المقدمة
خلفية العهد القديم
المؤهلات
التعيين من الله
الوفاء لله
الأعمال
القيادة
الشفيع
التوقعات
التطور التاريخي
الخلق
السقوط
الخروج
الحكم الملكي
النبوات المحددة
المقدمة
خلفية العهد القديم
المؤهلات
التعيين من الله
الوفاء لله
الأعمال
القيادة
الطقوس
الشفيع
التوقعات
التطور التاريخي
الخلق
السقوط
الخروج
الحكم الملكي
النبوات المحددة
المقدمة
مُعْظَمُنا لا يَسْتَطيعُ سِوى أنْ يَتَخَيَّلَ أنَّهُ مَدْعُوٌّ لِلِّقاءِ بِشَخْصٍ شَهيرٍ وقَوِيٍّ جدّاً. وَكُلُّنا نَعْرِفُ كَيْفَ نَسْتَجيبُ لِهذهِ الدَعوة. فَنَحْنُ نَسْأَلُ أنْفُسَنا: “هَلْ سَيَكونُ هُناكَ مَنْ سَيُقَدِّمُني إلَيْهِ وَيُعَرِّفُهُ عَلَيّ؟ ماذا سَألبِس؟ ماذا يَنْبَغي أنْ أفْعَل؟ ماذا يَنْبَغي أنْ أقول؟ مَنْ يُمْكِنُهُ أنْ يُريني كَيفَ أَتَصَرَّفُ حِينَ أكونُ هُناك؟
تَخَيَّلْ أَنَّكَ دُعِيتَ إلى بِلاطِ اللهِ المَجيدِ، اللهُ خالقُ كلِّ الأشْياء. قَدْ تَكونُ لَديْكَ رَدَّةُ الفِعْلِ ذاتُها، في الواقِعِ سَتَكونُ رَدَّةُ فِعْلِكَ أكْبَرَ بِكثيرِ: هَلْ هُناكَ مِنْ سَيُقَدِّمُني إلى الله؟ ماذا يَنْبَغي أنْ أفْعَل؟ ماذا يَنْبَغي أنْ أقول؟ مَن سَيُريني كَيْفَ يَنْبَغي أنْ أتَصَرَّفَ في مَحْضَرِ الله؟
الأمرُ المُفرِحُ هُوَ أنَّ هناكَ مَنْ يَسْتَطيعُ أنْ يُعِدَّنا ويُحَضِّرَنا لِلِّقاءِ باللهِ، هناكَ مَنْ يُقَدِّمُنا إلَيْهِ، ويَجْعَلُ اللهَ يَنْظُرُ إلينا نَظْرَةَ قُبولٍ، بِحَيْثُ لا يُوجَدُ سَبَبٌ لِنَخافَ دَينونَتَه. وطَبْعاً، هذا الشخصُ هُوَ يسوع: رئيسُ كَهَنَتِنا العَظيم.
هذا هو الدرس الرابع ضمن سلسلتنا نؤمن بيسوع، وقد أعطيناه العنوان يسوع الكاهن. في هذا الدرس، نستعرض كيف يتمِّم يسوع وظيفة الكاهن الكتابية، أي دور وسيط العهد بين الله وشعبه.
كما رأينا في الدروس السابقة، وضع الله في العهد القديم ثلاث وظائف ليدير بها ملكوته: وظيفة النبي، وظيفة الكاهن، ووظيفة الملك. وفي المرحلة الأخيرة لملكوت الله، وندعوها عادة “حقبة العهد الجديد”، وجدت كل هذه الوظائف الثلاث تحقيقها النهائي والكامل في يسوع. ولهذا السبب، فإن دراسة أهمية هذه الوظائف وعملها عبر التاريخ يمكن أن تساعدنا في فهم كيفية عمل ملكوت الله في الوقت الحالي، بالإضافة إلى بركات أتباعه الأمناء والالتزامات التي عليهم. وسنركِّز في هذا الدرس على وظيفة يسوع الكهنوتية. نعرِّف الكاهن كما يلي:
هو الشخص الذي يتوسَّط بين الله وشعبه، حتى يقبلهم الله في محضره المُقدَّس الخاصّ ليمنحهم بركته.
نعرف جميعاً أن الله حاضرٌ بشكلٍ غير مرئي في كل مكانٍ وزمان. ولكن في أوقاتٍ وأماكن معيّنة يُظهر نفسه بطرقٍ مرئية غير اعتيادية. مثلاً، هو يظهِر نفسه في جلال وبهاء في بلاطه السماوي. كما يعمل هذا على الأرض أحياناً. وحينما نريد نحنُ خليقته أن نقترب من هذا الظهور الإلهي، ينبغي أن نكون مُستعدّين ومحضَّرين بشكلٍ صحيح ومناسب، ولنا مَن يمثِّلنا ويقودنا، حتى نستطيع نوال قبول الله وبركاته. وفي الكتاب المقدس، هذا النوع من الإعداد والتمثيل أو النيابة عنا والقيادة هي جميعاً العمل الذي يقوم به الكهنة.
