مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / من هو الإنسان؟ / الدرس الثاني: صورة الله

من هو الإنسان؟ – الدرس الثاني – القسم الثاني

تقدم القسم:
← العودة إلى الدرس
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

الصفات
الأدبية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN02_07.mp4

العقلانية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN02_08.mp4

الروحية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN02_09.mp4
  • الصفات
    الأدبية
  • العقلانية
  • الروحية

الصفات
الأدبية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN02_07.mp3

العقلانية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN02_08.mp3

الروحية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN02_09.mp3
  • الصفات
    الأدبية
  • العقلانية
  • الروحية

الصفات

علَّمَ اللاهوتُ النظامي قديمًا أنَّ صورةَ الله يُمكنُ أن تُرى في البشرِ من خلالِ مجموعة الصفات المتنوعة التي نشتركُ معَهُ فيها. وقد رأينا بالفعل أن مَنصبَنا ودَورَنا مُشابهٌ لمنصبِ اللهِ ودورِه. فهُوَ الإمبراطورُ الأسمَى، ونحن الملوك التابعون له، الذين كلفهُمْ بالتسلّطِ على الخليقةِ نيابةً عنه. لكننا نمتلكُ أيضًا الكثيرَ من الصفاتِ التي تُشبهُ صفاتِهِ. على سبيلِ المثال، نستطيعُ أن نفكر، ونفهم، ونخطّط. كما أننا نُصدرُ أحكامًا أدبيّة. أيضًا لدينا أرواحٌ خالدة. صحيحٌ أنَّ صفاتِ اللهِ أعظمُ وأكثر كمالًا من صفاتِنا بما لا يقاس. لكننا، كصُوَرِهِ، مازلنا نُشبِهُهُ في هذه النواحي.

سنسلطُ الضوءَ على ثلاثِ فئاتٍ من الصفاتِ المشتركةِ بينَ البشرِ والله. أولًا، سنتناولُ صفاتِنا الأدبيّة. ثانيًا، سنتناولُ إمكانياتِنا العقلانيّة. وثالثًا، سندرسُ خصائصَنا الروحيّة. لنبدأْ أولًا بالجوانبَ الأدبيةِ فينا.

الأدبية

تشيرُ كلمةُ “أدبيّ” إلى قدرتِنا على التمييزِ بين الصوابِ والخيرِ، والشرِ والخطأ. وفي الكتابِ المقدس، يتمُ تعريفُ “الصوابِ”، و”الخير” بأنهما تلك المفاهيمُ، والسلوكياتُ، والعواطفُ التي يصادقُ عليها اللهُ ويباركُها. أما “الخطأِ” و”الشر” فهما تلك المفاهيمُ، والسلوكياتُ، والعواطفُ التي يَنهىَ اللهُ عنها، ويعاقبُها. ولأننا مخلوقون على صورةِ الله، فإننا قد وُهبْنا بصيرةً لفهمِ منظورِهِ بشأنِ هذه المسائل. صحيحٌ أن حكمَنا الأدبيَّ قد فسدَ بسقوطِ الإنسانِ في الخطية. لكنه لم يخرُبْ بالكامل. عِلاوةً على ذلك، هذا الحكمُ في طريقِهِ إلى الإصلاحِ والاستردادِ لدى المؤمنين.

لنتناولْ الصفاتِ الأدبيةَ لآدمَ وحواءَ في جنةِ عدنٍ. حين وضعَ اللهُ البشرَ في جنةِ عدنٍ، أدركوا أنهم من المفترضِ أن يعملوها ويحفظوها، كما قالَ اللهُ في سفرِ التكوينِ 2: 15. كما أنهم أدركوا كونَ هذه الفرائضَ صالحةٍ أدبيًا. لكنهم فهموا أيضًا أنهم لم يكنْ ينبغي أن يأكلوا من شجرةِ معرفةِ الخيرِ والشر، لأن اللهَ كان قد نهى عن هذا في سفرِ التكوينِ 2: 17. أحيانًا يخطئُ المؤمنونَ في اعتقادِهم أن آدمَ وحواءَ لم يعرفا الصوابَ من الخطأِ قبل أكلِهما من الشجرة. لكن من الواضحِ أن هذه الفكرةَ مغلوطة. ففي النهاية، كانت حواءُ في سفرِ التكوينِ 3: 2 و3 قادرةً على إخبارِ الحيةِ بما كان مسموحًا لها أن تفعلَه وبما نُهيَتْ عن فعلِهِ.

