العواقب
الفساد
المفاهيم
السلوكيات
العواطف
الاغتراب
الموت
الخاتمة
العواقب
الفساد
المفاهيم
السلوكيات
العواطف
الاغتراب
الموت
الخاتمة
العواقب
تقليديًا في اللاهوتِ النظاميّ، يشيرُ مصطلحُ “الخطيةِ الأصليةِ” إلى عواقبَ خطيةِ البشرِ الأولى. وقام علماءُ لاهوتٍ مختلفون بشرحِ تفاصيلَ الخطيةِ الأصليةِ بطرقٍ متنوعة. لكن في كلِ حالة، كان التركيزُ على:
الحالةِ التي يولدُ بها نسلُ آدمَ الطبيعيُّ نتيجةَ سقوطِ آدمَ في الخطية.
يؤثرُ عصيانُ آدمَ سلبيًا على كلِ إنسانٍ من نسلِه الطبيعي. وحدَه يسوعُ تجنبَ الخطيةَ الأصلية.
باختصارٍ، تعدُّ الخطيةُ الأصليةُ في الأساسِ خطيةً يمتلكها الإنسانُ منذُ ولادتِهِ. ولا يمكنُ لإنسانٍ تفاديْ هذه الخطية. كلُ إنسانٍ مولودٌ ينبغي أن يقبلَ هذا لأنَ البشرَ يولدون من نسلٍ خاطئ. وكمثال: ليس ممكنًا أن يلدَ أسدٌ حمَلًا، وليس ممكنًا أن يلدَ شخصٌ خاطئ، من ذريةِ آدم، شخصًا قديسًا وبارًا أمام الله. هذه خطيةٌ موجودةٌ بالفعل. بالرغمِ من أننا لا نرتكبُها بأفكارِنا، أو بكلامِنا، أو بأفعالِنا، لكنها موجودةٌ بالفعل. ولا أحدٌ منا يستطيعُ تفاديَها. هذه هي ما يطلقُ عليها الخطيةَ الأصلية. كما قال داودُ في المزمورِ الحادي والخمسين والعددِ الخامس، “هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي”. [د. يوهانيس برابتوارسو]
لأغراضِنا في هذا الدرس، سنسلطُ الضوءَ على ثلاثِ عواقبَ لسقوطِ البشرِ في الخطية: الفساد، والاغتراب، والموت. ولنبدأ بالفساد.
الفساد
تذكرْ أنه حين أكل آدمُ وحواءُ من شجرةِ معرفةِ الخيرِ والشر، غيَّرَهما هذا للأسوأ. وقد ذكرْنا فيما سبق أن أوغسطينوس، أسقفَ هيبو، وصف حالةَ البشرِ الأصلية، الخاليةَ من الخطيةِ بأنها posse non peccare)) “بوسيه نون بيكاريه“، أي أن البشرَ كانوا يملكون القدرةَ على عدمِ ارتكابِ الخطية. لكن بعد أن أخطأ آدمُ وحواء، فقدا هذه القدرة، واحتفظا فقط بالقدرةِ على ارتكابِ الخطية. وصف أوغسطينوس حالتَهما الجديدةَ بأنها (non posse non peccare) “نون بوسيه نون بيكاريه” – أي العجزُ عن عدمِ ارتكابِ الخطية. فإن الفسادَ الذي عانى منه آدمُ وحواءُ أزال قدرتَهما على إرضاءِ اللهِ واستحقاقِ بركاتِه، ولم يتركْ لهما سوى القدرةِ على ارتكابِ الخطيةِ واستحقاقِ لعناتِ الله.
وكما نرى في سفر التكوين 3: 12-13، اعترف آدمُ وحواءُ بخطيتِهما، وإن كان اعترافًا ناقصًا. وفي الأعدادِ التي تلت هذا، تعامل اللهُ برفقٍ معهما، كان بإمكانِه أن يقتلَهما على الفورِ لخطيتِهما. لكنه لم يفعلْ هذا. في المقابل، أظهر لهما رحمة. بل وفي سفرِ التكوين 3: 15، وعدَهما بإرسالِ فادٍ لإنقاذِهما من الخطيةِ ومن آثارها. وبواسطةِ الإيمانِ والتوبةِ اللذين أظهرَهما آدمُ وحواء، جددَ اللهُ روحيهما، وأعادَ لهما قدرتَهما على تجنبِ الخطية.
وللأسف، لم يمتدْ إصلاحُهما الشخصيُّ إلى نسلِهما الطبيعي. فقد قُدّر لبقيةِ الجنسِ البشريِ أن يولدوا بعجزٍ عن عدمِ ارتكابِ الخطية. شبه يسوعُ وبولس هذه الحالةَ من الفسادِ الأدبيِ بكونِنا عبيدًا للخطيةِ في مواضعَ مثلِ إنجيلِ يوحنا 8: 31-44، ورسالةِ رومية 6: 6-20. ونظلُ جميعُنا في هذه الحالةِ من الفسادِ إلى أن يخلصَنا الله، كما خلص آدمَ وحواء.
في إنجيلِ لوقا 6: 43-45، شبه يسوعُ حالتَنا الفاسدةَ بشجرةٍ رديئةٍ لا تثمر سوى ثمرًا رديئًا. لم يقصدْ يسوعُ أن البشرَ الساقطين غيرَ المخلصين لا يفعلون أيَ شيءٍ صالحٍ ظاهريًا البتة. فهم لا يزالون يعتنون بأبنائِهم، ويحترمون القوانين المدنية، وغيرَ ذلك. لكن فسادَ الخطيةِ يجعلُهم عاجزين عن العملِ بدافعِ الاحترامِ لناموسِ الله، أو بدافعِ محبةٍ عهديةٍ تجاه اللهِ والقريب. وبالتالي، كل ما يفعلونه مصبوغٌ بالخطية. كما قال بولس في رسالةِ رومية 8: 6-8:
لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ … لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ. فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ (رومية 8: 6-8).
