوت، في أثناءِ عصرِ الأهرامات، قرابةَ الألفيةِ الثالثةِ قبلَ الميلاد. ويفيدُ هذا النقشُ بأنَ الإلهَ بتاح صنع أوثانًا لتسكنَها الآلهةُ الأخرى. استمع إلى هذه الترجمةِ للنقشِ التي نجدُها في مؤلفِ جيمس هنري بريستد باسمِ تطورِ الدينِ والفكرِ في مصرَ القديمة، والذي صدرَ عامِ 1912:

صنع [بتاح] تماثيلَ لأجسادِها لإرضاءِ قلوبَها. ثم دخلت الآلهةُ إلى أجسادِها المصنوعةِ من الخشبِ ومن الحجارةِ ومن المعدن.

انتقدَ حبقوق النبيُ هذا المعتقدَ في سفرِ حبقوق 2: 18-19، حيث كتب:

مَاذَا نَفَعَ التِّمْثَالُ الْمَنْحُوتُ حَتَّى نَحَتَهُ صَانِعُهُ؟ … وَيْلٌ لِلْقَائِلِ لِلْعُودِ: اسْتَيْقِظْ! وَلِلْحَجَرِ الأَصَمِّ: انْتَبِهْ! أَهُوَ يُعَلِّمُ؟ هَا هُوَ مَطْلِيٌّ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ رُوحَ الْبَتَّةَ فِي دَاخِلِهِ! (حبقوق 2: 18-19).

آمنت الدياناتُ الزائفةُ التي انتقدَها حبقوق بأن سائلًا إلهيًا أو نسمةً إلهيةً كانت تسكنُ داخلَ أوثانِها، مما يعني أن آلهتَها كانت تستطيعُ أن تسمعَ، وربما أن تستجيبَ لهم من خلالِ تلك الأوثان. لكن أصر حبقوق على عدمِ وجودِ مثلَ هذا الحضورِ الإلهيِّ داخلَ الأوثان.

وهكذا أيضًا، في سفرِ إشعياء 44، هزأ اللهُ من استخدامِ الأوثانِ بأن أشارَ إلى أن النجارَ قد يصنع وثنًا من الخشبِ نفسِهِ الذي استخدَمه لإشعالِ النيرانِ وطهيِ طعامِهِ. كان ينبغي أن يتضحَ من هذا أن الوثنَ لم يكن مميزًا بأيِّ حالٍ من الأحوال. إلا أن عبدةَ الأوثانِ كانوا في شدةِ الانخداعِ حتى أنهم لا يستطيعونَ إدراكَ حتى تلك الأكاذيبَ التي يروُونها هم بأنفسِهم. كما نقرأُ في سفرِ إشعياء 44: 13-20:

نَجَّرَ خَشَبًا. … قَطَعَ لِنَفْسِهِ أَرْزًا وَأَخَذَ سِنْدِيَانًا وَبَلُّوطًا، … وَيَأْخُذُ مِنْهُ وَيَتَدَفَّأُ. يُشْعِلُ أَيْضًا وَيَخْبِزُ خُبْزًا، ثُمَّ يَصْنَعُ إِلهًا فَيَسْجُدُ! قَدْ صَنَعَهُ صَنَمًا وَخَرَّ لَهُ …  وَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَلاَ فَهْمٌ حَتَّى يَقُولَ: «… وَلِسَاقِ شَجَرَةٍ أَخُرُّ؟ … أَلَيْسَ كَذِبٌ فِي يَمِينِي؟» (إشعياء 44: 13-20).

آمن عبدةَ الأوثانِ القدامى بأنهم حين كانوا يقدمون الطعامَ لأوثانِهم، أو يمسحونَها بالزيت، أو يبجِّلونها بطرقٍ أخرى، فإن آلهتَهم كانت تتمجَّدُ بهذا الاهتمام، وتنتفعُ بِهِ. لكن في حقيقةِ الأمر، هذه الأوثانُ عديمةُ القوة، ولا تسكنُها أيةَ روح. يعلمنا الكتابُ المقدسُ بأن بعضَ الآلهةِ الزائفةِ هي في حقيقةِ الأمرِ شياطين، كما نقرأُ في سفرِ التثنيةِ 32: 17؛ والمزمورِ 106: 37؛ ورسالةِ 1 كورنثوسَ 10: 20. بعضُ الآلهةِ الزائفةِ الأخرى وهميةٌ تمامًا. وفي كلِ الأحوال، يعدُ الوثنُ بلا قيمةٍ وبلا قوة.

لا يُنكرُ الكتابُ المقدس أنَّ الأوثانَ صُورًا للآلهة. لكنهُ يُصرُّ ببساطةٍ على زيفِ الآلهة التي تمثِّلُها، وعلى أنَّ هذه الصور عديمةُ القوة. لكن بالرَّغم من كونِ هذه الديانات الزائفة مخطئةٌ، مع هذا يمكن أن تساعدَنا على إدراكِ الكيفية التي فهِمَ بها القُدماء لفظ “صورةُ الله”. فهي تُبيِّنُ لنا أنَّ صورةً لإلهٍ ما، بالنسبةِ للمستمعينَ في القديم، كانت شيئًا مقدسًا. فكانت الصُّورُ تمثلُ الآلهة. وكانتْ تعبِّرُ عن الإيمانِ بالآلهة وتشجعُ عليه. كما كانت تنشُرُ صِيتَ هذه الآلهة ومكانتِها. وجرى الاعتقادُ بأنها كانتْ أدوات استخدمَتْها الآلهة لتكون حاضرةً مع شعبِها ولتبارِكَهم.