صحيحٌ أن آدمَ وحواءَ حصلا على معرفةٍ بعد أن أكلا من الثمرةِ المُحرَّمة. لكن الكتابَ المقدسَ لا يصفُ هذه المعرفةَ بكونِها حكمًا أدبيًّا. كما نقرأُ في سفرِ التكوينِ 3: 7:

فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ (التكوين 3: 7).

توحي كلمةُ عُرْيَانَانِ هنا لا بالعريِ فحسبْ بل بالخزيِ والضعف. هذه هي الكلمةُ نفسُها المستخدمةُ في سفرِ إشعياءَ 47: 3، حيثُ قالَ الله:

تَنْكَشِفُ عَوْرَتُكِ وَتُرَى مَعَارِيكِ. آخُذُ نَقْمَةً وَلاَ أُصَالِحُ أَحَدًا (إشعياء 47: 3).

لقد زادَ الأكلُ من الثمرةِ المُحرَّمةِ من معرفةِ آدمَ وحواءَ من خلالِ فضحِ ضعْفِهما. حين كانا طائعين وآمنين في رضا اللهِ عنهُما، لم يكنْ شيءٌ بقادرٍ على أن يهددَهما أو يؤذيَهما. لكنهما لم يُدركا أن نجاحَهما وأمانَهما كانا من عندِ اللهِ بالكامل، وفقط لأنه كان راضيًا عنهما. ولذا، لم يُدركا أيضًا أنهما حين أخطآ، كان من شأنِهما أن يخسرا جودَه وحمايتَه لهما. لكن ما إن أكلا، اتضح كل هذا أمامَهما. لم يتعلما المزيدَ عن التمييزِ بينَ الخيرِ والشر، بل تعلما بالفعل المزيدَ عن اختبارِ كليهِما، ونتائجَ كليهما. بل في حقيقةِ الأمر، حين يتعلقُ الأمرَ بإمكانياتِ البشرِ الأدبية، فقد أنقصَ سقوطُنا في الخطيةِ فعليًا من حكمِنا الأدبيّ. كما قالَ بولُس في رسالةِ تيطسَ 1: 15:

وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِرًا، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضًا وَضَمِيرُهُمْ (تيطس 1: 15).

ولأنَ أذهانَنا وضمائرَنا قد تنجست، فلا يتمكنُ البشرُ الساقطون من تقييمِ الخيرِ والشرِّ بشكلٍ سليم. وفي هذا الشأن، صرنا صورًا أقلَّ جَودَةً لله. لكن الخبرَ السيءَ لا يتوقفُ عند هذا الحد. بل إننا فقدنا أيضًا القدرةَ على التصرفِ بشكلٍ أخلاقيٍّ – أي على فعلِ ما يُرضي الله. وكما استكملَ بولُس ليقولَ عن غيرِ المؤمنين في رسالةِ تيطسَ 1: 16:

يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَلكِنَّهُمْ بِالأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ، إِذْ هُمْ رَجِسُونَ غَيْرُ طَائِعِينَ، وَمِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ مَرْفُوضُونَ (1 تيطس 1: 16).

وفي رسالةِ رومية 8: 7-8 أضافَ بولُس:

لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ. فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ (رومية 8: 7-8).

ونجدُ أفكارًا مماثلةً في كلِ الكتابِ المقدس، بما في ذلك إنجيلُ لوقا 6: 43 -45، وإنجيلُ يوحنا 15: 4، 5، ورسالةُ العبرانيين 11: 6.