وللأسف، بالنسبةِ للبشرِ الساقطين، لا يقتصرُ فسادُنا على عجزِنا عن تجنبِ الخطية. بل يمتدُ إلى كلِ جانبٍ من جوانبَ الطبيعةِ البشرية. تتنوّع التقاليدُ اللاهوتيةُ المختلفةُ في فَهمِها لمدى هذا الفساد. لكن يمكننا الاتفاقُ جميعًا على أن كلَ مَلَكةٍ من ملكاتِ طبيعتِنا البشريةِ قد تأثرت، بما في ذلك كلُ جزءٍ من أجسادِنا ونفوسِنا. على سبيلِ المثال، تتألمُ أجسادُنا وتموت، كما قال اللهُ في سفرِ التكوين 3: 16-19. كما أن عقولَنا لا تفهم، كما أشارَ بولس في رسالةِ رومية 3: 11. كما تشتهي قلوبُنا الخطية، كما أشار يوحنا في رسالةِ 1 يوحنا 2: 16.
إنَّ الخطية متوغلةٌ في حياتِنا. وهِي تفسِدُ كلَّ جُزءٍ من كِيانِ بشريتِنا الساقطة، أجسادِنا، ونفوسِنا، وأذهانِنا، ورغباتِنا، وأفكارِنا، وكلِّ شيءٍ آخر. ونتيجةً لهذا، تُفسدُ أيضًا كلَّ ما ينبَعُ من كِيانِنا، كلَّ ما نفكرُ فيهِ، ونفعلُهُ، ونشعرُ به. وحين نؤمنُ بالمسيح، يجدّدُنا الله بطرقٍ تُعيدُ لنا قدرتَنا على إرضائه في جميعِ هذه النواحي. أما لِمَن لم يخلصوا بعد، فتعلِنُ الخطية عن نفسِها في كلِّ ما يفعلونَهُ.
لنتناولْ ثلاثَ طرقٍ يتكلم بها الكتابُ المقدس عن الخطيةِ التي ينتجها فسادُنا قبل أن نؤمن، بدءًا من المفاهيمَ الخاطئةِ التي نتبناها.
المفاهيم
فسدت مفاهيمُ حواءَ حين صدقت أكاذيبَ الحيةِ بشأنِ دوافعِ الله، وتأثيراتِ الثمرةِ المحرمة. وفسدت مفاهيمُ آدمَ بالمثلِ حين قرر أن الثمرةَ كانت جديرةً بأن تُؤكل. لكن الشيءَ الأبشعَ بشأنِ هذا الفسادِ هو أنه انتقل إلى جميعِ البشرِ من خلالِ لعنةِ الله.
كما رأينا في درسٍ سابق، أفسدت الخطيةُ قدرةَ البشرِ على التفكيرِ المنطقيّ، وجعلتنا نعتقد أن الأفكارَ الكاذبةَ صحيحة. يقول سفرُ الجامعة 9: 3، وسفرُ إرميا 17: 9، إن الخطيةَ تجعلُنا جميعًا مختلِّي العقلِ من بعضِ النواحي. فلسنا نقدِّر قيمةَ ما يقدِّره الله، كما أننا نودع أنفسَنا للشر. يقول سفرُ التثنية 29: 2-4 إن الأذهانَ الخاطئةَ تجد صعوبةً في استيعابِ مغزى معجزاتِ الله وأهميتِها. ويعلم إنجيلُ يوحنا 8: 43-47 بأن الخطيةَ تجعلُنا نقبلُ الأكاذيب، وتمنعُنا من قبولِ الحق. في رسالةِ أفسس 4: 17-18، وصفَ بولس تأثيرَ الخطيةِ على هذا النحو:
يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضًا بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ (أفسس 4: 17-18).
كلما أخفقْنا في تصديقِ الحق، يكون هذا لأن الخطيةَ قد أفسدت مفاهيمَنا. والأسوأُ من هذا أن الكثيرَ من مفاهيمَنا الخاطئةِ هي نفسُها أثيمة. ليس خطيةٌ أن نسيءَ فهمَ مفاهيمَ يصعب علينا استيعابُها، أو أن نجهلَ أشياءً لم تتسنَّ لنا الفرصةُ لتعلُّمِها. لكن الخطيةَ هي أن نصادقَ على تعليمٍ كاذب، وعلى أساليبَ تفكيرٍ غيرِ كتابية. ولهذا اتهم بولس المعلمين الكذبةَ في رسالةِ 1 تيموثاوس 6: 3-5 بأنهم خطاةٌ بسببِ جهلِهم الملومِ وأذهانِهم الفاسدة. فالتعاليمُ الكاذبةُ والأفكارُ الخاطئة هي أكاذيبٌ تشوش على حقِ الله، وتقودُنا إلى المزيدِ من الخطايا.
إن اللهَ هو اللهُ، وهو جديرٌ بأن يُعرفَ بشكلٍ صحيحٍ ومستقيم. نحن ندينُ له بأن نعرفَ من هو بشكلٍ صحيح، وأن نعتنقَ عقيدةً صحيحة، لأنها تصفُ من هو الله، وتصفُ عَلاقتَنا به. أولاً، يُعدُّ اللهُ جديرًا بأفضلِ أفكارِنا عنه، وبأن نفكرَ فيهِ بشكلٍ صحيحٍ مطلق بكلِ ما في وسعِنا. وبالتالي، فإن العقيدةَ الصحيحةَ هامةٌ لأنها تكرمُ الله، وتُوْلِيهِ الاحترام. إننا نريدُ أن نعرفَهُ كما هو بحقٍ. ونريدُ أن نعرفَ الحقَ عنه كما أعلنَه لنا. قطعًا هذا هو غرضُ الكتابِ المقدس، أن نعرفَ ذلك. ثانيًا، ينتقدُ العهدُ الجديدُ بقوةٍ التعليمَ الكاذبَ لأنه يؤدي إلى سلوكٍ كاذبٍ. فهو يؤدي إلى خطايا، وإلى ابتعادٍ عنِ الله. فحين لا نفهمُ اللهَ بشكلٍ سليم، وحينَ تكونُ نظرتُنا عنِ اللهِ مشوهةً، فإننا حينئذٍ نعيش حياةً فاسدة. لن نخدمَهُ كما يريدُنا أن نخدمَه. ولهذا ينتقدُ العهدُ الجديدُ بقوةٍ التعليمَ الكاذب. [د. چاريث كوكريل]
والنتيجةُ الثانيةُ لفسادِنا هي السلوكياتُ الخاطئةُ التي نقوم بها.