بعد أن تناولْنا الكيفيةَ التي قامت بها الأوثانُ بدورِها باعتبارِها صورًا لآلهةٍ زائفة، لنتجهْ إلى الملوكِ من البشر.

الملوك

في الكثيرِ من ثقافاتِ الشرقِ الأدنى القديم، كان يُطلقُ على الملوكِ “صورُ” الآلهةِ التي كانوا يعبدونَها. يرجع هذا جزئيًا إلى الاعتقادِ بأن الملوكَ كان مسموحًا لهم بالدخولِ إلى محضرِ الآلهةِ الخاص، على النحوِ ذاتِهِ الذي اُعتُقد به بأن الآلهةَ كانت حاضرةً داخلَ الأوثان. ويرجع هذا جزئيًا إلى أن الملوكَ كانوا يعكسون أو يجسدون مشيئةَ الآلهة. كان المفترض أن يعرفَ الملوكُ مشيئةَ الآلهةِ وحكمتَها، ثم ينفذون تلك المشيئةَ في جميعِ أنحاءِ ممالِكِهم.

على سبيلِ المثال، في فترةِ مصرَ الفرعونيةِ الحديثة، التي بدأت حواليِّ عامِ 1550 قبلَ الميلاد، أُشيرَ إلى الفراعنةِ باعتبارِهم صورًا لآلهةٍ مختلفة. واستمرت هذه الممارسةُ حتى إلى فترةِ العهدِ القديم. نعلم أن الملكَ أحمس الأول، الذي ملكَ في القرنِ 16 قبلَ الميلاد، كان يُدعى “صورةُ الإلهِ رع”، إلهِ الشمس. كما أشارَ الإلهُ آمون إلى الملكِ أمنحتب الثالث، الذي ملكَ في القرنِ 14 قبلَ الميلاد بلقبِ “صورتي الحية”. وقال الإلهُ آمون-رع لأمنحتب الثالثِ هذه الكلمات: “أنت ابني الحبيب… صورتي… قد دفعتُ إليك حكمَ الأرضِ في سلام”. كما نرى في هذه الإشارات، كان الفراعنةُ يُعتبَرون صورًا للآلهة لأنهم كانوا يتسلطون على ممالكِ الآلهةِ الأرضية. جرى الاعتقادُ بأن الآلهةَ تبدي من نحوِهم نعمةً خاصة، وتحافظُ على تواصلٍ وثيقٍ معهم، وتتوقعُ منهم تنفيذَ مشيئتِها.

نرى شيئًا مماثلًا في ممالكِ بلادِ ما بين النهرين، كأشور، على الرغمِ من أن الممارسةَ كانت أقلَ شيوعًا هناك. أشير إلى ملوكٍ كثيرين بكونِهم صورةً للإلهِ شَمَش، إلهِ الشمس، وصورةً للإلهِ مردوخ، رئيسِ مجمعِ الآلهةِ الأشوريين، وصورةً للإلهِ بعل، الذي يعني سيدًا أو رب، والذي كان اسمًا آخر للإلهِ مردوخ. وأحيانًا، كان يتم الإقرارُ فقط بكونِهم صورةً لإلهٍ ما، دون ذكرِ اسمِ الإله. على سبيلِ المثال، في النصوصِ الأرشيفيةِ للدولةِ الأشورية، في المجلدِ 10، والفصلِ 10، نجدُ رسالةً من الكاهنِ أداد-شومو-أوسور إلى الملكِ آسَرْحَدُّونُ. ففي وقتٍ ما بين العامِ 681 والعامِ 669 قبلَ الميلاد، كتب أداد-شومو-أوسور:

الإنسانُ هو ظلٌ لإلهٍ ما… أما الملكُ فهو صورةٌ لإلهٍ ما.

وفي رسالةٍ أقدم، قال أداد-شومو-أوسور إن كلًا من آسَرْحَدُّونُ ووالدِهِ، الإمبراطورِ الأشوريِّ سنحاريب، كانا صورةً للبعل. وبالتالي، لم يكن قصدُهُ أن آسَرْحَدُّونُ بالأخصِّ هو صورةٌ لإلهٍ ما. بل كان أداد-شومو-أوسور يقول إن الملوكَ كانوا يتمتعون بعلاقةٍ أوثقَ من العلاقةِ التي يتمتعُ بها آخرونَ مع الآلهةِ. ولذا، كان الملوكُ أكثرَ شبهًا بالآلهةِ من الآخرين.

ربما يوجدُ في كلماتِ أداد-شومو-أوسور: “الإنسانُ هو ظلٌ لإلهٍ ما” تلميحًا إلى تعرّفِ الشرقِ الأدنى القديمِ على درجاتٍ متفاوتةٍ من الصور. ربما اعتقدوا أن الملوكَ كانوا أصحَ صورٍ للآلهة، بينما البشرُ ممن هم أدنى مكانةً كانوا أيضًا صورًا إلهيةً نوعًا ما – ظلًا، لا صورةً فعلية، لإله ما.