كان لسقوطِ الإنسانِ في الخطيةِ أثرٌ عميقٌ على قدرتِنا الأدبيةِ كبشر. يمكنُ أن نرى بالفعلِ جانبًا هامًا من هذا في قصةِ تكوين 3. فبعد أن أخطأَ آدمُ وحواءُ، اختبأوا منَ الله وحاولوا التهربَ من المسئولية. هنا نرى بالفعلِ تأثيراتِ الخطية. وفي تكوينِ 4 نرى قوةَ تدميرِ الخطيةِ في قتلِ قايينَ لأخيهِ. ثم تأتي بعدَ هذا قصةُ نسلِ قايينَ، والكبرياءَ والعجرفةِ التي صارت تميزُ البشرية. وبالتالي، فإننا إن لم نقرأْ سوى سفرِ التكوين، سنجدُ حقًا إشارةً إلى التأثيرِ العميقِ والشديدِ الذي كانَ لخطيةِ آدمَ. ثم إذ ننتقلُ في الكتابِ المقدس، نجدُ بعضَ التأملاتِ اللاهوتية عن ذلك. فإن تأملْنا في مزمورِ 51، المزمورِ الشهيرِ عن توبةِ واعترافِ داودَ، نجدُه يقولُ إنه كان خاطئًا منذ أن حبِلتْ بهِ أمُهُ. هنا يُرجع داودُ كونَنا خطاةً إلى بدايةِ وجودِنا. لم يكنْ هذا شيئًا اكتسبناهُ لاحقًا في حياتِنا من خلالِ تأثيراتٍ ثقافيةٍ سيئةٍ أو شيءٍ من هذا القبيل. بل هذا شيءٌ متأصلٌ بعمق. ويصل هذا بنا إلى أكملَ تعليمٍ في العهدِ الجديد. حيث نجدُ بولُس، على سبيلِ المثال، يعلِّمُ كيف أنَّ من هم بدونِ الروحِ القدسِ لا يستطيعون أن يفهموا ما لرُوحِ الله – كما في 1 كورنثوس 2. وتتحدثُ رومية 8 عنْ أنَّ منْ هم في الجسد، أي جميعِنا بدونِ المسيحِ – لا يستطيعون أن يُرضوا الله. إننا عاجزون تمامًا عن تركِ خطايانا، وفعلِ ما هو مَرْضي في عيني اللهِ دونَ نعمةِ الله المجدِّدَة. [د. ديفيد فاندرونن]

في بعضِ التقاليدَ اللاهوتية، يُعتقدُ أن فقدانَ قدرتِنا الأدبيةِ – بالإضافةِ إلى برِنا الأصليِّ وقداستِنا – كانت فادحةً للغايةِ حتى أننا فقدنا صورةَ اللهِ وشبهِهِ تمامًا. لكن ظلَّ الكتابُ المقدسُ يشيرُ إلى البشريةِ الخاطئةِ بكونِها على صورةِ اللهِ وكشبهِهِ. على سبيلِ المثال، يُدينُ سفرُ التكوينِ 9: 6 القتلَ لأن البشرَ لا يزالون صورَ الله. كما تُدينُ رسالةُ يعقوبَ 3: 9 لعنَ الآخرينَ لأننا جميعَنا قد تكوَنَّا على شبهِ الله. وبالتالي، استنتجت غالبيةُ التقاليدَ اللاهوتيةِ أن صورةَ اللهِ وشبهَهُ في البشرِ قد فسدت، لكنها لم تَخْرَب تمامًا.

على أيةِ حال، يتفقُ جميعُ الإنجيليين على أن سقوطَ البشرِ في الخطيةِ قد أفسدَ سماتَنا الأدبيةِ. لكن يوجدُ خبرٌ سارٌ للمؤمنين: حينَ نؤمنُ بالمسيح، يبدأُ اللهُ في تجديدِ وإصلاحِ ذلك الجانبِ من صورتِه فينا. كما كتبَ بولُس في رسالةِ أفسس 4: 24، مخاطبًا المؤمنين أن:

تَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ (أفسس 4: 24).

يختصُ “الإنسانُ الجديدُ” الذي وصفَه بولُس بكلِ جوانبَ وجودِنا، بما في ذلك حكمُنا الأدبيّ، وقدرتُنا على فعلِ ما يرضي الله. فإننا نستردُ معرفتَنا، وبرَنا، وقداستَنا جميعَها الآنَ في المسيح. وهذا الاستردادُ يجعلُنا أكثرَ “شبهًا بالله”، حتى أننا نصيرُ صورًا أكثرَ وضوحًا له.