السلوكيات
على الأرجحِ كان سلوكُ آدمَ وحواءَ هو الجانبُ الأكثرُ وضوحًا لخطيتِهما: فقد أكلا من الثمرةِ المحرمة. وصارت هذه الخطيةُ بمثابةِ نموذجٍ لجميعِ الخطايا السلوكيةِ التي اجتاحت البشريةَ منذ ذلك الحين. فبعد ذلك، كما نقرأ في سفرِ التكوين 6: 5، غضِب اللهُ بشدةٍ بسببِ السلوكِ البشريِ الخاطئ، حتى أنه أهلكَ الجنسَ البشريَ بأكملِه بطوفان، مخلصًا نوحًا وعائلتَه فقط كي يُعيدوا تأهيلَ العالمِ بالبشر.
وللأسف، لم يبلُ الجنسُ البشريُ بلاءً أفضلَ منذ ذلك الوقت. فإننا لا نزال نرتكبُ كافةَ أنواعِ الخطايا السلوكية. وفي حقيقةِ الأمر، قال بولس في رسالةِ رومية 1 إن أحدَ أسبابِ ارتكابِنا الخطيةِ كثيرًا هو أن اللهَ قد أسلمَنا لنزاعاتِنا وميولِنا الخاطئة. في ذلك الأصحاحِ نفسِه، قدم بولس أيضًا وصفًا مخيفًا للسلوكياتِ التي صارت تميز الآن حالتَنا الساقطةَ غيرَ المخلَّصة. استمع إلى ما كتبه بولس في رسالةِ رومية 1: 29-32:
مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلاً وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا، نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ للهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ. الَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ، لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يُسَرُّونَ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ (رومية 1: 29-32).
كما تعلمون، حين بدأ القرنُ العشرون، كان هناك قدرٌ كبيرٌ جدًا من التفاؤلِ في العالم، وخاصةً في العالمِ الغربيّ. وبسببِ التقدمِ العلميّ، والوفرةِ الشاسعةِ للتعليم، وجميعِ الاكتشافاتِ – والتقدمِ التكنولوجيّ، وغيرِ ذلك – وُجدَ وسطَ الفلاسفةِ وعلماءِ الاجتماع، بل وعلماءِ اللاهوت الليبراليّ، ذلك الشعورُ بالتفاؤلِ من أن القرنَ العشرينَ سيكونُ قرنًا من السلام، لن توجدَ فيهِ حربٌ. وأنه سيكونُ قرنًا يسودُ فيه المنطقُ البشريّ، ولن تجمحَ الكائناتُ العاقلةُ لتقتلَ بعضَها. وهكذا، وفي خضمِّ هذا التوقعِ الضخمِ بأننا ندخل قرنًا سيحلُّ فيه السلام، يمكنُكَ أن ترصُدَ المشكلةَ … وكانت هذه مشكلةُ الماركسية. فقد تبنت عقيدةً تفاؤليةً عن الإنسانِ انتهت بكوارثَ اجتماعيةٍ لأنها لم تتضمَّن عقيدةَ الخطية. وبالتالي ماذا حدث؟ وقعتِ الحربُ العالميةُ الأولى، والثورةُ الشيوعية. ولاحقًا وقعتْ محرقةُ يهود أوروبا، والحربُ العالميةُ الثانية، وهتلر، والنازية، وهكذا إلخ. وبالتالي، ونتيجةً لهذا، في المجملِ، قُتِل في القرنِ العشرين حواليّ 112.8 مليونِ شخصٍ في الحرب. فقط في الحرب – من مدنيينَ وجنودٍ، بقدرِ ما تسمحُ لنا البياناتُ المسجلةُ بالإحصاء. يبلغ هذا أربعةُ أضعافِ الأعدادِ التي قُتلتْ في الأربعةِ قرونِ السابقةِ معًا. بمَ يخبرُنا هذا؟ أن شيئًا ما ليس على ما يرام. ليس فقط في الظروفِ الاجتماعية، مع كلِ المعرفة، والتقدمِ العلميّ، والتقدمِ الحضاريّ، بل يوجدُ خطأٌ ما في الأساسِ في الطبيعةِ البشريّة. وهذا هو ما نُطلِقُ عليه نحن – المؤمنين – “الخطية”. ليست هذه كلمةٌ ذاتُ شعبيةٍ كبيرةٍ في وسائلِ الإعلام، وفي الجامعات، وغيرِ ذلك، ولكن، كما قال رينهولد نيبور، إن عقيدةَ الخطيةِ في المسيحيةِ هي العقيدةُ الأقلُ شعبيةً بين جميعِ العقائد، ومع ذلك، فهي العقيدةُ التي لدينا لها أكثرُ البراهين التجريبيةِ الغامرةِ في كلِ مكان. [د. بيتر كوزميتش]
النتيجةُ الثالثةُ لفسادِنا التي سنذكرها هي عواطفُنا الخاطئة.
العواطف
كما رأيْنا، كانت الوصيتان الأولى والثانيةُ العظيمتان في ناموسِ اللهِ كلاهما وصيتين بالمحبة: أولًا، أن نحبَ اللهَ؛ وثانيًا، أن نحبَ أقرباءَنا. وبالطبع، تعد المحبةُ عاطفةً، جزئيًا على الأقل. فهي الحافزُ الذي يدفعنا إلى الطاعةِ في كلِ جانبٍ من جوانبَ حياتِنا. وبالتالي، لا ينبغي أن يُدهشَنا أن الفسادَ الخاطئَ يؤثرُ أيضًا على عواطفِنا، مانعًا إيانا من أن نحبَ اللهَ وأقرباءَنا كما ينبغي، ومانعًا إيانا من إظهارِ عواطفَ بارةٍ أخرى تفيضُ من هذه المحبة.