وكما درسنا عن وظيفة يسوع النبوية، يغطّي هذا الدرس المتعلِّق بوظيفة يسوع الكهنوتية ثلاثة مواضيع رئيسية: أولاً، خلفية العهد القديم لوظيفة الكاهن. ثانياً، تحقيق هذه الوظيفة في شخص يسوع المسيح وعمله. وثالثاً، التطبيق المعاصر لعمل المسيح الكهنوتي. لننظر أولاً في خلفية العهد القديم لوظيفة يسوع الكهنوتية.
خلفية العهد القديم
حين يفكِّر معظم المسيحيين بالكهنوت في العهد القديم، تتّجه أذهانهم فوراً إلى هارون ونسله، وهم الذين عيّنوا كهنةً في زمن موسى، كما نرى في لاويين 8 و9.
ولكن من المهمّ أيضاً أن ننتبه إلى أنه حتّى قبل أيّام موسى، كان ثمّة كهنةٌ خدموا الله. وفي المعنى الواسع للكلمة، حتى قبل السقوط في الخطية، عيّن الله آدم، أبا الجنس البشري، كاهناً له. وبعد آدم، دُعي كل البشر في الأصل لأن يكونوا كهنةً بهذا المعنى الواسع.
وبمعنى أكثر تحديداً وتقنيةً، نجد كهنةً مثل ملكي صادق في زمن إبراهيم، والذي ذُكِر في تكوين 14. كان ملكي صادق ملك ساليم وكاهنها. ويشير أيوب 1 إلى أن أيّوب نفسه تصرَّف ككاهنٍ لعائلته. وبحسب خروج 3، كان يثرون، حمو موسى، كاهناً لله في مديان.
وفي النهاية، أقام الله كهنوتاً رسمياً وحصرياً حلّ هارون وأولاده به بديلاً عن كل الأشكال والأنواع الأخرى للكهنوت. ولكن كل أشكال الكهنوت السابقة تلك كان أصحابها كهنةً حقيقيين للرب. وكل واحدٍ من تلك الأشكال والأنواع كان جزءاً من خلفية العهد القديم لكهنوت يسوع.
سننظر هنا في خلفية العهد القديم للوظيفة الكهنوتية بثلاث طُرُق أو نواحٍ: أولاً، سننظر إلى مؤهِّلات الكهنة. ثانياً، سننظر إلى عملهم. وثالثاً، سنستكشف توقُّعات العهد القديم بما يختصّ بمستقبل الخدمة الكهنوتية. لننظر أولاً إلى الشروط التي كان ينبغي أن تتوفَّر في الكهنة في العهد القديم.
المؤهلات
كان ينبغي أن تتوفَّر في الكهنة القدماء مجموعةٌ من المؤهِّلات، ولكنّننا سنذكر اثنين منها يركِّز الكتاب المُقدَّس عليهما. أولاً، سنرى أن الكهنة مُعيَّنون من الله. ثانياً، سنؤكِّد على التزامهم بالوفاء لله. ولنبدأ بحقيقة أن الكهنة كانوا مُعيَّنين من الله لخدمته في وظيفتهم تلك.
التعيين من الله
في العهد القديم، الله وحده هو الذي يعيّن الكهنة. فلم يكُن الكهنة يستطيعون تعيين أنفسهم في هذه الوظيفة. ولم يكن ممكناً التصويت بشأن تعيينهم في هذه الوظيفة. ولا يمكن للملوك أو الحكّام الآخرين أن يُعيِّنوهم في هذه الوظيفة. وحتى الكهنة أنفسهم لا يمكنهم اختيار أشخاصٍ إضافيين للخدمة معهم. استمع إلى ما يقوله خروج 28: 1، حيث أعطى الله هذه الوصية لموسى:
وَقَرِّبْ إِلَيْكَ هَارُونَ أَخَاكَ وَبَنِيهِ مَعَهُ … لِيَكْهَنَ لِي. (خروج 28: 1)
التعليمات المُفصَّلة التي تتبع هذه الكلمات في خروج 28 تُظهِر أن تعيين الله كان جزءاً أساسياً من رسامة هارون كرئيس كهنة. ويتحدَّث كتاب العدد 18: 22-23 عن الأمر قائلاً إنّه إن تجرّأ أحد من شعب إسرائيل من غير نسل هارون على أن يعمل عمل الكاهن، فينبغي قتله. تؤكِّد الرسالة إلى العبرانيين في 5: 1 و4 على هذه الفكرة بالكلمات التالية:
لأَن كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّاسِ يُقَامُ لأَجْلِ النَّاسِ فِي مَاِ للهِ… وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ. (عبرانيين في 5: 1 و4)
وهذا المبدأ لا ينطبق على رئيس الكهنة فقط، بل وعلى كل الكهنة في العهد القديم. بالإضافة للتعيين من الله، حتى يكون الكهنة مؤهّلين لوظيفتهم هذه، كان ينبغي أن يتّصفوا بالوفاء لله.
الوفاء لله
ولأن الكهنة كانوا غالباً ما يخدمون بقرب محضر الله الخاص في خيمة الاجتماع والهيكل، كان ينبغي أن يتَّصِفوا بولاء خاص لله بحصر عبادتهم وخدمتهم به، وبتتميم واجباتهم بشكلٍ حريص. كما كان عليهم عمل هذه الأمور لضمان ولاء شعب الله له، حتى يُقبَلوا في محضره المُقدَّس.
