مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / من هو الإنسان؟ / الدرس الثالث: لعنة الخطية

من هو الإنسان؟ – الدرس الثالث – القسم الأول

تقدم القسم:
← العودة إلى الدرس
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

المقدمة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN03_01.mp4

الأصل
الجنس البشري

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN03_02.mp4

الأشخاص

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN03_03.mp4

المصدر، ج1

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN03_04.mp4

المصدر، ج2

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aMAN03_05.mp4
  • المقدمة
  • الأصل
    الجنس البشري
  • الأشخاص
  • المصدر، ج1
  • المصدر، ج2

المقدمة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN03_01.mp3

الأصل
الجنس البشري

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN03_02.mp3

الأشخاص

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN03_03.mp3

المصدر، ج1

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN03_04.mp3

المصدر، ج2

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aMAN03_05.mp3
  • المقدمة
  • الأصل
    الجنس البشري
  • الأشخاص
  • المصدر، ج1
  • المصدر، ج2

المقدمة

ذهبَ أغلبنا إلى الكثيرِ جدًا من الجنازات. وحتى إن كنا قد ذهبْنا إلى جَنازةٍ أو اثنتين فقط، إلا أن الكثير منها قد حدث بالفعل. في الجنازاتِ المسيحية، نُبدي رجاءً، لأننا نعلم أننا في النِّهاية سنجتمعُ ثانيةً بأصدقائِنا وأحبائِنا الذين فقدناهُم. لكننا مع ذلك ننوحُ لأننا نُبغِضُ الأوجاع، والضيقات، والألم، والموت الذي سببتْهُ الخطية في عالَمِنا. إننا نُدرك أنه لولا الخطية، لَمَا وُجدَتْ جنازاتٌ على الإطلاق. فقد نَشرت الخطية خرابًا في عالَمِنا، وعائلاتِنا، وحياتِنا. وفي النِّهاية ستقتُلُنا. كيف بلغْنَا هذا الحدَّ؟ لماذا تملِكُ الخطية كلَّ هذه القوة وكلَّ هذا الوجود في حياتِنا؟

هذا هو الدرسُ الثالثُ في سلسلتِنا بعنوانِ من هو الإنسان؟، وقد وضعْنا له عنوانَ “لعنةِ الخطية”. في هذا الدرس، سندرسُ ما يقولُه الكتابُ المقدسُ عن خطيةِ الإنسان، وبالأخصِّ عن تأثيراتِها السلبيةِ على البشر.

يوجدُ الكثيرُ من أنواعِ ودرجاتِ الخطية. لكن في لبِّ هذه جميعِها تكمنُ روحٌ من التمردِ على الله. يعبرُ دليلُ أسئلةِ وأجوبةِ وستمنستر الموجَز، الذي صدرَ لأولِ مرةٍ في عامِ 1647 م، عن وجهةِ نظرٍ بروتستانتيةٍ مسكونيةٍ بشأنِ الخطيةِ في السؤالِ الرابعَ عشرَ وجوابِه. وإجابةً عن السؤال “ما هي الخطية؟”، يقولُ الدليل:

إن الخطيةَ هي عدمُ الامتثالِ لناموسِ الله، أو التعدّي عليه.

وكما سنرى في هذا الدرس، كان الازدراءُ بناموسِ اللهِ وتجاهله أمرًا مركزيًا في خطيةِ البشرِ الأولى، ولا يزالانِ سمتينِ تميزانِ حالتَنا الملعونة.

سينقسمُ درسُنا عن لعنةِ الخطيةِ إلى ثلاثةِ أجزاء. أولًا، سنتناولُ أصلَ خطيةِ البشر. وثانيًا، سنصفُ طبيعةَ الخطيةِ الجوهرية. وثالثًا، سنتناولُ عواقبَ الخطية. وسنبدأُ من أصلِ خطيةِ البشر.

الأصل

ليس من الممكنِ إنكارُ وجودِ خطيةِ البشر. فهم يقترفون كافةَ البشاعاتِ والأعمالِ الشريرةِ في حقِ الله، وفي حقِ بعضِهم البعض، والمخلوقاتِ الأخرى، والعالمِ نفسِه، بل وفي حقِ أنفسِهم. لكن من أين أتتِ الخطية؟ ما هو المصدرُ الرئيسيُّ لخطيةِ الإنسان؟ وكيف جاءتْ لتفسدَ البشرية؟

سنتناولُ أصلَ خطيةِ البشرِ من ثلاثِ وجهاتِ نظر. أولًا، سنستعرضُ أصلَ الخطيةِ في الجنسِ البشريّ. وثانيًا، سنسلطُ الضوءَ على أصلِ الخطيةِ في الأشخاص. وثالثًا، سنتناولُ مصدرَ خطيةِ البشرِ ومن يقعُ عليه اللومُ التامُ عنها. لننظرْ أولًا إلى أصلِ الخطيةِ في الجنسِ البشريّ.

الجنس البشري

سقطَ البشرُ في الخطيةِ في بدايةِ وجودِنا. في حقيقةِ الأمر، كان أولُ كائنين بشريين – آدمَ وحواءَ – هما من أدخلا الخطيةَ إلى الجنسِ البشريّ. كما رأينا في درسٍ سابق، خُلِق آدمُ وحواءُ بلا خطية. لم يكن لديهِما مَيْلٌ تجاهَ ارتكابِ الخطية، ولم يوجدْ سببٌ يدعوهُما إلى أن يخطئا. كان اللهُ محسنًا للغايةِ تجاهَهما. كانت لديهِما جميعُ الأسبابِ التي تجعلُهما يثقانِ بالله، ويكتفيان بإعالتِه لهما، وأيضًا يرغبانِ في الاستمرارِ في بركاتِ عهدِه، وتجنبِ لعناتِ عهدِه.