كان فسادُ عواطفَ آدمَ وحواءَ متضمَّنًا داخلَ خطيتِهما ذاتِها، في نتائجَها المباشرة، وفي لعنتِها الدائمة. على سبيلِ المثال، اشتهت حواءُ في سفرِ التكوين 3: 6 الحكمةَ التي كانت الثمرةُ المحرمةُ تمنحها. وفي العدد 7-10، شعرَ آدمُ وحواءُ بالخزيِ من عريِهما. وفي العدد 16، لعن اللهُ الكيفيةَ التي بها كان من شأنِ عواطفَهما ورغباتِهما أن تؤثرَ على علاقتِهما الزوجية.
وينطبقُ شيءٌ مماثلٌ لهذا على إفسادِ الخطيةِ لعواطفَ كلِ إنسان. نصارع جميعُنا مع الطمع، والشهوة، والكبرياء، والبغضة، والغضبِ غيرِ البار، وكافةِ أنواعِ العواطفَ الخاطئةِ الأخرى. كما قال يسوعُ في إنجيلِ مرقس 7: 21-22:
لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ (مرقس 7: 21-22).
فحتى قبلَ أن نعملَ شيئًا، تجرُنا عواطفُنا ورغباتُنا الخاطئةُ تجاه الأفكارِ الخاطئةِ والسلوكِ الخاطئ. وقد صاغ يعقوبُ الأمرَ على هذا النحوِ في رسالةِ يعقوبَ 1: 14-15:
وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً (يعقوب 1: 14-15).
في طبيعتِنا الخاطئة، تعد حتى الطاعةِ الخارجيةِ لناموسِ اللهِ مستحيلة. لكن حينَ ننظرُ إلى فسادِنا العاطفي، وعجزِنا عن أن نحبَ اللهَ وقريبَنا كما ينبغي، يصيرُ واضحًا أننا، دونَ نعمةِ اللهِ المخلصة، لسنا بقادرينَ على إرضائِه.
بعد أن رأيْنا أن الفسادَ المتوغلَ هو أحدُ العواقبَ الوخيمةِ لسقوطِ البشرِ في الخطية، لنتناولْ اغترابَنا عن اللهِ وعن البشرِ الآخرين.
الاغتراب
من المستحيلِ حقًا أن نكونَ مغالينَ في تقديرِ تأثيرِ الخطية. أولًا، إن أجرةَ الخطيةِ هي موت. دخل الموتُ إلى الاختبارِ البشريِّ بسببِ الخطية. وسنموتُ جميعُنا بسببِ الخطية. وثانيًا، نحن منفصلون عنِ اللهِ بسببِ الخطية. كما أن عَلاقتَنا بهِ متصدِّعة، ولا نملكُ أيَ حقٍ في أن تكونَ لنا صلةٌ بهِ على الإطلاقِ، بسببِ حالتِنا الخاطئة. وثالثًا، أيضًا عَلاقاتُنا ببعضِنا البعضُ متصدعة، ومُفَتَّتة، ومحطمة بسببِ الخطية. ولأننا نختارُ أن نعطيَ الأولويةَ لاحتياجاتِنا، ونضعَ أنفسَنا قبلَ الآخرين، ولأننا منتفخون بالكبرياءِ وحبِ الذاتِ والغرور، فإننا نُخفِقُ في التعايش معًا في تناغُمٍ كامل. وهكذا، كلُّ هذا قابلٌ للتفسيرِ فقط بسببِ الخطية. [د. قسطنطين كامبل]
خُلق البشرُ على صورةِ اللهِ كي يتسلطوا على هذا العالمِ في شركةٍ معه. وكان من المفترضِ أن نوسعَ جنةَ عدنٍ كي تملأَ كلَ الأرض، حتى تصيرَ كلُ الخليقةِ ملكوتَه الأرضي. وفي ذلك الملكوت، سيحيا اللهُ معنا، ويستعلنُ حضورَه لنا. وكان من المفترَضِ أيضًا أن نحيا كجنسٍ بشريٍ متحد، نحكم الخليقةَ في تعاونٍ ومحبةٍ باعتبارِنا حكامًا نائبين عن اللهِ أو الملوكَ التابعين له.
لكن الخطيةَ قطعت شركتَنا مع الله، وأفسدت علاقاتِنا مع بعضِنا البعض. فقد جعلت اللهَ يطرد آدمَ وحواءَ من جنةِ عدن. يقول سفرُ التكوين 3: 24 إن اللهَ قام حتى بوضعِ ملائكةٍ عند مدخلِ الجنةِ ليتأكدَ من عدمِ تسللِهما ثانيةً إليها. ونتيجةً لهذا، أُجبرَ البشر على العيشِ في البريةِ غيرِ المستأنسة، بعيدًا عن محضرِ اللهِ وحمايتِه. وكما نعلمُ من سفرِ التكوين 4: 6، سرعان ما انقلبَ البشرُ على بعضِهم البعضُ في البرية. فقد قتل قايينُ أخاه هابيل، وصار أبًا للعديدِ من الأجيالِ التي تعاملت في شرٍ مع الآخرين. وفي النهاية، صار سوءُ معاملةِ البشرِ لبعضِهم البعضُ شديدًا حتى أن اللهَ أغرقَ العالمَ بأكملِه في الطوفانِ في أيامِ نوح.