على أيِّ حال، تساعدُنا هذه الاستخداماتُ لمصطلحِ “صورةِ اللهِ” على فهم ِالكيفيةِ التي ربما استقبلَ بها المستمعون الأصليون لموسى تعليمَهُ الواردَ في سفرِ التكوين. فهي تفترضُ أن المستمعين القدامى ربما اعتبروا الملوكَ صورًا رئيسيةً لآلهتِهِم لأنهم كانوا يعكسون سلطانَ الآلهةِ ومشيئتِها. ونتيجةً لهذا، حين سمِعَ هؤلاءِ مصطلحَ “صورةِ اللهِ” يُقالُ عن البشر، ربما افترضوا بسهولةٍ أنه كان يتحدثُ عن منصبِ ملك.

بعد أن تناولْنا منصبَ “صورةِ اللهِ” بالنظرِ إلى الكيفيةِ التي أدت بها صورُ الآلهةِ الزائفةِ دورَها في أزمنةِ الكتابِ المقدس، لنتناولْ الآنَ الكيفيةَ التي يصفُ بها الكتابُ المقدسُ البشرَ بكونِهم صورَ الإلهِ الحقيقيّ.

صورة الإله الحقيقي

يخبرُنا الأصحاحُ 1 من سفرِ التكوينِ بأنه في أثناءِ أسبوعِ الخلق، كوَّن اللهُ العالمَ بأكملِهِ ورتبَهُ. وفي يومِ العملِ السادسِ والأخيرِ من الأسبوع، وكختامٍ للخلق، عملَ اللهُ البشر. استمع إلى سفرِ التكوينِ 1: 26:

وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ» (التكوين 1: 26).

الشيءُ الأولُ الذي يقولُه الكتابُ المقدسُ عن البشرِ هو إننا صورةَ اللهِ كشبهِه. تعدُ هذه أحدُ النواحي الرئيسيةِ التي يفكرُ بها اللهُ من نحوِ الجنسِ البشريّ.

حينَ يتحدثُ الكتابُ المقدسُ عن البشرِ بكونِهم مخلوقين على صورةِ اللهِ وكشبهِهِ، فهذا يَعني في الأساسِ إن كلَّ ما يميزُ البشرَ، وكلَّ ما يفعلُه البشرُ، يصوّر اللهَ. وهذان اللفظان يصفُ أحدُهما الآخرَ. وهكذا، نحنُ صورةُ اللهِ. ثم يُضيفُ لفظَ “شبَهه” تعريفًا لهذا. لسنا صورًا طبقَ الأصلِ منَ الله، بل إننا كشبهِ الله؛ ولذا فهي صورةٌ تمثيليةٌ نيابية، وليست راكدة. فإن كلَّ ما يتعلقُ بنا يصورُ اللهَ. لا يُمكنُ أن تغيبَ عن أنظارِنا حقيقةُ أن الفكرةَ الجوهريةَ هي أنه حين أرادَ اللهُ أن يخلقَ كائنًا يمثِّلُهُ، خلقَ البشرَ. [ق. ريك روديفر]

ستنقسمُ دراستُنا للبشرِ باعتبارِهم صورَ الإلهِ الحقيقيِّ إلى ثلاثةِ أجزاء. أولًا، سنتناولُ المفرداتِ الكتابيةَ للصورةِ والشبه. وثانيًا، سنتناولُ يسوعَ باعتبارِهِ صورةَ اللهِ الكاملة. وثالثًا، سنصفُ سلطانَنا باعتبارِنا صورَ الله. لننظرْ أولًا إلى مفرداتِ الصورةِ والشبه.

المفردات

لا يوجدُ تطابقٌ بين معنى الكلمتين “صورة”، أو صيليم (צֶלֶם) في اللغةِ العبرية، و”شَبَه”، أو ديموت (דְּמוּת) في اللغةِ العبرية. لكن الكلمتين تتداخلان بعدةِ طرق. يمكن “للصورةِ” أن تكونَ تمثالًا منحوتًا أو مسبوكًا، كما في سفرِ العددِ 33: 52؛ وسفرُ 2 الملوكِ 11: 18؛ وسفرُ حزقيال 7: 20 و16: 17. كما يمكن أن تكون نموذجًا، مثل الفيرانِ الذهبيةِ التي رجعتْ مع تابوتِ العهدِ في سفرِ 1 صموئيلِ 6: 5، 11. أيضًا قد تكونُ انعكاسًا أو ظلًا، كما في المزمورِ 39: 6، والمزمورِ 73: 20.

في المقابلِ، لا تشيرُ كلمةُ “شبه” قطُّ إلى وثنٍ. لكنها تشيرُ إلى تماثيلَ نظيرِ الثيرانِ النحاسيةِ في سفرِ 2 أخبارِ الأيامِ 4: 3. كما تشيرُ أيضًا إلى رسومِ ومخططاتِ المذبحِ في سفرِ 2 الملوكِ 16: 10. وفي كل كتاباتِ العهدِ القديمِ النبوية، كانت هذه الكلمةُ تصفُ مظهرَ أو صوتَ شيءٍ ما بمقارنتِهِ بشيءٍ آخر. على سبيلِ المثال، في سفرِ إشعياء 13: 4، كانت الضوضاءُ على الجبالِ شبهَ صوتِ جمهورٍ أو قومٍ كثيرين. كما استخدمَ حزقيالُ كلمةَ شبهِ لشرحِ شكلِ عرشِ اللهِ الذي كان في هيئةِ عربةِ في سفرِ حزقيال 1: 10، حيث كانت هناك كائناتٌ كشبهِ حيواناتٍ مختلفة، وكانت تبرقُ كالجواهر. وفي سفرِ دانيال 10: 16 وصفَ النبيُ رسولًا ملائكيًا بأن له صورةَ أو “شبهَ” بني آدم.