وكي يستمرا في بركاتِ العهد، ويتجنبا لعناتِ العهد، كان يَلزمُهما أن يظلا وفيين تجاهَ بنودِ عهدِ الله. يسردُ سفرُ التكوين 1، 2 بعضَ الأشياءِ التي كان يشتملُ عليها الوفاءُ للعهد. كان هذا يشملُ التزامَ آدمَ وحواءَ بأن يملآ الأرضَ بالبشر، ويعتنيا بها، لجعلِها ملائمةً لحضورِ الله. كان عليهما أيضًا أن يتسلطا على المخلوقاتِ الأخرى التي خلقَها الله. وكان عليهِما أن يعملا، ويحفظا جنةَ عدن. بالإضافةِ إلى ذلك، تلقيا نهيًا صريحًا: فقد كان محظورًا عليهِما الأكلُ من ثمرِ شجرةِ معرفةِ الخيرِ والشر.

بيّنت هذه الالتزاماتُ العهديةُ أنواعَ الأشياءِ التي كانت تسرُ الله، وتلك التي كانت تغضبُه. من شأنِ تلك الأشياءِ التي تسره أن تكافأ ببركاتِ عهدِ الله. ومن شأنِ تلك التي تغضبُهُ أن تُعاقبَ بلعناتِ عهدِ الله.

وللأسف، في سفرِ التكوين 3: 1-7، أغرت الحيةُ حواءَ للأكلِ من الثمرةِ المحرَّمة، فأكلَت. ثم أعطتْ حواءَ من الثمرةِ لآدم، فأكلَ منها أيضًا. وفي الحال، أدركا أنهما كانا عريانين، فشعرا بالخزي. لا يَدَّعي سفرُ التكوينِ امتلاكَ الشجرةِ لأيةِ قوةٍ تجعلُ البشرَ خطاة. بل بالأحرى، كانت خيانةُ آدمَ وحواءَ هي ما أدتْ إلى شعورِهما بالذنبِ والخزيْ.

ثم، في سفرِ التكوينِ 3: 8-24، واجه اللهُ آدمَ وحواءَ، ولعنَهما بسببِ خيانتِهما. وعادةً ما يطلقُ علماءُ اللاهوتِ على هذه المجموعةِ الكاملةِ من الأحداثِ – بدءًا من غوايةِ الحيةِ وحتى دينونةِ اللهِ – “السقوط”. ويعكسُ اسمُ “السقوطِ” فكرةَ أن خطيةَ آدمَ وحواءَ جعلَتْ البشرَ يسقطونَ من مجالِ مسرةِ اللهِ وبركاتِهِ. على سبيلِ المثال، في سفرِ التكوينِ 3: 16، قالَ اللهُ لحواء:

تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ (التكوين 3: 16).

لم تلغِ لعنةُ اللهِ الالتزامَ الواقعَ على حواءَ بإكثارِ صورٍ للهِ على الأرض. لكنها أكدت لها أن وفاءَها بهذا الالتزامِ سيكونُ مؤلمًا. كما أسفرت أيضًا عن صراعٍ في علاقتِها الزوجيةِ بآدم. وفي سفرِ التكوينِ 3: 17-19، صبَّ اللهُ لعنةً مماثلةً على آدم:

مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ (التكوين 3: 17-19).

لم يضعْ اللهُ نهايةً للالتزامِ الواقعِ على آدمَ بأن يُخضعَ الأرضَ ويعتنيَ بها. لكن كلَ ما حدثَ هو أنه جعلَ الأمرَ أكثرَ وجعًا وصعوبة. والأسوأ من هذا هو أن كلًا من آدمَ وحواءَ سيقاسيان الموتَ بسببِ خطيتِهما.

نتيجةً للسقوطِ، أدانَ اللهُ الرجالَ والنساءَ، بل وكلَّ الخليقةِ أيضًا. وبالتالي، صارَ العملُ، على سبيلِ المثالِ، الذي انخرطَ فيه آدمُ وحواءُ من قَبْلِ السقوطِ، تعبًا وعناءً. ولذا، يشعرُ البشرُ بمزيجٍ من الحبِ والكراهيةِ تجاهَ العملِ. أيضًا فسدت العلاقةُ بين الرجلِ والمرأة، وتشوَّهت. كما صارت ولادةُ الأولادِ – التي هي عطيةٌ أخرى منَ اللهِ لإعادةِ خلقِ المزيدِ من صورِه – مؤلمةً. وفي الأساسِ، كانت النتيجةُ النهائيةُ هي استمرارُ الاستمتاعِ بالأمورِ الصالحةِ التي أعطاها اللهُ لآدمَ وحواءَ، لكن تشوهت وانحرفت هذه الأمورُ فعليًا بشكلٍ ما، ولم يعد ممكنًا الاستمتاعُ بها في ملئِها. [د. سيمون فيبيرت]

لا نعلمُ ما الذي كان سيحدثُ لو لم يخطئْ آدمُ وحواء. يعتقدُ البعضُ أن البشرَ كانوا سيمكثون على الدوامِ في جنةِ عدنٍ طالما لم يخطِئا. ويعتقدُ آخرون أن آدمَ وحواءَ كانا في فترةِ اختبار، ولو نجحا في الاختبار، كانا سيعيشانِ إلى الأبد. لكن الواقعَ أنهما أخطآ بالفعل، وكانت خطيتُهما هي أصلُ الخطيةِ في الجنسِ البشريّ.

بعد أن تناولْنا أصلَ الخطيةِ في الجنسِ البشريّ، لنتجهْ إلى الكيفيةِ التي بها تدخلُ الخطيةُ إلى الأشخاص.

الأشخاص

لو لم يكنْ لخطيةِ آدمَ وحواءَ تأثيرٌ على أيِّ شخصٍ سواهُما، فإن كلَ إنسانٍ إذًا كان سيواجه خيارًا مماثلًا للخِيارِ الذي واجهه آدمُ وحواء. سيكون من شأنِ كل شخصِ أن يقررَ بنفسِه إن كانَ سيظلُ بلا خطيةٍ أم سيسقطُ في الخطية. لكن يعلمُ الكتابُ المقدسُ بأن اللعنةَ التي وقعتْ على آدمَ وحواءَ تسري على جميعِ ذريتِهما الطبيعيةِ – أي على الجميعِ عدا يسوع. استمع إلى ما كتبَه بولس عن خطيةِ آدمَ في رسالةِ رومية 5: 12-19:

كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ… كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، … كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً (رومية 5: 12-19).