واستمر اغترابُ البشرِ عن اللهِ وعن بعضِهم البعضُ على هذا النحوِ الكارثيِ منذ ذلك الحين. لم نعدْ الآن نوجدُ في محضرِ اللهِ المباشرِ كما كان آدمُ وحواء؛ بل في المقابلِ صرنا نبغضُه ونقاومُه. وتمنعُنا الأكاذيب، والخداع، والبغضة، والنزاعات، وكافةُ أنواعِ المشكلاتِ الأخرى المرتبطةِ بالعلاقاتِ من أن نحيا في سلامٍ وفي تعاونٍ مشتركٍ مع الآخرين.
كما رأيْنا، كان السببُ الأولُ لهذا الاغترابِ هو فعلُ التمردِ الذي قام به آدمُ وحواءُ ضدَ الله، حين أكلا من الثمرةِ المحرمة. وبخطيةِ أبوينا الأولين، أكدا على سموِ سلطانِهما فوقَ سلطانِ الله. كان هذا فعلُ خيانةٍ لعهدِ الله، حول جنسَنا البشريَ بأكملِه إلى أعداءٍ لله.
في رسالةِ بولس إلى أهلِ أفسس، أعلنَ أن سقوطَ البشرِ في الخطيةِ تسببَ في انضمامِ جنسِنا البشريِ الساقطِ بأكملِه إلى مملكةِ إبليس. فإننا تحولنا من حلفاءَ اللهِ المقرَّبين إلى أعداءٍ مقاتلين في حربٍ روحية. ونتيجةً لهذا، يبدأُ كل منا حياتَه في اغترابٍ تامٍ عن مسرةِ اللهِ ونعمتِه. ولسنا نعرفه سوى باعتبارِه عدوَنا الطبيعي. في رسالةِ أفسس 2: 1-3، قدم بولس هذا الوصفَ عن مستمعيه قبيلَ خلاصِهم:
وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا (أفسس 2: 1-3).
لاحظ أن بولس يطبقُ هذا الوصفَ على جميعِ البشرِ غيرِ المخلصين، والساقطين، حين قال إننا “جميعَنا” أيضًا تصرفْنا هكذا. كما قدم فكرةً مماثلةً في رسالةِ رومية 5: 10، حيث كتب:
لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ (رومية 5: 10).
لسنا مغتربين عنه فقط بسببِ توترِ العلاقةِ بيننا، أو بسببِ أننا لا نستطيعُ التواجدَ في محضرِه المباشر. بل الأمرُ أسوأُ من هذا بكثيرٍ جدًا. إن سقوطَ البشرَ في الخطيةِ جعلَنا أعداءً لله.
وفي حينِ لم يضرُرْ هذا بعلاقاتِنا مع البشرِ الآخرين بالدرجةِ نفسِها، إلا أن السقوطَ لا يزال يجعلُنا نغتربُ عن بعضِنا البعضُ من نواحيَ كثيرة. بالطبع، أنتجت خطيتُنا الكثيرَ من الأعداءِ والحروبِ بين البشر. لكنها مسئولةٌ أيضًا عن مشكلاتِنا الأكثرِ شيوعًا المختصةِ بالعلاقات. وكما أنشأت الخطيةُ الخزيَ والنزاعَ الزوجيَ لدى آدمَ وحواء، فهي أيضًا تنشئ مشكلاتٍ في كلِ علاقةٍ زوجيةٍ أخرى. وكما أثمرت العنفَ في أبنائهما، تثمر أيضًا العنفَ في كلِ مجتمع. وهي تجعلُنا نكذب على بعضِنا البعض، ونبغضُ بعضُنا البعض، ونؤذي بعضُنا البعض، ونتلقى الإهانةَ ونوجه الإهانة. وهي تثيرُ غيرتَنا، وشعورَنا بالمرارة، وعدمَ غفرانِنا. بل وحتى بين المؤمنين، بعد أن نجَّانا اللهُ من عبوديتِنا الميؤوسِ منها للخطية، فإننا لا نزال نصارع كي نعاملَ بعضُنا بعضًا بمحبةٍ ورأفة. كما كتب يعقوبُ للمؤمنين في رسالةِ يعقوبَ 4: 1-2:
مِنْ أَيْنَ الْحُرُوبُ وَالْخُصُومَاتُ بَيْنَكُمْ؟ أَلَيْسَتْ مِنْ هُنَا: مِنْ لَذَّاتِكُمُ الْمُحَارِبَةِ فِي أَعْضَائِكُمْ؟ تَشْتَهُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ. تَقْتُلُونَ وَتَحْسِدُونَ وَلَسْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنَالُوا. تُخَاصِمُونَ وَتُحَارِبُونَ (يعقوب 4: 1-2).
جعلَنَا سقوطُ البشرِ في الخطيةِ مغتربينَ عنِ اللهِ وأيضًا عن بعضِنا البعض. فقد خُلِقنا كي نتمتع بعَلاقاتٍ سلمية، وبعلاقاتٍ من المحبةِ للهِ والآخرين. كان المُفترضِ أن نعيشَ ونعملَ معًا، ليكونَ مركزُ حياتِنا هو الله الذي نخدِمُهُ. لكن جعلَنا السقوطُ أنانيين، ومتعجرفين، ومبغِضين. وبالتَّالي، بدلًا من أن نخدِمَ الله، صِرنا نقاومُهُ. وبدلًا من أن نحيا دونَ أنانيةٍ مع الآخرين، نشتهي ما لديهِم، ونستغلَّهُم كي يخدِموا أغراضَنا الشخصية. لا، لسنا بالسوءِ الذي يُمكنُنا أن نكونَهُ بعد. وحقًا إننا نرى بقايا منَ الخيرِ في العَلاقاتِ بين البشرِ الساقطين. لكن ليس الأمرُ كما كان ينبغي أن يكونَ عليه. فقد دمّرتِ الخطيةُ عَلاقتَنا بالله، وأفسدتْ بشدةٍ عَلاقاتِنا بالآخرين. وبدونِ نعمةِ اللهِ، لا حلَ لهذه المشكلات.
حتى الآن، تناولْنا عواقبَ سقوطِ البشرِ في الخطيةِ من جهةِ الفسادِ والاغتراب. والآن نحن على استعدادٍ لتناولِ مسألةِ الموت.