بعد أن فَهِمْنا صفاتَنا الأدبية، لنتجهْ إلى إمكانياتِنا العقلانية.

العقلانية

عادةً ما ترتبطُ عقيدةُ كونِ البشرِ على صورةِ الله بأنهم كائنات عاقلة. لا بد أن نشيرَ هنا أنه على الرغمِ من سقوطِ البشر، وفي حينِ فسدتْ صورةُ الله بشكلٍ شديد، إلا أنها لم تتدمر تمامًا، وبالتالي لا تزال إلى اليوم تحمل صورةُ اللهِ. وربما أفضلُ السبلِ التي نفهمُ بها ذلك هو إدراكِنا للكيفيةِ التي نستطيعُ بها أن نفكرَ ونسلكَ على نحوٍ عقلانيّ. أي أن لدى البشرِ، على الرغمِ من السقوطِ، إمكانيةُ اتخاذِ القراراتِ بناءً على تفكيرٍ مترابطٍ منطقيًا، والقدرة على التمييزِ بين الصوابِ والخطأ. ويشير هذا بوضوحٍ شديد إلى أننا خُلِقنا بناموسِ اللهِ فينا، أي أن معرفةَ ناموسِ اللهِ مغروسةٌ في كيانِنا نفسِه. ولذا يشيرُ الرسول بولُس إلى أنه بالرغمِ من أن الأممَ ليس لهم ناموسٌ الله كاليهودِ، إلا أن معرفةَ اللهِ فيهم بالطبيعةِ مغروسةً في ضميرِهم، وبهذا هم قادرون على اتخاذِ قراراتٍ عقلانيّة. [د. جاي هالي]

منذ وقتٍ مبكرٍ للغايةِ في تاريخِ الكنيسة، فهِمَ المؤمنون أن صورةَ اللهِ في البشرِ تتضمنُ قدرتَنا على التفكيرِ العقلاني، والتعامل مع مشاعر وانفعالات معقدة. نستطيعُ أن نرى أهميةَ القدرةِ العقلانيةِ للبشرِ في جنةِ عدنٍ في سفرِ التكوينِ 2: 19-20. في هذين العددين، استخدمَ آدمُ سلطانَه كصورةِ اللهِ كي يدعو الحيواناتِ بأسماءَ ملائمةٍ لها، وكي يقيِّمَ أهليتَها لتكونَ معينةً له لملءِ الأرض، وإخضاعِها.

فُقدَ البعضُ من هذه القدرةِ العقلانيةِ بسقوطِنا في الخطية، كما يتضحُ في الكثيرِ من النصوصِ الكتابيةِ التي تتحدثُ عن كونِ البشرِ حمقى، بل وأحيانًا مختلّي العقل، مثل سفرِ الجامعة 9: 3، وسفرِ إرميا 17: 9. كما تتحدثُ نصوصٌ أخرى عن فقدانِنا القدرةَ حتى على فَهمِ الأشياءِ التي يظهرُها اللهُ ويقولُها لنا. نرى هذا، على سبيلِ المثال، في سفرِ التثنيةِ 29: 2، 3، حيث لم تتمكنْ عقولُ بني إسرائيل من فهمِ دِلالةِ آياتِ وعجائبَ اللهِ التي أجراها لأجلِهم. وفي إنجيلِ يوحنا 8: 43-47، قالَ يسوعُ إن غيرَ المؤمنين هم أبناءُ إبليس، الذي هو أبو الكذاب. ونتيجةً لهذا، هم يصدقون الأكاذيب، ويعجزون عن قبولِ الحق. واستمع إلى ما كتبَه بولس في رسالةِ أفسس 4: 17-18:

كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضًا بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ (أفسس 4: 17-18).