أدانت معصيةٌ واحدةٌ من آدمَ جميعَ البشرِ لأن آدمَ كان رأسُ العهدِ للجنسِ البشريّ. لم يكنْ آدمُ يمثل نفسَه فحسب، بل أيضًا زوجتَه، وكل إنسانٍ آخرَ يأتي من نسلِهما، بالتناسلِ الطبيعيِّ البشريّ. وقد احتُسِبتْ خطيتُه علينا. وصارَ ذنبُه هو ذنبُنا. ولأننا نشتركُ في ذلك الذنب، فإننا نشتركُ أيضًا في لعنةِ اللهِ عليه، بما في ذلك الموتُ والفساد. ولهذا استطاعَ بولس أن يقولَ إن خطيةَ آدمَ تسببت في موتِ الإنسان، وحولت جميعَ البشرِ إلى خطاة. فمن خلالِ آدم، أفسدتنا الخطيةُ جميعًا، حتى أننا نولدُ في هذا العالمِ مذنبين بالفعلِ بخطيةِ آدم، ومستعبَدين للخطية، ومحكومًا علينا بالموت. أو كما صاغَ بولس الأمرَ في رسالةِ 1 كورنثوسَ 15: 22:

فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ (1 كورنثوس 15: 22).

يُحمِّل اللهُ جميعَ البشرِ مسئوليةَ خطيةِ آدمَ بسببِ عقيدةِ الرئاسةِ والتمثيلِ الاتحاديّ. فقد كان آدمُ، ولا يزالُ، هو رأسُنا الاتحاديّ. وكي نفهمَ هذا، تخيلْ أن لدينا مملكتين، كلُّ مملكةٍ منهما لها ملكٌ. إن كنتَ مواطنًا في المملكةِ الأولى وأعلن ملكُ هذه المملكةِ الحربَ على المملكةِ الثانية، فلأن هذا الملكَ هو ممثلُكَ الاتحاديّ، فإنك تصيرُ في حالةِ حربٍ مع المملكةِ الثانية. وهكذا يجري الأمرُ لاهوتيًا. آدمُ هو رأسُنا الاتحاديّ؛ ونحن كنا جميعًا في آدمَ حين خُلِقَ. فهو ممثلُنا الاتحاديّ، وبالتالي حين سقطَ، سقطْنا فيهِ. إن كان هذا يمثِّل لنا مشكلةً، فإننا إذًا في مأزِقٍ، لأن الخلاصَ يجري بالطريقةِ نفسِها. يصيرُ المسيحُ رأسَنا الاتحاديّ، حتى، كما في آدمَ، كما يقولُ بولُسْ في رومية 5، “أخطأ الجميعُ”، في المسيحِ، يحيا جميعُنا. وهكذا، حَفِظَ المسيحُ، باعتبارِه رأسَنا الاتحاديّ، الناموسَ كاملًا، ونجح فيما أخفق فيه آدمُ الأول، ونال النصرةَ على الموتِ، وعلى الجحيمِ، والقبر. ولأنه بارٌ برًا كاملًا أمكنه أن يحسبَ لنا ذلك البرَ، وفي طاعتِهِ السلبيةِ أخذَ على عاتقِهِ الموتَ الذي ندينُ نحن به من جرَّاءَ رأسِنا الاتحاديّ، آدمَ، بحيثُ، بطاعتِهِ السلبيةِ والإيجابيةِ، تُحسَبُ خطيتُنا له، ويُحسَبُ برُه لنا. هذا هو الوجهُ الآخرُ من الرئاسةِ الاتحادية. ولذا، لا يمكنُك أن تقدِّرَ حقًا قيمةَ رئاسةِ آدمَ الاتحاديّةِ إلى أن تقدرَ قيمةَ رئاسةِ المسيحِ الاتحاديّة. [د. فودي باكام، الابن]

ربما يبدو غريبًا أن نفكرَ في الأمرِ هكذا، لكن كان سماحُ اللهِ بأن يُدانُ البشرُ في آدمَ رحمةً منه. كان آدمُ يملكُ قدرةً على تجنبِ الخطيةِ تفوقُ قدرتَنا بكثير. وقد تعرضَ لإغواءٍ أقلَ مما نتعرضُ له بكثير. فهو لم يولدْ في عالمٍ تتفشَّى فيهِ الخطية. ولم يتعرضْ لتأثيراتٍ آثمةٍ من جماهيرَ من البشرِ الآخرين. وعلاوةً على ذلك، فقد تمشَّى وتكلمَ مع اللهِ في جنةِ عدن. ودون شك، فاقت معرفتُه واختبارُه للهِ معرفتَنا واختبارَنا. كما أنه امتلكَ برًا شخصيًا عظيمًا، كونَه خُلق دونَ أيةِ خطية. لا أحدٌ سوى المسيحِ امتلكَ يومًا قدرةً شخصيةً على مقاومةِ الخطيةِ أكثرَ من قدرةِ آدم. فإن كان لنا أن نواجهَ الإغواءَ نفسَه الذي واجهَه آدم، كنا سنخفقُ بشكلٍ مأساويٍّ يفوقُ إخفاقَه بكثير. وبالتالي، فإن تمثيلَه لنا كان فعليًّا فائدةً عظيمة.

من السهلِ أن نفهمَ أن اللهَ قد وضعَ ذنبَ الخطيةِ علينا مباشرةً لأن آدمَ كان ممثلًا لنا. لكن ينقسمُ علماءُ اللاهوتِ بشكلٍ ما فيما يتعلقُ بالعمليةِ التي من خلالِها تُفسدُ الخطيةُ الأشخاصَ وتسكنُ فيهم. يعتقدُ البعضُ أن الخطيةَ تأتي إلينا من اللهِ مباشرةً كعقوبةٍ قضائيةٍ ملائمةٍ عن الذنبِ الذي نشتركُ فيهِ في آدم. ويعتقدُ آخرونَ أننا نرثُ الخطيةَ من أبوينا. فيقولون إنها تتوالدُ فينا بطريقةٍ تشابهُ طريقةَ تكونِ أجسادِنا بحسبِ نمطِ والدينا. وعلى أيةِ حال، تُفسدُ الخطيةُ الإنسانَ من لحظةِ الحبلِ به. يقولُ المزمورُ 58: 3 إن الأشرارَ زائغونَ من الرحم. وفي المزمورِ 51: 5، رثا داودُ زناهُ مع بثشبعَ بإقرارِه بأنه خاطئٌ منذ حبِلت به أمه. وبالتالي، فحتى الأطفالِ الذينَ يموتون في الرحمِ يحتاجون إلى الخلاصِ بواسطةِ يسوع. كما قالَ يسوعُ في إنجيلِ يوحنا 14: 6:

أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي (يوحنا 14: 6).