So far, we’ve considered the consequences of humanity’s fall into sin in terms of corruption and alienation. Now we’re ready to address the matter of death.
الموت
في سفرِ التكوين 2: 17، قال اللهُ لآدمَ إنه إن أكلَ من ثمرةِ شجرةِ معرفةِ الخيرِ والشر، فسيموت. ثم، بعد أن أكلَ آدمُ من الثمرة، يُدون لنا سفرُ التكوينِ 3: 19 أن اللهَ لعن آدمَ بالموتِ الجسدي. لكن كما ذكرْنا سابقًا، لم يقتصرْ تأثيرُ خطيةِ آدمَ ولعنتِه على آدمَ وحدَه. ففي النهاية، كان آدمُ رأسَ العهدِ لجنسٍ بشريٍ كامل. هو كان ملكَنا. وبالتالي، فحين تمردَ على الله، سقطت مملكتُنا البشرية كاملةً تحت ظلالِ جرمِه، وبالتالي، تحت لعنةِ الموت. كما قال بولس في رسالةِ رومية 5: 12-17:
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ … لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ … لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ (رومية 5: 12-17).
قال بولس إن الجميعِ أخطأوا لأن اللهَ احتسب ذنبَ آدمَ لا على آدمَ وحدَه، بل على بقيةِ البشريةِ الطبيعيةِ أيضًا. ونتج عن هذا الذنبِ موتُنا. ومن المنظورِ القضائيِ للخطيةِ الأصلية، كلُ إنسانٍ مذنبٌ كما كان آدمُ تمامًا. وبالتالي، إن كان آدمُ مستحقًا للموتِ – وقد كان كذلك بالفعل – فإننا مستحقون له أيضًا. ولهذا نموت. بل حتى حين نؤمن بالمسيح، تظل لعنةُ الخطيةِ عالقةً بأجسادِنا. ونتيجةً لهذا، سنموت جميعُنا في النهايةِ ونعود إلى التراب، كما آدم.
لكن لم يمتْ آدمُ في الحالِ حين لعنَه اللهُ – على الأقلِ ليس جسديًا. والشيءُ ذاتُه ينطبقُ على بقيتِنا. يسمح لنا اللهُ بدورةِ حياةٍ جسديةٍ على الأرض. لكن يصرح الكتابُ المقدس ضمنيًا أن آدمَ ماتَ روحيًا حين لُعِن، وأن نسلَه الطبيعيَ هم أمواتٌ روحيًا قبل أن يؤمنوا.
يتم تناولُ مسألةِ الموتِ الروحيِّ بشكلٍ رائعٍ في 2 من رسالةِ أفسس. يقولُ بولُسْ في الأساسِ إننا أمواتٌ في ذنوبِنا وخطايانا. وبالتالي، ما نفهمُه من هذا هو أننا أمواتٌ. ولا يستطيعُ الميِّتُ فعلَ الكثيرِ من جهةِ إرضاءِ الله. وبالأخصِّ، كما أعتقدُ، كان بولُسْ يتناول قضيةَ أفعالِنا، وكيف يراها الله. ويستكملُ هذا العددُ في 2 قائلًا إننا نتبعُ رئيسَ هذا العالم. أي أننا نعملُ ما يريدُنا أن نعملَهُ، لأن هذا هو ميلُنا الطبيعيّ. حين نكونُ أمواتًا في خطايانا، فإننا نتبعُ رئيسَ الموتِ الذي هو إبليس. ولكن حين نصيرُ أحياءً في المسيحِ … نُعطَى حياةً جديدة. حياةٌ تتيحٌ لنا أن نسلكَ، ونعملَ الأشياءَ التي ترضِي الله، لكنها فقط ممكنةٌ من خلالِ حياةِ يسوعَ المسيح، وموتِهِ، وقيامتِهِ، ومن خلالِ إيمانِنا بهِ. [ق. تيموثي مونتفورت]
وصف بولس الموتَ الروحيَ في رسالةِ أفسس 2: 1-5، حين قال:
وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ … اَللهُ … وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ (أفسس 2: 1-5).
كان أولئك الذين وصفهم بولس أحياءً جسديًا. فقد تورطوا في الخطية، وحاربوا ضدَ اللهِ في حربٍ روحية. لكن ظل بولس يدعوهم “أمواتًا” لأنهم واقعون تحت دينونةِ الله، ولأنهم كانوا يفتقرون إلى الحيويةِ الروحيةِ اللازمةِ لإرضاءِ الله. قال بولس أيضًا إن المؤمنينَ أنفسَهم كانوا قبلًا “أمواتًا” على النحوِ ذاتِه. يشترك جميعُ البشرِ الساقطين في هذه الحالةِ من الموتِ الروحيِ إلى أن ننالَ حياةً روحيةً في المسيح. كما كتب بولس في رسالةِ رومية 8: 10:
وَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ، وَأَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ الْبِرِّ (رومية 8: 10).
هنا قال بولس إننا نمتلكُ حياةً روحيةً إن كان المسيحُ فينا. وبالتبعية، إن لم يكنْ المسيحُ فينا، فإننا أمواتٌ روحيًا.
بسببِ سقوطِ آدمَ في الخطية، يقاسي البشرُ موتًا روحيًا فوريًا حين يُخلقون، وفي النهايةِ موتًا جسديًا. والأسوأُ من هذا، إن لم نؤمنْ بالمسيحِ قط، وإن لم ننلْ فداءً من لعنةِ الخطيةِ بنعمةِ الله، فإننا سنظلُ نقاسي كلًّا من موتٍ روحيٍ وموتٍ جسديٍ في الجحيم. وعلى غرارِ الموتِ الروحيِ في العالمِ الحاضر، سيكون الموتُ الجسديُ اختبارًا واعيًا. سيحيا غير المفديين إلى الأبد، مقاسين اللعنةَ الأبديةَ للخطيةِ في كلٍ من الجسدِ والنفس. فإن لعنةَ الخطيةِ حقيقيةٌ للغاية. لكن بنعمةِ الله، يمكننا الآن أن نصارعَ ضدَ تأثيرِ الخطية، ونُفلِتَ منها تمامًا في المستقبل.