نتعلم من العهد القديم أنّه كان للكهنة قوانين محدّدة ليسلكوا بموجبها، فكان حتى لإشعال المذبح بالنار طريقة محدّدة، وكان هناك طريقة محدّدة للكشف على الحيوانات التي جيء بها للذبيحة ليتأكّدوا من أنها كاملة وخالية من الشوائب، وأنّها حقّاً بلا لوم. فالله اشترط أن تكون الأمور على هذا النحو. وكان على الكاهن أن يرتدي ثوباً معيّناً، وأن يقوم بغسلات معيّنة. وتشدّد الرسالة إلى العبرانيين على أنّ كلّ تلك التفاصيل، بما في ذلك الخيمة، وكلّ ما في الخيمة، قد أعطيت لنا كمثال وهي تشير إلى الخيمة السماوية، التي هي حقا محضر الله. فالكهنة بالتالي يمثلون الرب يسوع المسيح… وهم يمثلون تلك القداسة أو ذلك التكفير اللذين لا بدّ أن يقدّما إلى الله لكي ننال الغفران … فكلّ ما في النظام الكهنوتي والشرائع الكهنوتية قد وضعت بين أيدينا لترينا الكمال الذي في المسيح، وأنّه في الواقع سيحمل خطايا شعبه. فالأثواب التي وضعوها عليهم وأسماء الأسباط المنقوشة عليها والذبائح التي بلا لوم، كلّ ذلك يظهر لنا جدية تعامل الله مع هذا الأمر، وعظمة قداسته، بحيث عندما تصل إلى النهاية تجد انه يوجد طريق واحدٌ فقط لنوال الخلاص. وفي حال جرت أي مساومة على هذا الطريق الواحد ينتهي أمرنا ولا يعود هناك تكفير. إذاً الشرائع الكهنوتية مهمّة جدّاً لتترسّخ في عقولنا أهمّية قداسة الله وبرّه وفرادة ذبيحة المسيح. [د. توماس نِتِلز]
أحد الأمثلة الدراميّة على حاجة الكهنة لأن يكونوا مُقدَّسين يظهر في لاويين 10: 1-2. نقرأ في هذين العددين عن معاقبة الله للكاهنين ناداب وأبيهو بالموت بسبب قربانهما الغريب غير المُقدَّس. وفي 1 صموئيل 4، نقرأ عن موت الكاهنين حفني وفينحاس بسبب عدم احترامهما للرب.
بالإضافة إلى هذين المثلين، يتكلَّم المزمور 132: 9، ومراثي 4: 11-13 بوضوح أنه كان على الكهنة أن يكونوا أمناء لله إن كانوا يريدون إعداد شعبه وقيادته إلى محضره لينالوا بركاته.
بعد أن نظرنا إلى مؤهِّلات الكهنة في العهد القديم، لننظر إلى عملهم.
الأعمال
سننظر إلى ثلاث نواحٍ في عمل الكهنة. أولاً، سننظر إلى قيادتهم للشعب. ثانياً، سنستكشف الطقوس التي كانوا يؤدّونها. وثالثاً، سننظر إلى تشفُّعهم لأجل الآخرين. ولنبدأ بعمل القيادة، وهو دور كان الكهنة يقومون به.
القيادة
كان كهنة العهد القديم يقودون شعب الله بطرقٍ عديدة. ولكن فيما يتعلَّق بأهدافنا وإطار درسنا، سنلخِّص هذه الطرق تحتَ ثلاثة عناوين. أولاً، كانت العبادة إحدى أبرز النواحي التي كان الكهنة يقودون الشعب فيها.
كانت العبادة جزءاً مهماً في إعداد شعب الله وقيادته إلى محضر الله المُقدَّس. في شعب إسرائيل، كان الكهنة واللاويون يترأسون أحداث العبادة على المستوى الوطني، مثل الأعياد السنوية لشعب إسرائيل. كما كانوا يقودون العبادة في خيمة الاجتماع والهيكل بشكلٍ يومي، بالإضافة إلى الخدمات الخاصّة في أيّام السّبت. وكانوا يقودون المشاركين في التسبيح والترنيم. نجد هذه التفاصيل في مقاطع مثل 1 أخبار أيام 15: 2؛ و2 أخبار ايام 7، 8، 9، 20، و30؛ ونحميا 12.
ثانياً، كان الكهنة يقدِّمون إرشاداً خاصاً على هيئة أحكامٍ مدنية وطقسية. وقد كانوا يعملون هذا بشكلٍ رئيسي بتطبيق شريعة الله على الظروف التي كانوا يواجهونها. تُذكَر هذه الحقيقة في أماكن كثيرة، مثل خروج 28: 29-30؛ وكتب العدد 21: 27، وتثنية 21: 5، وحزقيال 44: 24.
وكمثال على هذا الدور، استمع إلى وصف موسى للأحكام المدنية التي كان يمكن للكهنة إصدارها في تثنية 17: 8-9:
إِذَا عَسِرَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ دَمٍ وَدَمٍ، أَوْ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى، أَوْ بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَضَرْبَةٍ مِنْ أُمُورِ الخُصُومَاتِ… َاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاء. (تثنية 17: 8-9)
كما يشير هذا المقطع، كانت الأمور القضائية تُحَل عادةً في المحاكم المحليّة. ولكن في الحالات الصّعبة بشكلٍ خاصّ، كان يمكن للناس الذهاب إلى الكهنة أو قضاة خاصّين يمكنهم أن يُصدِروا الأحكام بشأن الأمور الصّعبة.