تبينُ حقيقةُ أن ليس أحدٌ يأتي إلى الآبِ إلا بيسوعَ أن الجميعَ، دونَ استثناءٍ، يحتاجون إلى الغفرانِ والتطهيرِ من الخطية. وبسببِ خطيتِنا، نأتي جميعُنا إلى هذا العالمِ في حالةِ من الموتِ الروحيّ، كما علَّمَ بولس في رسالةِ 2: 1-3. وجميعُنا نصارعُ مع الخطيةِ الساكنةِ فينا، ومع طبيعةٍ فاسدة، وآثمةٍ كما تصفُ رسالةُ رومية 7: 14-25. تنبع كلُ مشكلةٍ من هذه المشكلاتِ من خطيةِ آدمَ الأولى في جنةِ عدن. لم يكن ذلك التعدي هو أصلُ الخطيةِ في الجنسِ البشريّ فحسب، لكنه أيضًا أصلُ الخطيةِ في كلِ إنسانٍ على حدة.

الآن وقد تناولْنا أصلَ الخطيةِ في الجنسِ البشريّ وفي الأشخاص. لننتقلْ إلى مصدرِ خطيةِ البشر.

المصدر

حين نتحدثُ عن مصدرِ خطيةِ البشر، فإننا نقصِدُ بهذا من يقعُ عليه اللومُ في النهاية. وللتوضيح، فكرْ فيما يحدثُ حينَ يلعبُ أحدُهم لعبةً مثلَ البيليارد. يحركُ أحدُ اللاعبين عصا، فتضربُ العصا الكرة، التي تضربُ كرةً أخرى، محركةً إياها. يمكننا وصفَ حركةِ القطعِ المختلفةِ من منظورِ أيِّ جزء. على سبيلِ المثال، يمكنُ أن نقولَ إن العصا جعلتْ الكرةَ تتحرك، وأن الكرةَ حركت الكرةَ ثانيةً. لكن لا أحدًا يمكنُ أن يقولَ إن الكرةَ الأولى، أو حتى عصا البليارد، كانت هي أصلُ كلِ هذه الحركة. بالتأكيدِ كان اللاعبُ هو من بدأَ الأمرَ برمَّتِه، أولًا باتخاذِه القرارَ بتحريكِ العصا، ثم بتحريكِها بالفعل.

وينطبقُ شيءٌ مماثلٌ لهذا على البشرِ حينَ يخطئون. بالطبع، تعدُ خطيةُ البشرِ أكثرُ تعقيدًا من هذا، لأن كلَ إنسانٍ يملكُ إرادة، ويمكنُه أن ينشئَ أو يصدرَ جوانبًا جديدةً من الأحداث. لكن في مكانٍ ما، لا يزالُ هناك مصدرٌ نهائيٌ للأحداث.

إنَّ هذه الفكرةَ الخاصة بالمصدر هامةٌ لأنَّ الكثيرين من أعداءِ المسيحيّة قد اتَّهموا الله بأنهُ هُو “مصدرُ” سقوط البشر في الخطية. أي أنَّهم حاولوا إلقاءَ اللوم على الله لأجلِ خطايا البشر. وبوجهٍ عام، لديهِمْ غرضين في ذهنِهِم. فمِن جهةٍ، قال البعض إنَّه إن كان الله نفسُهُ خاطئًا فهُو غيرُ جديرٍ بأن يكونَ الله، وقطعًا غيرُ جديرٍ بالعبادة. ومن جهةٍ أخرى، قال البعضُ الأخر إنَّهُ إن كان الله هو المصدرُ النهائي للخطية، فإنَّ البشر إذَاً غيرُ مسؤولينِ عنِ الخطية، وسيكونُ مِنَ الظلم أنْ نُعاقَب عنها. لكن ماذا يقولُ الكتابُ المقدس؟

ربما تتذكرُ أنه بعدَ أن أكلَ آدمُ وحواءُ من الثمرةِ المحرمة، أدانَ اللهُ الحية، وأدان آدمَ وحواء. وفي خضمِ تلك الدينونة، حاول كلُ من آدمَ وحواءَ إزاحةَ اللومِ عنهما وإلقائِه على شخصٍ آخر. كان آدمُ أولَ من حاولَ إبعادَ اللومِ عنه. في سفرِ التكوينِ 3: 12، قالَ آدم:

الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ (التكوين 3: 12).

لم ينكرْ آدمُ أكلَه من الثمرة، لكنه حاولَ أن يتجنبَ تحملَ المسئولية. أولًا، ألقى باللومِ على زوجتِه، التي أعطتْهُ من الثمرةِ ليأكلَ منها. وثانيًا، ألقى باللومِ ضمنيًا على الله، بما أنه هو من خلقَها. في سفرِ التكوين 3: 13، ألقت حواءُ باللومِ على الحية، قائلةً:

الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ (التكوين 3: 13).