أفسدَ سقوطُنا في الخطيةِ قدرتَنا على التفكيرِ وعلى فَهم ِالعالمِ من منظورِ الله. لكن هذا السقوطَ لم يبددْ هذه القدرةَ تمامًا. فلا زلنا نملكُ إمكانياتٍ عقليةٍ وعاطفية، وإن لم تكنْ تعملُ بالكفاءةِ ذاتِها التي كانت تعملُ بها قبلًا. على سبيلِ المثال، كما نقرأُ في رسالةِ رومية 1: 19، 20، لدى غيرِ المؤمنين أنفسِهم قدرةٌ عقليةٌ على معرفةِ أن اللهَ موجود، وعلى إدراكِ بعضِ الجوانبَ من صفاتِه غيرِ المنظورةِ ومن لاهوتِه.

دافعَ جون كالفين، الذي عاشَ من عامِ 1509-1564 م.، عن قدرةِ البشرِ الساقطين، وغيرِ المؤمنين على التفكيرِ العقليِّ في مُؤلَّفِه أُسسُ الدينِ المسيحيّ. وقد كتبَ في الكتابِ 2، الفصلِ 2، والقسمِ 15:

إن نورَ الحقِ المبهرَ الظاهرَ فيهم ينبغي أن يذكرَنا بأن العقلَ البشريّ، على الرغمِ من سقوطِه الشديدِ وانحرافِه عن نزاهتِه الأصليّة، إلا أنه لا يزال مزيَّنًا وممولًا بمواهبَ مذهلةٍ من خالقِه. إن اعتقدْنا أن روحَ اللهِ هو نبعُ الحقِ الوحيد، فإننا سنحرِصُ حينئذٍ، إذ نرغبُ في أن نتجنبَ إهانتَه، ألا نرفضَ الحقَ أو نَدينَه أينما ظهر.

بل ويوجدُ أيضًا خبرٌ أفضلُ نبشرُ به المؤمنين. كما علمَ بولُس في رسالةِ 1 كورنثوسَ 2: 11-16، أن الله أعطانا روحَهُ القدوس، وفكرَ المسيحِ حتى يتسنَّى لنا مرةً ثانيةً أن نعرفَ الحقَ كما يعرفُهُ الله. وبالإضافةِ إلى ذلك، أخبرَ بولُس أهلَ كولوسي بأنَ استعادتَنا لقدراتِنا العقلانيةِ يعدُ جانبًا من جوانبَ تجديدِ صورةِ اللهِ فينا. كما نقرأُ في رسالةِ كولوسي 3: 10:

وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ (كولوسي 3: 10).

كانت صورةُ اللهِ في الأصلِ تشملُ المعرفةَ النقيةَ دونَ أيةِ شائبة. لكن، كما ذكرنا قبلًا، فسدَتْ معرفتُنا بسقوطِ البشرِ في الخطية. وحينَ نؤمنُ بالمسيح، يبدأُ اللهُ في إصلاحِ ذلكَ الجانبِ من صورتِهِ فينا. ونتيجةً لهذا، نتمكنُ من التفكيرِ والفَهمِ بشكلٍ سليم، حتى تصيرَ أفكارُنا ومنطقُنا أكثرَ تماشيًا مع أفكارِهِ ومنطقِهِ.

أحدُ أكثرِ الأشياءِ المذهلةِ بشأنِ عملِ الروحِ القدسِ في الخلاصِ هي أنه يستعيدُ ويُصلحُ ثانيةً القدرةَ العقلانيةَ للإنسانِ التي فسدتْ سابقًا، وسقطت في الخطية، وتلوثت بها. ويعملُ الروحُ القدسُ بصفتِه روحَ اللهِ الذي يحفِّزُ تلك القدرة، ويصلِحُها، ويكمِّلُها مرةً ثانية. ولذا، فحينَ تأتي نعمةُ الله إلى حياةِ الإنسان بالكرازة بالصليب، والمسيح، يمكن أن يبدأَ الإنسانُ في الاستجابةِ ثانيةً بشكلٍ سليم، وفي اتخاذِ قرارٍ بقبولِ يسوعَ ربًا ومخلصًا. بل وبعدَ هذا يظلُ الروحُ القدسُ يعملُ بصفتِهِ روحَ إرشادٍ وفهمٍ، روحًا يهبُ المعونةَ للجنسِ البشريِ كي يفكرَ، ويستوعبَ، ويقيِّمَ كلَ شيءٍ، ويَسلُكَ بحسبِ مشيئةِ اللهِ في الحق. [ق. أجوس ساتيابوترا]

بعد أن تناولْنا صفاتِنا الأدبيةَ والعقلانيةَ باعتبارِها جوانبَ من صورةِ الله، فإننا الآنَ على أتمِ الاستعدادِ لتوجيهِ انتباهِنا إلى خصائصَنا الروحية.