وفي الحقيقة، نقرأ في خروج 18 عن يثرون، الكاهن المدياني، أنّه أخبر موسى نفسه بكيفية تنظيم المحاكم والقضاة في شعب إسرائيل. وكهنوت يثرون جعله مرجعاً في هذه الأمور.
كما كانت القرارات والإرشادات الكهنوتية تشمل التحقيق والتفسير والحكم بقضايا تخصّ الصحّة والقداسة والطهارة. كان الكهنة يقومون بتفحُّص وجود “عفن” في البيوت، ويشخِّصون الأمراض، ويعلِنون طهارة أو عدم طهارة الأشخاص والأشياء بحسب شرائع الله. ترد هذه الواجبات الكهنوتية في مقاطع مثل الفصول 11 إلى 15 من كتاب اللاويين.
كانت هذه شؤون كهنوتية لأن المشاكل الصحيّة الشخصية والعامّة دخلت إلى العالم كجزءٍ من لعنة الله التي أتت على خطية آدم، والتي بحسبها أُبعِد آدم عن محضر الله الخاص في جنة عدن. ولعنة الموت الشاملة أُقِرت في تكوين 3: 19. وقد شملت هذه الدينونة العامة دينوناتٍ أخر تتعلَّق بالصحة، كما نرى في لاويين 26: 16 وتثنية 28: 21-28.
ولهذا كان للقضايا الصحية دور مهم في إعداد شعب إسرائيل للمجيء إلى الله والاقتراب منه لنوال بركاته.
الطريقة الثالثة التي ظهرت بها قيادة الكهنة هي تعليم كلمة الله للناس، كما نقرأ في 2 أخبار الأيام 35: 3، ونحميا 8، وملاخي 2. وكمثالٍ على هذه الخدمة، استمع إلى كلمات الرب في ملاخي 2: 7:
أَنَّ شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ. (ملاخي 2: 7)
ظهر التعليم الخاطئ نتيجةً للخطية في العالم والتعدّي على كلمة الله من قبل أناسٍ غير مؤهلين لدخول محضره الخاصّ. وهكذا، أُعطي الكهنةُ مهمة تعليم كلمة الله لإعداد شعبه وقيادته إلى محضره المُقدَّس الخاص بطريقة تقود إلى نوال بركته.
بعد أن نظرنا إلى دور الكهنة في القيادة، لننظر الآن إلى الطقوس التي كانوا يقيمونها لأجل الشعب.
الطقوس
لعبت الأعياد المختلفة وشعائر السبت، والذبائح والقرابين دوراً مهمّاً جدّاً في حياة المؤمنين في العهد القديم. فقد كانت أوّلاً تذكّر إسرائيل بأنّ حياتهم كشعب الله هي هبة لهم. فعلى سبيل المثال، كان الفصح يذكرهم بأنهم كانوا يوماً ما عبيداً في مصر، وأنّ الله، وحده الله، قد أعتقهم. لكن لم يكن ذلك فقط لتذكيرهم بأنّهم قد صاروا أحرارا، بل أيضاً أن الله أعتقهم من عبودية مصر ليأتي بهم إلى سيناء حيث أقام معهم عهداً. إذاً الأعياد في حياة شعب إسرائيل كانت لتذكيرهم بأنّ الله قد دعاهم ليكونوا شعبه، ولتذكيرهم بالأعمال العظيمة التي قام بها الله ليخلّصهم. والسبوت كانت لتذكّرهم بأمرين اثنين، أنّ العالم هو ليهوه الله، هو صنع يديه، وهم لم يخلقوه بأنفسهم، وأيضاً أنّهم لم يحرّروا أنفسهم من العبوديّة. يقول موسى في كتاب الخروج: “احفظوا السبت، لأنّ الله استراح في اليوم السابع”. وفي كتاب التثنية يقول موسى احفظوا السبت ليس لأنّ الله استراح في اليوم السابع فحسب، لكن لتتذكّروا أنكم كنتم يوماً عبيداً في مصر. فكلّ الأعياد كانت لتذكيرهم بما صنع الله ليفديهم، وبأنّهم الشعب الوحيد لله، بفضل صلاح الله وبفضل جود الله نحوهم، وبأن حياتهم تشكلت من خلال هذه الطقوس، وتبلور فهمهم لذواتهم، حتى يتجاوبون مع الله بأمانه ويثبتوا في حياة طاعة وثقة ومحبّة وخدمة. [د. ستيفين بليكمور]
في أيام موسى، ولاحقاً في أيّام داود، كان الكهنة يقومون بعددٍ كبير ومتنوِّع من الطقوس تهدف لإعداد شعب الله للدخول إلى محضره الخاصّ والمُقدَّس. وقد شملت هذه الطقوس مواسم مُقدَّسة وأحداثاً مُقدَّسة وأشياء مُقدَّسة، كما نرى في مقاطع مثل لاويين 1 إلى 7 و23؛ وفي كتاب العدد 18 و19؛ وفي 1 أخبار الأيام 23؛ وفي 2 أخبار الأيام 8.