حاول كل من آدمَ وحواءَ أن يقولا إن اللومَ النهائيّ، أو “مصدرَ” خطيتِهما، ينبغي أن يوضعَ على شخصٍ آخر. ويبدو أنهما فعلا هذا كي يحاولا التملصَ من العقوبة. لكن بالطبع، لم يتفقْ اللهُ مع منطقِهما. فهو لم ينكرْ أنهما تأثرا بآخرين. لكنه رفضَ أن تمدَه هذه التأثيراتُ الخارجيةُ بأسبابٍ كافيةٍ لعدمِ معاقبتِهما. وبالتالي، وفي الأعدادِ التي تلي هذا، عاقبَ اللهُ الحيةَ لأنها غرتْ المرأة. وعاقبَ حواءَ لأنها خُدِعت بعدمِ الثقةِ بالله، ولأكلِها من الثمرة، ولأجلِ تضليلِها لزوجِها. كما عاقبَ آدمَ لأنه أُضِلَ من قبلِ حواء، ولأكلِه من الثمرة. فمن منظورِ الله، كان آدمُ وحواءُ مذنبين على أقلِ تقديرٍ لأنهما اختارا عصيانَ وصيتِه.

في هذا الشأن، ربما نقولُ إن “المصدرَ” النهائيَّ للخطيةِ كان الحية، لأنها كانت أولَ من ابتدَعَ فكرةَ ارتكابِ الخطية، وأولَ من حاولَ جعلَ البشرِ يخطئون. إلا أن آدمَ وحواءَ ساهما في هذا الحدثِ أيضًا بخياراتِهما الحرة؛ ومن هذا المنطلق، كانا هما مصدرَ خطيةِ البشر.

لكن مع ذلك نظلُ أمامَ أسئلةٍ شائعةٍ للغاية، من قبيلِ: لماذا أخطأتْ الحية؟ من كان أولَ مخلوقٍ عاقلٍ يرتكبُ الخطية؟ لماذا أخطأَ ذلك المخلوق؟، وأخيرًا هل اللهُ مسئولٌ في النهايةِ عن خطايا مخلوقاتِه؟ لا يجيبُ الكتابُ المقدسُ عن جميعِ هذه الأسئلةِ بشكلٍ وافٍ. لكنه يمدُنا بالفعلِ بمعلوماتٍ كافيةٍ نجيبُ بها عن أهمِ الجوانب.

في المقامِ الأول، يُصرُ الكتابُ المقدسُ بشدةٍ على أن اللهَ ليس مُلامًا، وليس مذنبًا بالخطية، ولا يدفعُ أحدًا إلى أن يخطئ. في حقيقةِ الأمر، يعدُ اللهُ نفسُه هو المقياسُ الكاملُ والمثاليُّ للصلاح. وبالتالي، وبالطبيعة، لا يمكنه أن يكونَ مذنبًا بأيِّ شيء. استمع إلى ما كتبَه يوحنا في رسالةِ 1 يوحنا 1: 5:

إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ (1 يوحنا 1: 5).

في هذه الرسالة، استخدمَ يوحنا بصورةٍ متكررةٍ كلمةَ “النورِ” للإشارةِ إلى الطهارةِ الأخلاقية؛ وكلمةَ “الظلمةِ” للإشارةِ إلى الخطيةِ ونتائجَها. والفكرةُ هنا واضحةٌ: إن اللهَ خالٍ تمامًا من الخطية.

إن اللهَ هو نفسُه المقياسُ المطلقُ للخيرِ والشر. لا يوجدُ مقياسٌ أدبيٌّ مطلقٌ خارجَه يمكنُ أن يحكمَ عليهِ أو يدينَه. وإلى جانبِ هذا، يخبرُنا الكتابُ المقدسُ بأن اللهَ يبغضُ الخطيةَ في نصوصٍ مثلِ سفرِ التثنيةِ 25: 16، والمزمورِ 5: 4، وسفرِ زكريا 8: 17. وتقولُ رسالةُ يعقوبُ 1: 13 إن اللهَ لا يمكنُ أن يُجرَّبَ بالخطية.

لكن بما أن اللهَ خالٍ من الخطية، ويبغضُ الخطية، وهو قادرٌ بما يكفي كي يمنعَ الخطية، فكيف إذًا حدثت الخطية؟ كيف لخالقٍ بلا خطية، وكليِّ القدرةِ أن يصنعَ خليقةً من شأنِها أن تؤديَ إلى الخطية؟ أجابَ غالبيةُ علماءَ اللاهوتِ عن هذا السؤالِ من منطلقِ حريةِ إرادةِ مخلوقاتِ الله.

إن فكّرَ أحدُهم في علمِ اللاهوت، وفي الكتابِ المقدس، وفي الإيمانِ المسيحيِّ لفترةٍ منَ الوقت، فإن آجلًا أو عاجلًا سيُخطرُ بباله هذا السؤال: “حسنًا، لمَ ليس اللهُ هو مصدرُ الخطيةِ؟” وأظن أننا ينبغي بالفعلِ أن نقرَّ، وفي الحقيقةِ، أن نُجْزمَ بأن كلَّ شيءٍ يحدثُ هو جزءٌ من خطةٍ كبرى. وبالتالي، فإنَّ اللهَ هو مَن خطّطَ منذُ الأزلِ لكلِ ما نراهُ، وهو أيضًا لديهِ قصدٌ كبير. ولذا، ستحقّقُ الخطةُ من الأزلِ وإلى الأبدِ قصدًا مجيدًا. لكننا لا نقولُ إن اللهَ هو مصدرُ الخطيةِ لأن اللهَ ليس هو العلَّةِ الفعّالةِ للخطية، وبهذا أَعني أنه ليس هو صانعُ العملِ. إننا في هذا نُولِى أهميةً كبيرة لمفهومِ السماح، أن اللهَ خلقَ كائناتٍ مسؤولةً أدبيًا، وأعطاهُمُ إمكانيةَ الاختيارِ بين الصوابِ والخطأ. حين يُعملُ الخيرُ، يكونُ هذا بنعمةِ الله، ونُسرعُ في القولِ إن اللهَ هو من عيَّن الخيرَ. وحين يقعُ الشرُ، نقولُ إن هذا يقعُ في إطارِ مشيئةِ اللهِ السامحة، وإن اللهَ سمح بهذا. وهذا صحيحٌ منذُ جنةِ عدنٍ وإلى أن يجثو إبليس عند قدميِّ يسوعَ ويعلنُهُ ربًا. [د. كين كيثلي]

تُبيّن مختلفُ التقاليدَ اللاهوتيةِ حريةَ الإرادةِ بطرقٍ مختلفة. لكن يميلُ الإنجيليون إلى الاتفاقِ مع الترتيبِ التالي للأحداثِ والأسباب. أولًا، خلقَ اللهُ الملائكة، وأعطاهم حريةَ إرادةٍ كافيةً حتى أنهم كانوا يستطيعون الاختيارَ بين ارتكابِ الخطيةِ وتفاديها. حينَ اختارَ الملائكةُ أن يُخطِئوا، سقطوا من نعمةِ الله، وصاروا معروفين بأنهم شياطين. تشيرُ رسالةُ يهوذا 6 إلى هذا حينَ تقول:

وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ [الله] إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ (يهوذا 6).