الروحية

لأنَ اللهَ دونَ جسدٍ مادي، يقولُ علماءُ اللاهوتِ عادةً إنه “روحٌ”. بالطبعِ لا يعني هذا أنه محدودٌ كمحدوديةِ الأرواحِ المخلوقة. بل يَعني هذا أن وجودَه يتعدى أو يتخطى المجالَ الطبيعيّ، أي أنه موجودٌ في المجالِ الفائقِ للطبيعة، حيث ليس له جسدٌ ماديّ.

هذا ما يَعنيهِ دليلُ أسئلةِ وأجوبةِ وستمنستر المُوجَزِ من خلالِ السؤالِ والجوابِ 4. فبعدَ طرحِ سؤالِ “من هو الله؟”، بدأتْ إجابةُ الدليلِ بهذه الكلمات:

اللهُ روحٌ.

ويتضحُ سببُ هذا الاعتقادِ من نصوصٍ مثلِ إنجيلِ يوحنا 4: 24، الذي يقولُ بوضوحٍ وصراحة:

اَللهُ رُوحٌ (يوحنا 4: 24).

كما تظهرُ روحانيةُ اللهِ أيضًا في نصوصِ العهدِ القديمِ التي تشيرُ إلى روحِ الله. على سبيلِ المثال، يشيرُ سفرُ التكوينِ 1: 2 إلى روحِ اللهِ الذي كان يرفُ على وجهِ المياهِ عندَ الخلق. كما يتحدثُ سفرُ الخروجِ 31: 3 عن تشديدِ روحِ اللهِ لبصلئيلَ الصانعِ كي يؤسسَ خيمةَ الاجتماعِ وجميعَ أمتعتِها. وفي نصوصٍ من العهدِ القديمِ كهذه، تشيرُ عبارةُ “روح الله” إلى اللهِ ذاتِه، الذي هو روح.

كما رأينا في درسٍ سابق، يملكُ البشرُ أيضًا عنصرًا روحيًا. فقد خلقَنا اللهُ بأجسادٍ مادية، ونفوسٍ أو أرواحٍ لاماديّة. ولذا، يعدُ وجودُنا الروحيُّ الخالدُ صفةً أخرى نشتركُ فيها مع الله. نستطيعُ أن نرى هذا بشكلٍ خاصٍ في سفرِ التكوين 2: 7، حيث خلق اللهُ نفسًا عندما نفخ نسمةَ حياةٍ في جسدٍ آدم.

ينبغي أن نشيرَ أيضًا إلى أن خلقَ اللهِ لآدمَ يميزُ البشرَ عن خلائقَ اللهِ الأخرى. تستخدمُ نصوصٌ مثلُ سفرِ التكوين 1: 30، و7: 15 الكلماتِ العبريةَ التي تُترجَمُ “نَفْسٌ” و”روحٌ” للإشارةِ إلى حياةِ الحيوانات. لكن قيل عن آدمَ وحدَه إنه أخذَ حياتَه ونفسَه مباشرةً عندما نفخَ اللهُ فيه. علاوةً على ذلك، قيلَ عن البشرِ وحدَهم، من بينِ جميعِ خلائقَ الله، إن لهم وجودٌ روحيٌّ بعدَ أن تموتَ أجسادُهم. سيقومُ البشرُ وحدَهم في اليومِ الأخير، كما نقرأُ في إنجيلِ يوحنا 5: 28-29. ويبينُ سفرُ رؤيا يوحنا 10: 11 – 21: 5 أن البشرَ وحدَهم إما سيُعاقَبُون إلى الأبدِ في الجحيم، أو سيكافَؤون إلى الأبدِ في السماواتِ الجديدةِ والأرضِ الجديدة.