الخاتمة
في هذا الدرسِ عن لعنةِ الخطية، تناولْنا أصلَ الخطيةِ في الجنسِ البشريِ وفي الأشخاص، وتحدثْنا عن مصدرِ الخطيةِ التام. كما وصفْنا أيضًا طبيعةَ الخطيةِ الجوهريةِ بأنها تعدٍ على الناموسِ وعدمُ محبة. وتناولْنا عواقبَ الخطيةِ من فسادٍ، واغترابٍ، وموت.
مِن شأنِ ثِقْلِ خطية البشر أن يصيبَنا باليأس إن لم نتحَلَّ بالرجاءِ في المسيح. وكما رأينا في هذا الدرس، ليس هذا بالشيءِ العديمِ الأهمية. بل هو عبءٌ رهيبٌ يُقيّدُنا بالفسادِ في هذه الحياة، ويقودنا إلى الموتِ الأبدي. في كتابهِ الشهير بعنوان سياحةُ المسيحيُّ، وصفَ المؤلفُ جون بَنيان الخطية بأنها حِملٌ مربوطٌ على ظُهُورِنا، لا يمكنُ نزعُهُ إلا بصليبِ المسيح. في درسِنا التالي، سنتناولُ كيفَ يحدثُ هذا حين يفتديَنا مخلّصُنا من لعنةِ الخطية.
د. عماد شحادة (المُقدم) هو مؤسس ورئيس مؤسسة الدراسات اللاهوتيّة الأردنيّة (JETS)، وأستاذ أول لعلم اللاهوت بها. حصل د. عماد على درجة البكالوريوس (B.A.) من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو، ودرجة الماجستير في اللاهوت (Th.M.) والدكتوراه في فلسفة اللاهوت (Ph.D.) من كلية دالاس للاهوت، ثم دراسات ما بعد الدكتوراه في كلية اللاهوت الإنجيليّة، بلوفان، بلجيكا (2001-2004) وجامعة أدنبره (2005-2008). كتب د. عماد عدّة مقالات وكتب وأوراق بحثيّة باللغتين الإنجليزيّة والعربيّة. تغطّي هذه المراجع موضوعات اللغة العبريّة للعهد القديم، واللغة اليونانيّة للعهد الجديد، علم اللاهوت، علم الببليولوجي (علم دراسة الكتاب المقدس)، علم الإسخاتولوجي (علم الأخرويات)، علم البينوماتولوجي (علم دراسة الروح القدس)، علم الكرستولوجي (علم دراسة شخص وعمل المسيح)، وطرق البحث العلمي، وتفسيرات للرسالة إلى العبرانيين، وإنجيل يوحنا، ورسالة رومية، ورسالة يعقوب، والعديد من الكتابات في تخصّصه المفضّل أي الثالوث.
د. فودي باكام، الابن. هو عميد كليّة اللاهوت بالجامعة المسيحيّة الأفريقيّة في زامبيا.
د. قسطنطين كامبل هو أستاذ مشارك للعهد الجديد في كليّة ترينيتي الإنجيليّة للاهوت.
د. چاريث كوكريل هو أستاذ العهد الجديد واللاهوت الكتابيّ بكليّة وسلي الكتابيّة.
د. مات فريدمان هو أستاذ الكرازة والتلمذة في كليّة ويسلي الكتابيّة للاهوت.
د. ألان هولتبيرج هو أستاذ مشارك لتفسير الكتاب المقدس والعهد الجديد في كليّة تالبوت للاهوت.
د. كين كيثلي هو مدير مركز روس بوش للإيمان والثقافة وأستاذ اللاهوت في كليّة الجنوب الشرقي المعمدانيّة للاهوت.
د. بيتر كوزميتش هو أستاذ الإرساليات العالميّة والدراسات الأوروبيّة في كليّة جوردون كونويل للاهوت والمؤسس المشارك والمدير لكليّة اللاهوت الإنجيليّة في أوزيجيك، كرواتيا.
ق. تيموثي مونتفورت هو العميد الأكاديمي في كلية كوفينينت غرب الصين للاهوت.
د. يوهانيس برابتوارسو يخدم في كليّة باتو للاهوت.
ق. أجوس ساتيابوترا هو رئيس كليّة باندونج للاهوت.
د. جلين سكورجي هو أستاذ اللاهوت في كليّة بيثيل للاهوت، بمدينة سان دييجو.
د. سيمون فيبيرت هو الراعي السابق لكنيسة القديس لوقا، بمدينة ويمبلدون بارك، في المملكة المتحدة البريطانيّة، وهو حاليًا نائب مدير كليّة ويكليف هول، بمدينة أكسفورد، ومدير مدرسة الوعظ.
القسم الثالث: العواقب
مخطط لتدوين الملاحظات
III. العواقب
أ. الفساد
1. المفاهيم
2. السلوكيات
3. العواطف
ب. الاغتراب
ج. الموت
IV. الخاتمة
أسئلة المراجعة
1. ما هو المصطلح المُستخدَم في اللاهوت النظامي للإشارة إلى نتيجة خطية الإنسان الأولى؟
2. ما هي النتائج الثلاث لسقوط الإنسان في الخطية، التي تم التركيز عليها في الدرس 3؟
3. هل للإنسان بعد السقوط القدرة على إرضاء الله والإنفصال عن الخطية؟
4. ماذا يعني التعبير الذي استخدمه أغسطينوس باللاتينية ” non posse non peccare”؟
5. بحسب الدرس، هل اعترف آدم وحواء بخطيتهم؟
6. بحسب الدرس، هل عبّر آدم وحواء عن الإيمان والتوبة، وهل جدَّدَ الله أرواحهم واسترد قدرتهم على تجنُّب الخطية؟
7. هل امتدَّ استرداد آدم وحواء إلى نسلهم؟
8. ما هو تعليم الدرس المتعلق بفساد الخطيئة الأصلية في الناس الذين لم يخلصوا بعد؟ كيف أثر ذلك على قدرتهم على فعل الخير وإرضاء الله؟
9. ما هي جوانب الإنسان التي فسدت بالسقوط؟
10. هل تضررت قدرة الإنسان على فهم المفاهيم والحقيقة بفعل السقوط؟
11. هل مشاعر الإنسان تضررت بالسقوط؟
12. ” إن سقوطَ البشرَ في الخطيةِ جعلَنا ______ لله.”