وتستخدمُ رسالةُ 2 بطرسُ 2: 4 عبارةً مماثلةً لوصفِ هؤلاءِ الملائكةِ الساقطين.

بعدَ سقوطِ الملائكة، خلقَ اللهُ البشرَ ووضعَهم في جنةِ عدن. وعلى غرارِ الملائكة، خُلقَ البشرُ بحريةِ إرادةٍ كافيةً كي يُخطئوا أو لا يُخطئوا.

وصفَ أوغسطينوس، أسقفُ هيبو، الذي عاشَ من عامِ 354 م إلى 430 م، هذا بأنها حالةٌ تدعى (posse non peccare) “بوسيه نون بيكاريه“. يمكنُ ترجمةُ هذه العبارةِ اللاتينيةِ حرفيًا كالآتي: “أن تكونَ قادرًا ألا تخطئ”. ولكن، في الاستخدامِ اللاهوتيِّ للعبارة، تعدُ الترجمةُ الأكثرُ شيوعًا هي “القدرةُ على عدمِ ارتكابِ الخطية”. وبحسبِ أوغسطينوس، كانت لدى آدمَ وحواءَ القدرةُ على تجنبِ الخطيةِ تمامًا. لكن كانت لديهِما أيضًا القدرةُ على ارتكابِ الخطية.

بعد أن وُضعَ البشرُ في جنةِ عدن، اتخذَ إبليس، أكثرُ الملائكةِ الساقطين بروزًا، هيئةً حية. وفي هذه الهيئة، خدعَ حواءَ كي تأكلَ من الثمرةِ المحرمةِ لشجرةِ معرفةِ الخيرِ والشر. وعلى الرغمِ من عدمِ تعريفِ سفرِ التكوين للحيةِ بأنها إبليس، إلا أن سفرَ الرؤيا 12: 9، و20: 2 يطلقُ على إبليسَ اسمَ “الحيةِ القديمة”. وفي إنجيلِ متى 4: 6 استخدمَ إبليسُ الاستراتيجياتِ نفسَها التي استخدمتْها الحيةُ في جنةِ عدنٍ لخداعِ حواءَ لمحاولةِ الاحتيالِ على يسوع. في كلتا الحالتين، كانت الاستراتيجيةُ هي الاقتباسُ من كلماتِ الله، ثم إساءةُ تطبيقِها. ولأسبابٍ من قبيلِ هذه، ساوى غالبيةُ علماءَ اللاهوتِ الإنجيليون بين الحيةِ في جنةِ عدنٍ وبينَ إبليس.

على أيةِ حال، يسجلُ سفرُ التكوين 3: 6 أن كلًا من حواء، ثم آدم، قد أكلا من الثمرةِ المحرمة. فقد عرفا وصيةَ الله، واختارا بإرادتِهما الحرةِ أن يعصياه. لم يتعرضا للضغطِ من أيةِ قوةٍ داخليةٍ أو خارجية. كانت أذهانُهما وخياراتُهما ملكَهما. وبهذا، كان البشرُ ملامين على خطيتِهما، وليسَ الله. ولكن ربما لازالَ يراودُنا هذا السؤال: “لماذا سمحَ اللهُ للبشرِ بأن يُخطئوا. وما الهدفُ من هذا؟

أحدُ الأسئلةِ الدائمةِ التي يطرحُها المسيحيون، وهم محقون في هذا، هو لماذا سمح اللهُ لآدمَ وحواءَ بأن يخطئا؟ يبدو أننا لا نستطيعُ تخيلَ كيفَ لم يمنع إلهٌ، يملكُ قوةً غيرَ محدودةٍ، وقوعَ هذه العواقبَ الكارثية مسبقًا، ومجيءُ هذه القرون، آلافِ السنين، من الموتِ، والمعاناةِ، والألمِ البشريّ، في حين كان يعْلَمُ ما كان سيحدث. لماذا سمح اللهُ بهذا؟ لا نعلم. وإننا قد اعتدنا على أن نقفَ لندينَ ديانَنا، ونطرحُ أسئلةً أدبيةً قاسيةً عن سلوكِهِ، لكنني أعتقدُ أن الإيمانَ في النهايةِ يقولُ: لا بد أن الله كان يعملُ بحساباتٍ متأصلةٍ في حكمتِهِ وصلاحِهِ اللامحدودَيْن. ولا بد أنه ارتأى أنه بالرغمِ من أن هذا لم يكن الاستخدامَ الذي أرادَهُ للحريةِ والكرامةِ البشريّة، إلا أن خيرًا يمكن أن ينتجَ عن هذا، أعظمَ من الخيرِ الذي كان من الممكنِ أن ينتجَ عن قتلِ هذه التجربةِ البشريةِ المذهلةِ في مَهْدِها. وأظنُ أننا ربما في النهايةِ لن ندركَ الإجابةَ عن هذا السؤالِ، إلى أن نتمكنَ من النظرِ إلى الوراءِ بامتنانٍ وذهولٍ نحو الغلبةِ المجيدةِ على الشرِ، ونحو الخيرِ المذهلِ الذي سيحقِقُهُ اللهُ، في النهايةِ، من خلالِ هذه التجربةِ البشريةِ، وعلى الرغمِ من التمرد المأساويّ للمشتركين فيها. لسنا نملكُ بعدُ فكرةً واضحةً عن مدى عظمةِ هذه الغلبةِ الرائعةِ لله. [د. جلين سكورجي]

ليست مقاصدُ اللهِ واضحةً لنا دائمًا. فإن أسبابَه للسماحِ بدخولِ الخطيةِ إلى العالمِ يمكنُ أن تكونَ غامضةً إلى حدٍ ما. صحيحٌ أن التاريخَ كان ليتخذَ مسارًا مختلفًا تمامًا إن كانَ اللهُ قد حمانا من الخطية. لكن من المؤكدِ أن اللهَ اختارَ هذا المسارَ لنا في المقابل. كما كتبَ بولس في رسالةِ أفسسَ 1: 11:

مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ (أفسس 1: 11).