فِي قُرونٍ سابقة، اعتادَ علماءُ اللاهوت النظامي التعليم بأنَّ الصفات القابلة للمُشَارَكة، أو الصفات التي نشتركُ فيها مع الله، هي الجوانب الأساسيّة من صورتِهِ فينا. إلَّا أنَّ دراساتٍ كتابية أحدث قد كشفتْ أننا نحملُ صورتَهُ في الأساس من حيثُ المنصب والدور الذي نشغَلُهُ. ومع ذلك، مازالت الصفات التي نشتركُ فيها مع الله جزءًا هامًا من صورتِهِ. وقد فسدتْ هذه الصفات فينا بسقوطِنا في الخطية، لكنها لم تفسَدْ إلى درجةِ توقّفِنا عن أن نكون صورتَهُ. فإننا لا نزالُ نشغلُ منصِبَ حُكَّامِهِ التابعين لهُ لنتسلّطَ على الخليقة. وبنعمتِهِ ومعونتِهِ، نظلُّ قادرين على تنفيذِ مشيئتِهِ على الأرض.

تناولْنا حتى الآنَ في درسِنا صورةَ اللهِ باعتبارِها منصبًا أو وظيفةً يشغلُها البشر، وباعتبارِها مجموعةً من الصفاتِ التي نمتلكُها. والآنَ نحنُ على استعدادٍ لتناولِ موضوعِنا الرئيسيِّ الأخير: العلاقاتِ التي لنا كصور الله.

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

القسم الثاني: الصفات

مخطط لتدوين الملاحظات

II. الصفات

أ. الأدبيّة

ب. العقلانيّة

ج. الروحيّة

أسئلة المراجعة

1. ما هو العنصر الثاني من صورة الله في الإنسان كما درستها في الدرس 2 من هذه المادة؟

2. ما هي الفئات الثلاث من صفات الكائنات البشرية التي تشترك فيها مع الله – بحسب ما تم التركيز عليه في هذا الدرس؟

3. كيف يصف الدرس كيفية تأثير سقوطنا، على دينونتنا الأخلاقية؟

4. هل كان آدم وحواء قادرين على التمييز بين الخير والشر قبل الأكل من شجرة معرفة الخير والشر؟

5. علام ينطبق لفظ “عارٍ” على تكوين 7:3؟

6. هل زاد الأكل من شجرة معرفة الخير والشر المحُرّمة من معرفة آدم وحواء؟ إن كان كذلك، كيف؟

7. كيف يؤثِّر السقوط على زيادة الدينونة الأخلاقية؟

8. كيف يؤثر السقوط على قدرة الإنسان على التصرف بطرق ترضي الله؟

9. هل الإنسان الساقط قادر على ترك الخطية دون عمل خاص من الله؟

10. هل سقوط الإنسان أفقده صورة الله كليًّا؟

11. متى يبدأ الله في تجديد واسترداد السمات الأخلاقية لصورة الله في الشخص؟

12. هل غير المؤمنين لديهم ناموس الله في عقولهم وضمائرهم؟ ما هي الفقرات الكتابية التي توضح ذلك؟

13. ما الذي يعلّمه الدرس حول كيفية تأثير الخطية على القدرات العقلية؟

14. هل للإنسان الساقط القدرة العقلية على معرفة أنّ الله موجود؟

15. ما الذي يعلّمه كالـڨـن عن قدرة الإنسان الساقط على معرفة الحق؟ أو عن مواهبه؟

16. كيف يكون استرداد قدراتنا العقليّة جزء من خلاصنا؟

17. ما هو الفرق بين الكائنات البشرية والخلائق الأخرى، وفي نفس الوقت احترام نفوسهم؟

أسئلة التطبيق

1. ما هي صفات الإنسان التي تدفعك لك بصفة خاصة لاحترام الناس والإعجاب بهم؟ كيف يمكنك إظهار هذا الإحترام والإعجاب؟

2. هل تتعامل مع الغير مؤمنين بنفس الإحترام والإعجاب الذي للمؤمنين؟ لماذا نعم أو لماذا لا؟

3. إن كان الإنسان ليس له القدرة على التحوُّل إلى الله دون عمل خاص من الروح القدس، فلماذا يجب علينا أن نكرز إذن؟ كيف يؤثر تعليم الكتاب المقدس على الطريقة التي تكرز بها للناس؟