غالباً ما كانت الطقوس تتمحور حول مواقع مُقدَّسة، أماكن كان الله يظهر فيها بصورة خاصة، ويعبده شعبه هناك. فمثلاً، كانت مسؤولية الكهنة أن يعملوا على جعل منطقتَي خيمة الاجتماع والهيكل جميلتَين وكاملتَين قدر المستطاع، حتى تكونا مناسبتَين لسكنى الله هناك في مجده المرئي الخاصّ. نقرأ عن هذا في مقاطع مثل لاويين 24: 1-9، وكتاب العدد 3-4؛ وفي 1 أخبار الأيام 24: 25-32.
وكانت أوضح الأعمال الطقسية للخدمة الكهنوتية هي تقديم الذبائح والقرابين. كانت القرابين تشمل التعبير عن الشكر، واختباراتٍ للشركة، وكفارة عن الخطية. كانت بعض الذبائح والقرابين تُقدَّم في أوقاتٍ محدّدة منتظمة، مثلِ محرقات الصباح والمساء اليومية، وذبائح وقرابين يوم الكفارة السنوي. وكانت ذبائح وقرابين أخرى تُقدَّم استجابة لشروطٍ وظروفٍ معينة، مثل التوبيخ على خطية. وكانت هناك ذبائح وقرابين أخرى يتم تقريبها بحسب رغبة العابد، مثل قرابين السلامة الطوعية. ثمة قوائم عدة للذبائح والقرابين ترد في مقاطع مثل لاويين 1 إلى 7 و16. إحدى المهمات الطقسية للكهنة، وهي المهمة الأبرز في خدمة يسوع، تقديم القرابين والذبائح، خاصة ذبائح الكفّارة. ولذا سنركِّز معظم انتباهنا على هذا النوع من الذبائح.
كثيراً ما نَتَكَلَّمُ اليومَ عَنْ ذَبيحَةِ التَضحِيَةِ باعْتِبارِها التَخَلِّيَ عَنْ شيءٍ ثَمينٍ وَقَيِّمٍ بالنسبةِ لَنا لِنَحْصُلَ على أمْرٍ أكثرِ قيمةِ. ما يَجْعَلُ القُرْبانَ تَضْحِيةً هُوَ أنَّ العَطاءَ يُكَلِّفُنا شَيْئاً لَهُ قيمةٌ لَدينا. في العهدِ القديمِ، لَمْ يَكُنِ الناسُ يُقَدِّمونَ الذَبائحَ والقَرابينَ للهِ لِأنَّهُ يَحْتاجُ إلَيْها، وَلكنْ هَذه القرابينَ كانَتْ تُتيحُ لِشَعبِ اللهِ الفُرْصَةَ لأنْ يُعْطُوا شَيْئاً كانوا يَعْتَبِرونَهُ ثَميناً لِكَسْبِ أمْرٍ أَعظَمِ قيمَةٍ مِثلِ غُفرانِ خطاياهُم. كانَتِ القرابينُ والذَبائِحُ تَعْبيرَ عِبادَةٍ للهِ، وتَعبيراً عَنْ خُضوعِهِمْ لَهُ، بَلْ وَكانَتْ تَنْقُلُ شُكْرَهُمْ لَهُ عَلى عَطائِهِ وعِنايَتِه. طَبْعاً، كانَ يُفْتَرَضُ أنْ تَكونَ الذَبائِحُ والقَرابينُ تَعبيراً عَنِ الإيمانِ دائِماً، وَمُقَدَّمةً بِدوافِعَ سَليمةِ. حتّى أنَّ الرّبَّ رَفَضَ القرابينَ التي لَمْ تَكُنْ تُقَدَّمُ بِقَلبٍ نَقِيٍّ وَصادِقِ. وَقَدْ كانَتْ فاعِلِيَّةُ القرابينِ والذَبائحِ تَعْتَمِدُ دائِماً على إخلاصِ وصِدْقِ مُقَدِّمِ القُرْبانِ والذبيحَةِ لله.
كانت قرابين التكفير عن الخطية جزءاً مهماً من الخدمة الكهنوتية، حتى قبل الشرائع الطقسية الكثيرة التي أُعطيت لموسى. فمثلاً، في أيوب 1 نرى أيوب يقدِّم قرابين حيوانية عن أولاده خشيةً من أن يكونوا قد أخطأوا سهواً أو استهتاراً في احتفالاتهم معاً. وفي الحقيقة، قرابين وذبائح التكفير قديمة جداً بقِدَم سقوط البشرية في الخطية. فحين أخطأ آدم وحوّاء، وضع الله قرابين التكفير التي من خلالها غفر الخطايا وصالح شعبه مع نفسه. يُوصَف هذا النوع من الذبائح والقرابين في أماكن مثل لاويين 4 إلى 6، وكتاب العدد 15: 25-28.
الفكرة العامة وراء الكفارة مباشرة بشكلٍ كبير: بسبب خطيتنا، يستحق كل البشر أن يُعاقَبوا. وهكذا، لتجنُب هذه العقوبة العادلة، يقدِّم العابدون ذبائح تتلقَّى عقاب الله بدلاً منهم. كثيراً ما يشير اللاهوتيون إلى هذا بالكفارة البديلة، لأن القربان أو الذبيحة كان بديلاً عن العابد في طقس التكفير هذا.