لا شيءٌ يحدثُ خارجَ إطارِ خطةِ اللهِ أو تحكمِه. وبالتالي، كان لديه بالتأكيدِ سببٌ وجيهٌ للسماحِ بخطيةِ البشر. وعلى أقلِ تقديرٍ، يمكنُنا الجزمَ بأن خطيتَنا تتيحُ الفرصةَ له كي يُظهرَ الكثيرَ من صفاتِه التي كانت لتظلَ مكتومةً عنا إن لم نكنْ أخطأْنا البتة. على سبيلِ المثال، يُظهرُ اللهُ أحيانًا الرحمةَ وطولَ الأناةِ أمامَ خطايا البشر، وفي أحيانٍ أخرى، يُظهرُ الغضب. فإن اللهَ يُعرَفُ ويتمجدُ أيضًا من خلالِ إظهارِ هذه الصفات. وبالتالي، من جهةٍ ما، يتمجدُ اللهُ بتعاملِه مع خطايانا. بل ويمكننا حتى أن نجزمَ بأن الخطيةَ، في نهايةِ المطافِ، تعملُ لمنفعةِ المؤمنين، مما يجعلُها جزءًا ذا فائدةٍ من خطتِه بأن يباركَنا. كما نقرأُ في رسالةِ رومية 8: 28:

وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ (رومية 8: 28).

كلُّ ما يعملُهُ الله هو حقٌّ وخير. بل ولا يُوجد فيه حتى أي أثر ضئيل منَ الخطية. وبالتالي، لا ينبغي أن نتصور مطلقاً أنَّ خطية البشر تنتقصُ بشكلٍ ما مِن قداستِه. بل على النقيض، تُتيحُ خطيةُ البشرِ فرصةً لكي يُعلنَ الله مجدَهُ، ويُظهرَ رحمتَهُ ورأفتَهُ من خلالِ الغفران، كما يُظهر عدلَهُ وغضبَهُ من خلالِ الدينونة. وتؤكد جميعُ هذه الأشياءِ على طهارتِهِ وصلاحِهِ المطلَقَيْن وتُظهرُهُما. وبالتالي، عندما نفكّرُ في أصلِ الخطية في الجنسِ البشري، وفي الأشخاصِ، يجب أن نتذكّرَ أنَّ اللوم يقعُ بشكلٍ مباشر على عاتقِ البشر.

بعد أن تناولْنا لعنةَ الخطيةِ من حيثُ أصلِ خطيةِ الإنسان، لنتناولْ طبيعةَ الخطيةِ الجوهرية.

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

القسم الأول: الأصل

مخطط لتدوين الملاحظات

المقدمة

I. الأصل

أ. الجنس البشري

ب. الأشخاص

ج. المصدر

أسئلة المراجعة

1. كيف يُعرِّف “دليلُ أسئلةِ وأجوبةِ وستمنستر المُوجَز” الخطية؟

2. كيف دخلت الخطية الأولى إلى الجنس البشري؟

3. ما هو المصطلح اللاهوتي الذي تُلقَّب به الأحداث التي تشمل التجربة والخطية والدينونة لآدم وحواء؟

4. ما نتيجة خطية آدم وحواء؟

5. كيف دخلت الخطية إلى المولودين بعد السقوط؟

6. كن على معرفة برومية 5:12.

7. بأي طريقة كان آدم “الرأسُ الاتحاديّ” للجنس البشري؟

8. بأي طريقة يكون المسيح هو “الرأسُ الاتحاديّ” لشعبه؟

9. بحسب الدرس، لماذا كان الله فعليًّا كريمٌ حين سمح للبشرية أن تُدان في آدم؟

10. ما هما الطريقتين المشتركتين التي يشرح بهما اللاهوتيُّون كيفية إفساد الخطية للأشخاص وسُكناها فيهم؟

11. “… الخطية تفسد كل كائن بشري منذ لحظة______نا.”

12. هل يُعلّم الكتاب المقدس أن الله مذنب بالخطية أو أنه يجبر أي شخص على الخطية؟

13. ما هي الإجابة المقدمة في الدرس على السؤال القائل: كيف يمكن أنّ الله كُلّيّ الصلاح والقدرة أن يصمم مخلوق سينقاد إلى الخطية؟

14. ما هي المخلوقات التي كانت أول من يخطئ؟

15. كن على معرفة بالقضاة 6.

16. هل كانت الكائنات البشرية مخلوقة بحرية إرادة كافية لأن تخطئ أو لا تخطئ، مثل الملائكة؟

17. ما معنى التعبير اللاتيني الذي استخدمه أغسطينوس: ” posse non peccare.”

18. هل أخطأ آدم وحواء تحت إجبار من قوى داخلية أو خارجية؟

19. كيف يجيب الدرس على السؤال القائل: لماذا كان لله أن يسمح لآدم وحواء أن يخطئا؟

20. كن على معرفة بأفسس 11:1.

21. هل يُعلّم الدرس بأنّ الله يتمجَّد بالتعامل مع خطيتنا، وأنّ تلك الخطية تقدّم لله فرصة للتعبير عن الكثير من صفاته التي كانت ستكون مخفية؟

22. هل يُعلِّم الدرس أنه حتى الخطية في نهاية المطاف تعمل لصالح المؤمنين، ما يجعلها جزءًا مفيدًا من خطته لكي يباركنا؟

24. كن على معرفة برومية 28:8.