بالرغمِ من عدمِ تطابقِ معنى الكلمتين صورة وشبه، إلا أن المعنيين يتداخلانِ معًا لأن كِلا الكلمتين تصفانِ نموذجًا أو رسمًا لحقيقةٍ أعظم. وعلى غرارِ ذلك، يعدُ البشرُ صورةَ اللهِ وشبهَهُ لأننا نمثلُ قوةَ الله، وسلطانَهُ، وصلاحَهُ. دون شك، تعدُّ قوتُنا، وسلطانُنا، وصلاحُنا ضئيلةً بالمقارنةِ بهذه الصفاتِ فيه. لكن تظلُ هذه الصفاتُ تشيرُ إليه.

يعتقد الكثيرُ من علماءَ اللاهوتِ أنه حينَ استخدُمت كلمتا صورة وشبه معًا، فإن معناهما مجتمعتين أوسعُ وأكبرُ من هذا التداخل. وبالأخصّ، يقولُ هؤلاءِ إنه بينما تشيرُ كلمةُ “صورة” إلى كونِنا نماثلُ الله، تميزُ كلمةُ “شبه” بينَ اللهِ والبشر، كي لا نخطئَ بافتراضِ أننا مثلُهُ تمامًا.

إلى جانبِ سفرِ التكوينِ 1: 26، لا يوجدُ سوى عددٍ كتابيٍّ واحدٍ آخرَ في العهدِ القديمِ يَستخدمُ كُلًا من كلمتي “صورة” و”شبه” معًا: سفرِ التكوينِ 5: 3. هنا، يُقال عن شيثٍ إنه على صورةِ أبيهِ آدمَ وكشبَهِهِ. بالطبعِ، يوجدُ اختلافٌ شاسعٌ بين أن تكونَ على صورةِ أبٍ أرضيٍّ وكشبهِهِ وأن تكونَ على صورةِ اللهِ وكشبهِهِ. فقد كان كلٌ من آدمَ وشيثٍ بشرًا، لكن اللهَ وحدَهُ هو الله. كما كتبَ بولسُ في رسالةِ رومية 3: 30:

لأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ (رومية 3: 30).

نجدُ تصريحاتٍ مماثلةً في رسالةِ 1 كورنثوسَ 8: 6، ورسالةِ 2: 19.

يوضح الكتابُ المقدسُ كثيرًا أننا لسنا آلهةً صغيرة، ولن نصيرَ آلهةً في المستقبل. بل وحتى حين نتمجدُ في السماواتِ الجديدةِ والأرضِ الجديدة، سنظلُ مجردَ مخلوقات، وسيظلُ اللهُ أعظمَ منا بما لا يقاس. ومع ذلك، ينبغي للتشابهِ بين آدمَ وشيثٍ أن يجعلَنا نميلُ نحوَ رؤيةِ أنفسِنا باعتبارِنا أكثرَ من مجردِ انعكاساتٍ لصفاتِ الله.

حين نفكرُ في كونِ البشرِ مخلوقين على صورةِ الله، فإننا نجدُ جوانبَ شبهٍ وجوانبَ اختلافٍ بيننا وبينه. لكن ما لا بد أن نتذكرَهُ حين يُشارُ إلينا بكونِنا على الصورةِ الإلهيةِ هو أننا لسنا آلهةً صغيرة. بكلماتٍ أخرى، نحن قادرونَ على فعلِ بعضِ الأشياءِ مثلَهُ، أي على نحوٍ مماثل. فنحن قادرون على الخلقِ. لسنا نخلقُ من العدم، لكن كلما رأينا بشرًا خلاقين، فإن هذا انعكاسُ الصورةِ الإلهية. كما أننا كائناتٌ أدبية. أي أننا قادرون على خلقِ الخيارات، وقادرون على تفضيلِ ما من المفترضِ أن يكونَ صوابًا، على ما هو خطأ. فإن قدرتَنا على أن نكونَ كائناتٌ أدبية هي أيضًا انعكاسٌ للصورةِ الإلهية. أيضًا قدرتُنا على التفكيرِ بأفكارِ الله مثلَه، والتأملِ في لاهوتِهِ، جميعُ هذه أوجهٌ نشبِهُهُ فيها. [د. كين كيثلي]

يستخلصُ علماءُ اللاهوتِ عقائدَ مختلفةً من المفرداتِ الكتابيةِ للصورةِ والشبه. يسلّطُ البعضُ الضوءَ على سلطانِنا على خليقةِ الله. ويذكرُ آخرونَ العملَ الفعليّ الذي نقومُ به. بينما يركزُ الآخرون على حقيقةِ اشتراكِنا مع اللهِ في العديدِ من صفاتِهِ مما يميزُنا عن الحيوانات. وجميعُ وجهاتِ النظرِ هذه صحيحة. فإننا صورُ اللهِ وكشبهِهِ لأننا نتسلطُ على الأرضِ كملوكِ الله الخدّامِ له، وإننا وُهبنا المؤهلاتُ والإمكانياتُ اللازمةُ لأداءِ مهامِنا.