وفي كل الحالات في العهد القديم، كانت القرابين والذبائح التكفيرية رمزية. منح الله الغفران لشعبه من خلال القرابين التكفيرية، ولكن ليس على أساس أو استحقاق القربان نفسه. فقد كانت قرابين العهد القديم فاعلة فقط لكونها تشير إلى جوهر واستحقاق ذبيحة يسوع المسيح في العهد الجديد.
يوضِّح العهد الجديد أن شعب الله لم يحصلوا على الغفران الدائم لخطاياهم على أساس ذبائح وقرابين العهد القديم. فكل ما كانت قرابين الخطية تعمله هو أنّها تؤجِّل دينونة الله، وكان ينبغي تقديمها بشكلٍ متكرِّر. موت المسيح على الصليب كان الذبيحة الوحيدة التي قبلها الله باعتبارها الثمن الكامل والدائم للخطايا. أعطى الله نظام الذبائح في العهد القديم كأداة يستخدمها بنعمته وكرمه لإيصال استحقاقات موت المسيح إلى مؤمني العهد القديم.
حين كانت قرابين التكفير تُقدَّم عن المؤمنين الأمناء، كانت هذه الذبائح تقود إلى نتيجتَين مهمّتَين، كانتا تعتمدان على ذبيحة المسيح المستقبلية في فاعليتهما. والنتيجة الأولى التي سنتكلَّم عنها هي الإزالة.
يشير التعبير تكفير الإزالة أو الإزالة إلى تأثير القربان على العابد. إنه إزالة ذنب الخطية من العابدين. هذا يحميهم من عقاب الله الذي يمكن أن يُسكَب عليهم لولا هذا التكفير. من خلال تكفير الإزالة، تَوضَع عقوبة خطية العابدين على البديل، حتى يُحمَوا من دينونة الرب.
تُذكَر الإزالة ويُشار إليها في أماكن حيث يتمّ الحديث عن الخطية “كمكتومة” أو “مستورة”، مثل أيوب 14: 17، والمزمور 32: 1 و5. كما أنّها واضحة في المقاطع التي تتكلم عن إزالة الخطية أو الذنب، مثل لاويين 10: 17؛ والمزمور 25: 18، وإشعياء 6: 7. كما نراها في مقاطع تتكلم عن نقل الخطية إلى بديل، مثل إشعياء 53: 6.
النتيجة الثانية لذبائح الكفارة بالنسبة للمؤمنين هي الإرضاء.
يشير تعبير الإرضاء إلى تأثير القربان على الله. الإرضاء هو الوفاء بمطالب عدالة الله وعقابه على الخطية. يشير الإرضاء إلى أن غضب الله قد عُبِّر عنه، وتم الوفاء بمطالبه. وبسبب هذا، صار الله قادراً على أن يعبِّر عن لطفه وإحسانه ومحبته تجاه العابد من دون أن يتجاوز عدالته.
يُشار إلى الإرضاء في المقاطع التي تتكلّم عن إرضاء غضب الله أو تهدئته، مثل كتاب العدد 25: 11-13، وتثنية 13: 16-17.
إنّ نظام الذبائح في العهد القديم هو برهانٌ قوي على حقائق شتّى عن الله وعن رحمته بالأخصّ. فنحن غالباً ما نفكّر في الأمر من ناحية تقدمة الحيوانات عوضاً عن الشعب لإرضاء استياء الله وغضبه ودينونته. لكن لا بدّ لنا أن نتذكّر أنّ الدافع وراء ذلك كلّه هو محبّة الله ورحمته، حين نفكّر بهذه الرحمة، بشفقته علينا، المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنعمته، حيث نعطى ما لسنا نستحقه. من كتاب اللاويين 17: 11، هو مهمٌّ جدّاً إذ يرينا أنّ نظام الذبائح يجب ألّا ينظر إليه على أنّه نظامٌ ابتكره شعب إسرائيل لإبقاء الله إلى جانبهم. كلّا. هنا الله هو صاحب المبادرة، من محبّته لهم، أوجد وسيلة يتمكّن من خلالها أن يقيم بين شعبه. وهكذا يتمكّنون من أن يقيموا في حضرته. فيكونون شعبه ويكون هو إلههم. كلّ ذلك برهانٌ على رحمته، على محبّته وعلى نعمته. وكلّه يشير في النهاية إلى تدبير مسبق سيتحقق في يسوع المسيح. فبه كلّ الذبائح مع ما ترمز إليه تمت في الواقع بحيث نحن اليوم نعرف الله في ضوء عهدٍ جديد. وأصبحنا قادرين على الوصول إليه مباشرة من خلال ذبيحتنا العظمى، ربّنا يسوع المسيح. [د. ستيفين وِلَم]
أشار نظام الذبائح في العهد القديم بطرقٍ عديدة إلى أنّه برهانٌ على رحمة الله. وإحدى الطرق التقليديّة التي تظهر فيها هذه الرحمة هي يوم الكفّارة، فهناك خيمة الاجتماع أو الهيكل وفي العمق الداخلي ما يسمّى بقدس الأقداس حيث تابوت العهد وبداخله الوصايا العشر وغطاء التابوت ويسمّى “بكرسي الرحمة”. وفي يوم الكفّارة هذا، يأخذ رئيس الكهنة دم الحمل ويقدّم الحمل على المذبح خارج الهيكل أو خيمة الاجتماع ثمّ يدخل من الحجاب إلى قدس الأقداس ويقوم برشّ الدم على غطاء التابوت. وكلّ ما في الأمر هو أنّ الله سيظهر رحمته حين يغطّي دم الحمل الشريعة التي نقضت. وفي ذلك إشارة بالتأكيد إلى حقيقة أن يسوع المسيح سيكون هو الحمل الحقيقي الذي سيغطّي بدمه نقضنا للشريعة. لكن، لاحظ أنّ رحمة الله تأسست على هذا الدم الذي يغطّي الشريعة المنقوضة. [د. فرانك باركر]
بعدَ أن فهمنا دور الكاهن في القيادة وإتمام الطقوس والشعائر، صرنا مستعدّين للحديث عن التشفع، الذي يتمّ لأجل الناس الذين يمثِّلهم الكهنةُ.