أسئلة التطبيق

1. هل كان هذا الدرس مساعدًا لك على فهم أصل الخطية؟ اشرح كيف.

2. كيف تجيب على شخصٌ غيرُ مسيحيّ يقول إن الله لا ينبغي أن يعاقب الناس على الخطية، على أساس أنه المسؤول عنها في النهاية؟

3. كيف تؤثر معرفتك بأن الأطفال يتم الحمل بهم في الخطية، على طريقة معاملتك لهم؟

4. هل تعتقد أنه من العدل أنَّ الله يُحمّلنا خطية آدم وحواء؟ لماذا نعم أو لماذا لا؟

5. كيف تتعامل مع السؤال القائل: لماذا صنع الله عالم تحدث فيه الخطية؟ أو لماذا حتى يسمح بالخطية؟ فكِّر في هذا؛ لو أنك غير موافق على الطريقة التي صنع بها الله الأشياء، فما الذي تعتقد أنه كان سيكون أفضل؟ هل يمكنك معرفة عواقب الخطط المُحتَملة الأخرى؟ هل كانوا سيكونوا أفضل فعلاً؟

6. هل تشعر أنك بحاجة إلى إجابة كل الأسئلة الصعبة حول سبب سماح الله بالخطية؟ هل أنت قادر على التعايش مع بعض الأسئلة التي قد تكون غير مُجابة بشكل مُرضي لك بالكامل؟ لماذا نعم أو لماذا لا؟

7. هل غيَّر هذا الدرس مشاعرك نحو الله؟ كيف ذلك؟ هل سيادة الله المطلقة مخيفة أم مريحة بالنسبة لك؟ اشرح ذلك.

AJAX progress indicator
Search: (clear)
  • إلّيه توليدوت
    عبارة عبرية (مترجمة بحروف عربية) تعني "هذِهِ مَبَادِئُ" أو "هذه مواليد".
  • الضامن
    الشخص الذي يضمن دفع دَين شخص آخر عن طريق أنه يصبح مسؤولًا قانونيًا عن دَين الآخر.
  • العهد
    اتفاق قانوني مُلزم يُقطع بين شخصين أو مجموعتين من الناس، أو بين الله وشخص أو مجموعة من الأشخاص.
  • النعمة التي لا تُقاوم
    نعمة من الروح القدس والتي تضمن أن من يختار أن يخلصهم سيختارون طريق الخلاص.
  • بروتو-ايفانجيليون
    أو بروتوايفانجيليوم؛ تعبير لاهوتي "للإنجيل الأول" أو الوعد الأول للفداء الموجود في التكوين 3: 15.
  • بيريت
    مصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) يتُرجم عادة "عهد".
  • دياثيكي
    مصطلح يوناني (مترجم بحروف عربية) يعني "عهد".
  • فرائض الخلق
    المتطلبات أو الأوامر الأدبية التي وضَعَتْها أعمالُ اللهِ الأولى في الخلق.
  • نعمة استباقية
    نعمة من الروح القدس تأتي قبل الإيمان الذي يُخلّص وتمكننا من اختيار طريق الخلاص.
  • الأنثروبولوجي
    مصطلح لاهوتي لدراسة الإنسان أو العقيدة عن الإنسان.
  • التكليف الحضاري
    الوصية في التكوين 1: 28 التي تأمر البشر أن ينموا الخليقة ويسودوا عليها من أجل إظهار مجد الله.
  • التقسيمُ الثنائيّ
    أو Dichotomy؛ ويعني التقسيم إلى جزئين. في اللاهوت تعني: العقيدة التي تُعلم بأن البشر يتكونون من جزئين (الجسد والنفس)؛ تُسمى أيضًا "التفريع الثنائي".
  • السقوط
    الأحداث من غواية الحية وحتى دينونة الله حيث جعلت خطية آدم وحواء البشر يسقطون من مجال مسرة الله وبركاته.
  • إيش
    مصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني رجل.
  • إيشاه
    مصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني امرأة.
  • عري
    تعبير استخدم في تكوين ٣: ٧ لوصف كلا من العري الجسدي والعار.
  • نون بوسيه نون بيكاريه
    تعبير لاتيني يعني "العجزُ عن عدمِ ارتكابِ الخطية"؛ استخدمه أوغسطينوس ليصف الحالة البشرية بعد السقوط.
  • الخطية الأصلية
    الحالة التي يولدُ بها نسلُ آدمَ الطبيعيُّ نتيجةَ سقوطِ آدمَ في الخطية.
  • بوسيه نون بيكاريه
    تعبير لاتيني يعني "القدرة على عدم ارتكاب الخطية". استخدمها أوغسطينوس لوصف حالة البشر قبل السقوط وبعد أن يجدد الروح القدس أرواحنا.
  • الخطية
    التعدي؛ عدمُ الامتثالِ لناموسِ الله، أو التعدّي عليه.
  • التقسيم الثلاثي
    أو Trichotomy؛ وهو التقسيم إلى ثلاثة أجزاء؛ في اللاهوت، هي العقيدة القائلة بأن البشر يتكونون من ثلاثة أجزاء (الجسد، والنفس، والروح). تُسمى أيضًا "التفريع الثلاثي".
الاختباراتالحالة
1

من هو الإنسان؟ - الدرس الثالث - الامتحان الأول

‫القسم ‫السابق

انجازك في الدورة

محتوى الدورة الدراسية

ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: في البدء
  • التحضير للدرس الأول
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الأول – القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الأول - القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الأول - القسم الثالث
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: صورة الله
  • التحضير للدرس الثاني
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الثاني - القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الثاني – القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الثاني – القسم الثالث
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: لعنة الخطية
  • التحضير للدرس الثالث
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الثالث – القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الثالث - القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ - الدرس الثالث - القسم الثالث
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الرابع: عهد النعمة
  • التحضير للدرس الرابع
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الأول
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الثاني
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الثالث
  • من هو الإنسان؟ – الدرس الرابع – القسم الرابع
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الخامس: القراءات المطلوبة
  • متطلبات القراءة 1
  • متطلبات القراءة 2
  • متطلبات القراءة 3
العودة إلى من هو الإنسان؟

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in