13. جعلت الخطية الإنسان مغترب عن مَنْ؟
14. تقول رومية 12:5 ” كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ_______وَهَكَذَا …”
15. ما معنى أنَّ جميع الناس مولودين وهم “مَيّْتون” روحيًّا بعد السقوط؟
16. كيف قام چون بَنيان بوصف الخطيّة في كتابه “سياحة المسيحي”؟
أسئلة التطبيق
١. كيف غيّر هذا الدرس توجُّهك حول حالة غير المؤمنين الروحيّة بعد السقوط؟ لماذا يجب علينا أن نستمر في احترامهم وأن نتعامل معه بتوقير؟ إن كانت كل جوانب الإنسان قد تأثَّرت بالسقوط، فهل يمكن أن تبقى مواهبهم وقدراتهم بركة لنا وللعالم؟
٢. كيف غيّر هذا الدرس توجُّهك حول حالة غير المؤمنين الروحيّة بعد السقوط؟ لماذا يجب علينا أن نستمر في احترامهم وأن نتعامل معه بتوقير؟ إن كانت كل جوانب الإنسان قد تأثَّرت بالسقوط، فهل يمكن أن تبقى مواهبهم وقدراتهم بركة لنا وللعالم؟
٣. كيف غيّر هذا الدرس موقفك تجاه نفسك؟ هل ترى نفسك كخاطئ مفديّ بالنعمة؟ أم لازلت تعتقد أنك بطريقة ما تستحق محبة الله وقبوله؟
٤. كيف يمكننا أن نبشِّر الغير مؤمنين طالما أنهم أموات روحيًّا؟
٥. طالما أنَّ جميع جوانب الإنسان قد تأثرت بالسقوط ، هل تعتقد أنه يمكن لشخص ما أن يأتي إلى الله ببساطة عن طريق الإستنتاج العقلي؟
٦. إذا كانت جميع جوانب الإنسان قد فسدت بالسقوط، فكيف يغير ذلك نظرتك للخلاص؟ أي من هذه الجوانب مفدية في المسيح؟

- إلّيه توليدوتعبارة عبرية (مترجمة بحروف عربية) تعني "هذِهِ مَبَادِئُ" أو "هذه مواليد".
- الضامنالشخص الذي يضمن دفع دَين شخص آخر عن طريق أنه يصبح مسؤولًا قانونيًا عن دَين الآخر.
- العهداتفاق قانوني مُلزم يُقطع بين شخصين أو مجموعتين من الناس، أو بين الله وشخص أو مجموعة من الأشخاص.
- النعمة التي لا تُقاومنعمة من الروح القدس والتي تضمن أن من يختار أن يخلصهم سيختارون طريق الخلاص.
- بروتو-ايفانجيليونأو بروتوايفانجيليوم؛ تعبير لاهوتي "للإنجيل الأول" أو الوعد الأول للفداء الموجود في التكوين 3: 15.
- بيريتمصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) يتُرجم عادة "عهد".
- دياثيكيمصطلح يوناني (مترجم بحروف عربية) يعني "عهد".
- فرائض الخلقالمتطلبات أو الأوامر الأدبية التي وضَعَتْها أعمالُ اللهِ الأولى في الخلق.
- نعمة استباقيةنعمة من الروح القدس تأتي قبل الإيمان الذي يُخلّص وتمكننا من اختيار طريق الخلاص.
- الأنثروبولوجيمصطلح لاهوتي لدراسة الإنسان أو العقيدة عن الإنسان.
- التكليف الحضاريالوصية في التكوين 1: 28 التي تأمر البشر أن ينموا الخليقة ويسودوا عليها من أجل إظهار مجد الله.
- التقسيمُ الثنائيّأو Dichotomy؛ ويعني التقسيم إلى جزئين. في اللاهوت تعني: العقيدة التي تُعلم بأن البشر يتكونون من جزئين (الجسد والنفس)؛ تُسمى أيضًا "التفريع الثنائي".
- السقوطالأحداث من غواية الحية وحتى دينونة الله حيث جعلت خطية آدم وحواء البشر يسقطون من مجال مسرة الله وبركاته.
- إيشمصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني رجل.
- إيشاهمصطلح عبري (مترجم بحروف عربية) ويعني امرأة.
- عريتعبير استخدم في تكوين ٣: ٧ لوصف كلا من العري الجسدي والعار.
- نون بوسيه نون بيكاريهتعبير لاتيني يعني "العجزُ عن عدمِ ارتكابِ الخطية"؛ استخدمه أوغسطينوس ليصف الحالة البشرية بعد السقوط.
- الخطية الأصليةالحالة التي يولدُ بها نسلُ آدمَ الطبيعيُّ نتيجةَ سقوطِ آدمَ في الخطية.
- بوسيه نون بيكاريهتعبير لاتيني يعني "القدرة على عدم ارتكاب الخطية". استخدمها أوغسطينوس لوصف حالة البشر قبل السقوط وبعد أن يجدد الروح القدس أرواحنا.
- الخطيةالتعدي؛ عدمُ الامتثالِ لناموسِ الله، أو التعدّي عليه.
- التقسيم الثلاثيأو Trichotomy؛ وهو التقسيم إلى ثلاثة أجزاء؛ في اللاهوت، هي العقيدة القائلة بأن البشر يتكونون من ثلاثة أجزاء (الجسد، والنفس، والروح). تُسمى أيضًا "التفريع الثلاثي".