بعد أن تناولْنا منصبَنا باعتبارِنا صورَ الإلهِ الحقيقيّ من حيثُ مفرداتِ الصورةِ والشبه، لنتجهْ إلى يسوعَ باعتبارِه النموذجَ الكاملَ لنا.

يسوع

يُعدُّ يسوع، كونَه الله المتجسد، هو الإنسانُ الكاملُ الوحيدُ على الإطلاق. فهُو بلا خطيةٍ تمامًا، وكاملٌ تمامًا في جميعِ صفاتِهِ البشرية. عَلاوةً على ذلك، بصفتِهِ المسيَّا أو المسيح، هُو أيضًا المَلكُ البشري المتسلّط على ملكوتِ اللهِ. وبالتأكيد، يحُلُّ فيه حُضورُ اللهِ الخاص أكثرَ من أيِّ كائنٍ آخر، بما أنه هو نفسَه الله. وبالتالي، فبِغَضِّ النظر عن الكيفية التي نفهمُ بها صورةَ الله، يتحتّمُ علينا أن ننظرَ إلى يسوع باعتبارِهِ النموذجِ الكامل لِما ينبغي أن تكونَ عليه هذهِ الصورة.

في رسالةِ 2 كورنثوسَ 4: 4-5، كتبَ الرسولُ بولس:

… غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ. فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا، وَلكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ (2 كورنثوس 4: 4-5).

في هذا النص، عرَّف بولس يسوعَ بأنه صورةُ الله على نحوٍ يميزُه عن جميعِ البشرِ الآخرين. أولًا، قامَ بربطِ صورةِ اللهِ بمجدِ يسوعَ الإلهيِّ باعتبارِه هو الله. وثانيًا، سلطَ الضوءَ على منصبِ يسوعَ البشريِّ بصفتِهِ ربًا أو ملكًا.

يُظهرُ يسوع، باعتبارِه صورةَ اللهِ الكاملة، المجدَ الإلهيَّ على نحوٍ لا يمكنُ لمجردِ مخلوقٍ فعلُهُ. في رسالةِ كولوسي 2: 9، علَّم بولس بأن اللاهوتَ يحلُ بكلِ ملئِهِ في المسيح، دونَ كابحٍ، حتى أنه في المسيحِ تكمنُ كلُ صفةٍ من صفاتِ اللهِ وتستعلَن. ونتيجةً لهذا، حين أعلنَ يسوعُ مجدَه – عادةً ما ظهرَ في صورةِ نورٍ عظيمٍ – كان يمثّلُ بصورةٍ منظورةٍ إلهَنا المثلثَ الأقانيم. إلا أن إعلانَ مجدِ اللهِ يتجاوزُ هذا بكثير. فإن مجدَ اللهِ يشتملُ أيضًا على أشياءٍ من قبيلِ قيمتِهِ المتأصلة، وصيتِهِ، والحمدِ الذي يتلقاهُ. وجميعِ هذه الأشياءِ تنطبقُ أيضًا على اللهِ في المسيح. كما قال كاتبُ رسالةِ العبرانيين في رسالةِ العبرانيين 1: 3:

الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ (العبرانيين 1: 3).

وكما صاغَ يسوعُ نفسُهُ الأمرَ في إنجيلِ يوحنا 14: 9:

اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ (يوحنا 14: 9).

قال بُولُس أيضًا إن يسوعَ هو صورةُ اللهِ المثاليةُ لأنه ربٌ. تشيرُ كلمةُ “رب” إلى كونِ يسوعَ هو الملكُ الذي يمارسُ حكمَ اللهِ على الخليقةِ بشكلٍ كامل. أما البشرُ أجمعون، كونَهم حكامًا نوّابًا عنِ اللهِ أو أتباعَه من الملوك، فقد كُلِّفوا بهذه المسئوليةِ في سفرِ التكوين 1: 26-28. إلا أن يسوعَ، كونَه هو الملكُ على البشريةِ المفدية، وكونَه هو حافظُ ناموسِ اللهِ بلا عيبٍ ولا لَوْم، فهو يتممُ هذه الوظيفةَ بشكلٍ كامل. استمع إلى كيفيةِ وصفِ بولس لمجدِ يسوعَ وملكِهِ باعتبارِهِ صورةَ اللهِ في رسالةِ كولوسي 1: 13-18:

[الآب] نَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ … الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ … وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ (كولوسي 1: 13-18).

إن يسوعَ هو صورةُ اللهِ لأنه متقدمٌ في كلِ شيء. فهو الملكُ على ملكوتِهِ. وهو بكرُ الخليقةِ، أي إنه يملكُ كافةَ حقوقِ الميراثِ على الخليقة. وهو خالقُ جميعِ السلاطينِ الأخرى، أي أن سلطانَه أعظمُ من سلطانِها. وهو رأسُ أو حاكمُ الكنيسة. وله كرامةٌ كونَه بكرًا من الأموات، وأولَ إنسانٍ تمجد. في جميعِ هذهِ النواحي، يعدُ يسوعُ صورةً كاملةً تمثلُ قوةَ الله، ومجدَه، والنموذجَ الكاملَ لما يبدو عليه مُلكُ اللهِ وسلطانُه، حينَ يظهرانِ من خلالِ إنسان.