التشفع
يمكننا تعريف التشفع باعتباره التوسُّط أو التوسُّل لأجل الآخرين. المتشفِّع شخصٌ يقف معك، أو يدافع عن قضيتك حين تكون لديك مشكلة أو صعوبة، أو يحاول حل النزاعات بينك وبين شخصٍ آخر.
كثيراً ما تشفَّع كهنة العهد القديم من خلال قيادتهم وإرشادهم، بالإضافة إلى الطقوس والشعائر التي حدَّدها الله لهم. فمثلاً، كان الكهنة يتوسَّطون بين الناس في حل القضايا القانونية، وما بين الناس والله حين كانوا يقدِّمون قرابين الكفارة. كما كان الكهنة يقومون بأنواعٍ أخرى من أعمال التوسُّط والتشفُع.
كان أحد الأشكال كثيرة الاستخدام للتشفع هو طلب المعونة. كثيراً ما صلّى الكهنة لله ليشفي أو يُنقِذ أو يعين شعبه. ونجد أمثلة على هذا الشكل من الصلاة التشفُّعية في 1صموئيل 1: 17، و1 أخبار أيام 16: 4. وكمثالٍ على هذا، استمع إلى قصة تشفُّع أو توسُّط أيوب لأجل أولاده في أيوب 1: 5:
وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ الْوَلِيمَةِ، أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ [بنيه وبناته] فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: “رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ”. (أيوب 1: 5)
كان أيوب بمثابة كاهن لعائلته، فتشفَّع لأجل أولاده لحمايتهم من نتائج خطاياهم.
وثمةّ شكلٌ آخر من التشفُّع هو إعلان البركة. حين كان الكهنة يبارِكون الناس، كانوا يطلبون من الله أن يُحسِن إلى الناس. نرى هذا في الطريقة التي بارك بها مَلْكِي صَادِقُ إبراهيم في تكوين 14: 19-20، وفي البركات التي تعلَّم الكهنة أن يعلِنوها على الشعب في كتاب العدد 6: 22-27. فمثلاً، استمع إلى هذه الرواية في 2 أخبار الأيام 30: 27:
وقَامَ الْكَهَنَةُ اللاَّوِيُّونَ وَبَارَكُوا الشَّعْبَ، فَسُمِعَ صَوْتُهُمْ وَدَخَلَتْ صَلاَتُهُمْ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِهِ إِلَى السَّمَاءِ. (2 أخبار الأيام 30: 27)
حين يقول النص إن الله سمع صوتهم، فهذا يعني أنه أكرم التشفُّع الكهنوتي بإحسانه إلى الناس الذين باركوهم. كثيراً ما تظهر هذه الناحية من الخدمة الكهنوتية في أيامنا من خلال البركات التي ينطق الخدام بها في نهاية اجتماع العبادة. بل إن كنائس كثيرة تكرِّر البركة التي علَّمها الله لهارون في كتاب العدد الاصحاح 6.
كما رأينا، فإن للكهنة أعمالاً ومهمات ووظائف كثيرة ومتنوّعة. فقد كانوا يقودون الشعب، ويمارسون الطقوس، ويتشفّعون بالناس. ولكن بقدر تنوّع هذه المهمات والأنشطة، كانت هذه الأنشطة مُوحَّدة بهدفٍ واحد مستمر: كانت جميعاً تهدف لجعل شعب الله مؤهَّلاً للعيش في محضره الخاص، حتى ينال كل بركات عهده.
والآن، بعد أن نظرنا إلى مؤهّلات الكهنة وعملهم، لننتقل إلى التوقُّعات التي أوجدها وبثَّها العهد القديم بشأن الخدمات الكهنوتية المُستقبلية.
التوقعات
في زَمَنِ العهدِ القديمِ، كانَتْ وَظيفَةُ الكاهِنِ حَيوِيَّةً ومُتَغَيِّرَةَ. فَقَدْ تَغَيَّرَتْ واجِباتُها ومَسؤوليّاتُها عَبْرَ الزَمَن. فَلَمْ يَكُنْ كَهنوتُ مَلَكِي صادِق مِثلَ كَهنوتِ أيّوبَ تَماماً. واخْتَلَفَ كَهْنوتُ أيّوبَ عَنْ كَهْنوتِ يَثْرون. واخْتَلَفَ كَهْنوتُ يَثْرُونَ عَنْ كَهْنوتِ هارونَ ونَسْلِه. كَما أشارَ العهدُ القديمُ إلى تَغَيُّراتٍ أُخْرى سَتَحْدُثُ في المُسْتَقْبَل.