4. كيف تؤثر حقيقة أنّه حتى الغير مؤمنين قادرون على معرفة بعض الحق وأنّ لهم مواهب تدعو للإعجاب، على طريقة ارتباطك بهم؟ كيف تغيّر هذه الحقيقة من طريقة قراءتك لكتاباتهم ونظرتك لأعمالهم الفنية، ومشاهدتك لأفلامهم؟

5. كيف تؤثر حقيقة أن الغير مؤمنين يعرفون وجود الله وأنّ عندهم ناموس الله في ضمائرهم، على طريقتك في الكرازة؟ أو طريقة ارتباطك بهم بشكل عام؟

AJAX progress indicator
Search: (clear)
  • إلّيه توليدوت
    عبارة عبرية (مترجمة بحروف عربية) تعني "هذِهِ مَبَادِئُ" أو "هذه مواليد".
  • الضامن
    الشخص الذي يضمن دفع دَين شخص آخر عن طريق أنه يصبح مسؤولًا قانونيًا عن دَين الآخر.
  • العهد
    اتفاق قانوني مُلزم يُقطع بين شخصين أو مجموعتين من الناس، أو بين الله وشخص أو مجموعة من الأشخاص.
  • النعمة التي لا تُقاوم
    نعمة من الروح القدس والتي تضمن أن من يختار أن يخلصهم سيختارون طريق الخلاص.
  • بروتو-ايفانجيليون
    أو بروتوايفانجيليوم؛ تعبير لاهوتي "للإنجيل الأول" أو الوعد الأول للفداء الموجود في التكوين 3: 15.
  • بيريت
    مصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) يتُرجم عادة "عهد".
  • دياثيكي
    مصطلح يوناني (مترجم بحروف عربية) يعني "عهد".
  • فرائض الخلق
    المتطلبات أو الأوامر الأدبية التي وضَعَتْها أعمالُ اللهِ الأولى في الخلق.
  • نعمة استباقية
    نعمة من الروح القدس تأتي قبل الإيمان الذي يُخلّص وتمكننا من اختيار طريق الخلاص.
  • الأنثروبولوجي
    مصطلح لاهوتي لدراسة الإنسان أو العقيدة عن الإنسان.
  • التكليف الحضاري
    الوصية في التكوين 1: 28 التي تأمر البشر أن ينموا الخليقة ويسودوا عليها من أجل إظهار مجد الله.
  • التقسيمُ الثنائيّ
    أو Dichotomy؛ ويعني التقسيم إلى جزئين. في اللاهوت تعني: العقيدة التي تُعلم بأن البشر يتكونون من جزئين (الجسد والنفس)؛ تُسمى أيضًا "التفريع الثنائي".
  • إيش
    مصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني رجل.
  • إيشاه
    مصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني امرأة.
  • عري
    تعبير استخدم في تكوين ٣: ٧ لوصف كلا من العري الجسدي والعار.
  • التقسيم الثلاثي
    أو Trichotomy؛ وهو التقسيم إلى ثلاثة أجزاء؛ في اللاهوت، هي العقيدة القائلة بأن البشر يتكونون من ثلاثة أجزاء (الجسد، والنفس، والروح). تُسمى أيضًا "التفريع الثلاثي".
الاختباراتالحالة
1

من هو الإنسان؟ - الدرس الثاني - الامتحان الثاني

‫القسم ‫السابق

انجازك في الدورة

محتوى الدورة الدراسية

ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: في البدء
  • التحضير للدرس الأول
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الأول – القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الأول - القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الأول - القسم الثالث
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: صورة الله
  • التحضير للدرس الثاني
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الثاني - القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الثاني – القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الثاني – القسم الثالث
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: لعنة الخطية
  • التحضير للدرس الثالث
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الثالث – القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الثالث - القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الثالث - القسم الثالث
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الرابع: عهد النعمة
  • التحضير للدرس الرابع
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الثالث
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الرابع
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الخامس: القراءات المطلوبة
  • متطلبات القراءة 1
  • متطلبات القراءة 2
  • متطلبات القراءة 3
العودة إلى من هو الإنسان؟

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in