إن يسوعَ هو صورةُ اللهِ الكاملة. هو آدمُ الثاني كما نقرأُ في 1 كورنثوس 15: 45، و”آدمُ الأخير”، الذي هو قوةَ الله. وقد ظهرتْ قوةُ اللهِ الفائقةِ للطبيعةِ في كمالِ يسوع، لأنه صارَ إنسانًا لم يفعلْ خطية؛ إنسانًا لم يولدْ بالخطيةِ. إنْ نظرْنا إلى إنجيلِ متى الأصحاحِ الأولِ والعددين التاسعَ عشَرَ والعشرين، نرى أن نفس يسوعَ لم تأتِ من يوسفَ أو مريم، أو من نسلِ آدم، بل منَ الروحِ القدس. ولذا، كانت حياتُهُ وقداستُهُ كاملةً من الداخل، وإن كان قد أَخذ لحمًا ودمًا بشريًا. وكان يسوعُ صورةَ اللهِ الكاملةِ لِأنه لم يسقطْ في الخطية، حتى حينَ شعرَ بالضعفاتِ كإنسانٍ – كما يقول عبرانيين 4: 15 – لكنه لم يفعلْ خطيةً. لم يفعلْ خطيةً بالفكرِ، ولا بالكلامِ، ولا بالفعلِ. وطوالَ حياتِهِ، وإلى أن أتمَّ مهمتَهُ بصفتِهِ الإنسانَ المنتمي إلى الربِ في هذا العالم، لم يعملْ خطية. هذا هو صورةُ اللهِ الكاملة، والنموذجُ لحياةٍ كاملة، يقدمُهُ لنا يسوعُ المسيح. [د. يوهانيس برابتوارسو]

لا يستطيعُ إنسانٌ آخرُ أن يمثلَ اللهَ بالكمالِ الذي مثلَهُ به يسوع. ومع ذلك، لا نزالُ نحنُ صورًا تامةً لله، لا مجردَ ظلال، كما اعتقدَ الأشوريون. فإننا لا زلنا نتسلطُ نيابةً عنه، ونتممُ مشيئتَه، ونعكسُ مجدَه. لسنا نفعل هذه الأشياءَ بالجودةِ التي يفعلُها يسوعُ بها، لكننا مع هذا نفعلُها. ولهذا استطاعَ بولس في رسالةِ 1 كورنثوسَ 11: 7 أن يقول:

فَإِنَّ الرَّجُلَ … صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ (1 كورنثوس 11: 7).

قمنا حتى الآنَ بالحديثِ عن منصبِنا باعتبارِنا صورَ الإلهِ الحقيقيِّ من خلالِ فحصِ مفرداتِ كلمتي الصورةِ والشبه، ومن خلالِ تسليطِ الضوءِ على يسوعَ باعتبارِه ِصورةَ اللهِ الكاملة. لننظرْ إلى سلطانِنا.

السلطان

حينَ يصفُ الكتابُ المقدسُ البشرَ بأنهم صورةَ الله، يربطُ دورَنا كصورٍ بالسلطانِ الذي دُفع إلينا على الأرض. يتوافقُ هذا بشكلٍ كاملٍ مع فكرةِ الشرقِ الأدنى القديمِ عن الملوكِ بأنهم كانوا صورًا فائقةً لآلهتِهم، لأنهم كانوا يحكمون ويتسلطون نيابةً عنهم. لكن يوسعُ الكتابُ المقدسُ مدى هذه السلطةِ وهذا المنصبِ إلى ما يتجاوزُ الملوكَ وحدَهم. فجميعُ البشرِ – ذكورًا أو إناثًا، أحداثًا أو شيوخًا، ملوكًا أو عامةَ الشعب – هم حكامٌ نائبون عنِ الله، أو ملوكٌ تابعون، تكمن مهمتُهم في الحرصِ على أن تتحققَ مشيئةُ اللهِ على الأرض. كان هذا هو سببُ خلقِ اللهِ للبشر، وكان هذا هو الدورُ الذي كُلِّفنا به بمجردِ أن خُلِقنا. استمع ثانية إلى سفرِ التكوينِ 1: 27-28:

فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ» (التكوين 1: 27-28).

كما يبينُ هذا النص، للسلطانِ الذي استلمناهُ منَ اللهِ ثلاثةُ جوانبَ على الأقل: فإننا مفوضون بأن نملأَ الأرضَ بصورِ الله، وأن نتسلطَ على جميعِ خلائقَ الأرضِ، وأن نُخضعَ الأرضَ نفسَها.

فإننا نملأُ الأرضَ من خلالِ تضاعُفِنا العدديّ، كيما ننسخُ صورَهُ الحيةَ في جميعِ أنحاءِ العالم. يعني هذا أننا نستطيعُ، بل وينبغي، أن نحيا في كلِ أنحاءِ العالم، حاملينَ حضورَ اللهِ التمثيليَّ معنا، ومؤسسينَ ثقافةً بشريةً في كلِ موضعٍ نذهبُ إليه. وإننا نحكمُ جميعَ خلائقَ الأرضِ بطرقٍ متنوعة، وهذا يشملُ ترويضَها واستئناسَها، وإدارةَ بيئتِها، وحمايتَها من سوءِ المعاملة. كما أننا نُخضعُ الأرضَ نفسَها من خلالِ أعمالٍ كالزراعة، والإدارةِ الحكيمةِ لمواردِ الأرضِ الطبيعية، محوِّلينَ إياها من بريةٍ إلى جنةٍ رائعة، صالحةٍ للحياة. في حقيقةِ الأمر، تعدُ الفكرةُ العامةُ التي نقرأُها في سفرِ التكوينِ 1 و2 هي أن البشريةَ كان من المفترضِ أن توَسِّعَ حدودَ جنةِ عدنٍ إلى أن يصيرَ الكوكبَ ككلٍ مسكنًا ملائمًا لله. كان الهدفُ النهائيُّ هو أن يملأَ حضورُ اللهِ الخاصُّ الأرضَ بأكملِها، كما كان في الأساسِ يملأُ بالكاملِ جنةَ عدنٍ.

إن دورَنا أو منصبَنا كصورِ اللهِ يرفعُ البشريةَ ككلٍ إلى مستوىً ملكيّ. فقد كلفَنا اللهُ بمهمةِ إدارةِ حكمِهِ في جميعِ أنحاءِ الأرض. ويُضفي ذلك المنصبُ علينا كرامةً عظيمة. فإننا جميعَنا ملوكٌ وملكات. وينبغي أن يُعامِلَ بعضُنا بعضًا بالدرجةِ اللائقةِ من الاحترامِ والإحسان.

يوضح تكوينُ 1 أن آدمَ وحواءَ – أي البشرَ – خُلِقوا على صورةِ اللهِ وشبهِهِ. وفي حينِ يوجدُ العديدُ من الأوجهِ لما يَعنيه هذا، لكن توجدُ بالتأكيدِ الفكرةُ المُتَضَمَّنةُ داخلَ تكوينِ 1، والمُوضَّحةُ إلى حدٍ ما في تكوينِ 5 أيضًا، بأن جزءً مما يَعنيهِ أن يُخلقَ آدمُ وحواءُ على صورةِ اللهِ هو أن يُخلقا كي يكونا أبناءَه. وهناك امتيازٌ وكرامةٌ فائقةٌ في شَغْلِ هذه المكانةِ الساميةِ بين بقيةِ النظامِ المخلوق. أي أن البشرَ في علاقةٍ خاصةٍ مع اللهِ باعتبارِهم أبناءَه. نحن أبناءُ وبناتُ اللهِ ملوك، ويا لَها من مكانةٍ عظيمة وتكمنُ بها مسئوليةٌ أيضًا. [ق. بيل بيرنز]

في حينِ أننا نقرُ بالكرامةِ والمجدِ اللذينِ لنا باعتبارِنا ملوكًا تابعينَ لله، يلزمُنا أن نتذكرَ أن اللهَ لم يزلْ هو السلطةُ العليا علينا. لا زلنا خاضعين لمحاسبته في كل شيء. فهو الخالق، ونحن خلائقه. وهو الله، ونحن لسنا كذلك. نحن نملك سلطانًا فقط لأنه يدفعه إلينا. ولذا، فلابد أن نمارس ذلك السلطان المفوض لنا في تبجيل واتضاع عظيمين.

من المهمِّ أن نفهمَ ما يَعنيهِ أن نكونَ مخلوقين على صورةِ الله. هذا يعني فعليًا أننا مخلوقون على شبهِهِ، وأن لنا سلطانًا، وبخلافِ السلطان، نحن نمثِّلُ اللهَ. فنحن كائناتٌ مسؤولة، ونحن مرتبطون بعَلاقةٍ مع الله، لكننا أيضًا لنا علاقاتٌ مع الآخرينَ. وإن حاجتَنا إلى الخضوعِ لحكمِ اللهِ تعني أننا ينبغي أن نسعى كي نحيا وفقًا لقصدِه. لكننا أخطأنا في حقِ الله، ونحتاجُ أن يُعادَ بناءُ هذه العلاقة، التي قد انكسرت بالفعل. ولذا، فإن خضوعَنا لمُلكِ اللهِ يَعني أننا بهذا سنتمكَّنُ من أن نعكسَ اللهَ في المجتمع. [د. ق. الكانون ألفريد سيباهيني]

إن حكمَنا للأرضِ دائمًا خاضعٌ لمشيئةِ إلهِنا وملكِنا العظيم. وبالتالي، فإننا، في منصبِنا كصورٍ له، لا ينبغي أن نحاولَ قطُّ فرضَ إرادتِنا، بل ينبغي أن نجتهدَ كي نرى مشيئةَ اللهِ تتحققُ على الأرضِ كما في السماء. وينبغي أن نفعلَ هذا على نحوٍ يعطيه كلَ المجد.

بعد أن تناولْنا البشرَ باعتبارِهم صورةَ اللهِ من خلالِ النظرِ إلى المنصبِ أو المكانةِ التي نشغلُها، لنتناولْ الصفاتِ التي أعطانا اللهُ إياها كي يشددَنا ويقويَنا لأداءِ ذلك الدور.

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

1. نشجعك على أن تنسخ وتلصق أدلة الدراسة في ملف Wordجديد.
2. قم بمشاهدة الفيديو مع تدوين ملاحظاتك أسفل كل عنوانٍ من عناوين أدلة الدراسة.

القسم الأول: المنصب

مخطط لتدوين الملاحظات

المقدمة

I. المنصب

أ. صور الآلهة الزائفة

1. الأوثان

2. الملوك

ب. صور الإله الحقيقي

1. المفردات

2. يسوع

3. السلطان

أسئلة المراجعة

1. ما هو العنصر الأول لصورة الله في الإنسان، كما تم تعليمه في الدرس 2 في هذه المادة؟

2. كيف كرَّم الناس في الأديان القديمة أوثانهم؟ لماذا كانت مهمة جدًا بالنسبة لهم.

3. ما الذي يقوله إشعياء 44 عن استخدام الأصنام؟ لماذا هم أغبياء؟

4. ما الذي يُعلّمه الكتاب المقدس عن الآلهة المزيفة؟ هل هم حقيقيون؟

5. بماذا كانوا يُلقِّبون الملوك في كثير من ثقافات الشرق الأدنى القديم؟

6. ما هو أول شيء يقوله الكتاب المقدس عن الإنسانية؟

7. هل كوننا على صورة الله يعني أننا صور طبق الأصل من الله؟

8. ما الفرق بين اللفظين “صورة” و “شَبَه” كما تم استخدامهما في تكوين 26:1؟

9. تأكّد أنك على معرفة بمحتوى العبرانيين 3:1.

10. ما هو “الحُكم النيابي”؟

11. بحسب تكوين 27:1-28 ما هي الجوانب الثلاثة للسلطان الذي استلمه الإنسان من الله؟

12. تفترض فكرة تكوين 1 و 2 بالإنسانية أن تمد حدود الـ _________ حتى يتحول كل الكوكب إلى مكان يصلح لسكنى الله فيه.

أسئلة تطبيقية

1. كيف يُغيّر المفهوم الكتابي عن الحكم النيابي من موقفك تجاه نفسك؟ وموقفك نحو الناس؟

2. كيف يمكنك ممارسة منصب “الحكم النيابي” عن الله على الأرض؟ فكِّر في عائلتك وعملك، وحياتك الشخصية؛ مكانك في المجتمع. ما هي الطرق التي يمكن أن تساعدك أن تملأ الأرض؛ ولتسيطر على كل الخلائق حتى أنك تخضع الأرض نفسها؟

AJAX progress indicator
Search: (clear)
  • إلّيه توليدوت
    عبارة عبرية (مترجمة بحروف عربية) تعني "هذِهِ مَبَادِئُ" أو "هذه مواليد".
  • الضامن
    الشخص الذي يضمن دفع دَين شخص آخر عن طريق أنه يصبح مسؤولًا قانونيًا عن دَين الآخر.
  • العهد
    اتفاق قانوني مُلزم يُقطع بين شخصين أو مجموعتين من الناس، أو بين الله وشخص أو مجموعة من الأشخاص.
  • النعمة التي لا تُقاوم
    نعمة من الروح القدس والتي تضمن أن من يختار أن يخلصهم سيختارون طريق الخلاص.
  • بروتو-ايفانجيليون
    أو بروتوايفانجيليوم؛ تعبير لاهوتي "للإنجيل الأول" أو الوعد الأول للفداء الموجود في التكوين 3: 15.
  • بيريت
    مصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) يتُرجم عادة "عهد".
  • دياثيكي
    مصطلح يوناني (مترجم بحروف عربية) يعني "عهد".
  • فرائض الخلق
    المتطلبات أو الأوامر الأدبية التي وضَعَتْها أعمالُ اللهِ الأولى في الخلق.
  • نعمة استباقية
    نعمة من الروح القدس تأتي قبل الإيمان الذي يُخلّص وتمكننا من اختيار طريق الخلاص.
  • الأنثروبولوجي
    مصطلح لاهوتي لدراسة الإنسان أو العقيدة عن الإنسان.
  • التكليف الحضاري
    الوصية في التكوين 1: 28 التي تأمر البشر أن ينموا الخليقة ويسودوا عليها من أجل إظهار مجد الله.
  • التقسيمُ الثنائيّ
    أو Dichotomy؛ ويعني التقسيم إلى جزئين. في اللاهوت تعني: العقيدة التي تُعلم بأن البشر يتكونون من جزئين (الجسد والنفس)؛ تُسمى أيضًا "التفريع الثنائي".
  • إيش
    مصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني رجل.
  • إيشاه
    مصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني امرأة.
  • عري
    تعبير استخدم في تكوين ٣: ٧ لوصف كلا من العري الجسدي والعار.
  • التقسيم الثلاثي
    أو Trichotomy؛ وهو التقسيم إلى ثلاثة أجزاء؛ في اللاهوت، هي العقيدة القائلة بأن البشر يتكونون من ثلاثة أجزاء (الجسد، والنفس، والروح). تُسمى أيضًا "التفريع الثلاثي".
الاختباراتالحالة
1

من هو الإنسان؟ - الدرس الثاني - الامتحان الأول

‫القسم ‫السابق

انجازك في الدورة

محتوى الدورة الدراسية

ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: في البدء
  • التحضير للدرس الأول
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الأول – القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الأول - القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الأول - القسم الثالث
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: صورة الله
  • التحضير للدرس الثاني
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الثاني - القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الثاني – القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الثاني – القسم الثالث
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: لعنة الخطية
  • التحضير للدرس الثالث
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الثالث – القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الثالث - القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الثالث - القسم الثالث
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الرابع: عهد النعمة
  • التحضير للدرس الرابع
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الثالث
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الرابع
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الخامس: القراءات المطلوبة
  • متطلبات القراءة 1
  • متطلبات القراءة 2
  • متطلبات القراءة 3
العودة إلى من هو الإنسان؟

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in