لفهم التوقُّعات التي أوجدتها الأنظمة الكهنوتية في العهد القديم بشأن المستقبل، سننظر في اتّجاهين: أولاً، سننظر إلى التطوُّر التاريخي لهذه الوظيفة في حقبة العهد القديم. وثانياً، سنركِّز على نبوّاتٍ مُحدَّدة بشأن مستقبل الوظيفة الكهنوتية. ولنبدأ بالتطوُّر التاريخي لوظيفة الكاهن.
التطور التاريخي
لأنّه كانت ثمة حاجة دائمة لدى البشر للدخول إلى محضر الله المُقدَّس والخاص، فقد كانت هناك حاجة دائمة أيضاً للأعمال والمهمات الكهنوتية. وفي الحقيقة، كان للكهنة دائماً أهميةٌ كبيرة لاستراتيجية الله بعيدة المدى للبشر والخليقة. ولكن من الناحية التاريخية، تغيَّر دور الكهنة في بعض الأحيان بحسب ظروف شعب الله المتغيِّرة.
سننظر إلى تغيُّر دور الكهنة خلال أربع مراحل مختلفة في التاريخ، بدءاً بمرحلة الخلق.
الخلق
تقابل هذه المرحلة عهد الله مع آدم. جنة عدن، التي فيها وُضِع البشر حين خُلِقوا، كانت مَقدِساً فيه كان الله يتمشَّى ويتكلّم مع البشر. وفي هذا السياق، عبد آدم وحوّاء الله وخدماه بطريقة شابهت خدمة الكهنة اللاويين في خيمة الاجتماع والهيكل. لهذا السبب، نستطيع أن نقول إن وظيفة الكاهن قديمة بقِدَم البشر. استمع إلى ما كتبه موسى في تكوين 2: 15:
وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. (تكوين 2: 15)
في هذا المقطع، وصف موسى عمل آدم وحواء باستخدام الكلمتين العبريتَين المُترجَمة إلى عمل وحفظ. وفي كتاب العدد 3: 7-8، استخدم موسى هاتين الكلمتين معاً لوصف عمل اللاويين في خيمة الاجتماع. كما نجد تشابهاً كلامياً في مقاطع مثل تكوين 3: 8، و2 صموئيل 7: 6.
باستخدام اللغة والمفردات نفسها لوصف عمل البشر في جنّة عدن وعمل الكهنة في خيمة الاجتماع، يشير موسى إلى أنَّ آدم وحواء كانا أول كاهنَين، وأن أماكن مثل خيمة الاجتماع والهيكل كان القصد منها القيام بالعمل الذي خُصِّص أولاً لجنة عدن. وفي الحقيقة، اقترح علماء كثيرون أن أدوات وتصميم وديكورات خيمة الاجتماع والهيكل كانت تهدف لتذكُّر جنة عدن.
وفي كل الأحوال، كان كهنوت الجنس البشري في عدن خدمة لله في مقدِسه الذي هو الجنة، والعناية بأمور الله المُقدَّسة والعمل على إبقاء المكان ملائماً لسكنى الله. وعلاوةً على ذلك، أمر الله آدم وحواء ونسلهما بأن يصيرا مملكة كهنة، ناقلين عملهم إلى بقية العالم أيضاً. استمع إلى كلمات الله للبشر في تكوين 1: 28:
أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا. (تكوين 1: 28)
أمرُ الله بملء الأرض وإخضاعها يُدعى عادة التفويض الحضاري، لأنّه يلزِم البشر بأن يعتنوا بكل العالم ويطوِّروه لجعله مشابهاً لجنة عدن. من المنظور الكهنوتي، عمل البشرية هو تحويل كامل العالم إلى مقدِسٍ لله وخدمته إلى الأبد.
عندما خلق الله الإنسان على صورته، لم يفعل ذلك عبثاً. فقد أعطانا ما يسمّى غالباً بـ”التفويض الحضاري على الخليقة”. يساعدنا هذا ان ننظر إلى الأمر ليس من ناحية السيادة على الأرض فحسب بل من ناحية ارتباط ذلك بنوعٍ من الحكم، بنوع من الدور الملكي، والكهنوتي أيضاً. فبالرغم من أن الخطية لم تكن قد دخلت بعد إلى العالم، إلّا أنّ تكوين 2 يصوّر لنا عدناً على أنّها هيكل، وجنّة مقدّسة، وبالتالي دورنا في الخليقة كان بتوسيع حدود عدن لجعلها تمتدّ إلى أقاصي الأرض. في النهاية، ذلك يحصل مع المسيح في السماوات الجديدة والأرض الجديدة. وفي عمق هذا العمل الكهنوتي عبادةٌ أيضاً، إذ أن كلّ ما نفعله هو لمجد الله، اذ نمارس هذا التفويض على الخليقة. وهناك أيضاً الخدمة -وهاتان الفكرتان مرتبطتان بعملٍ كهنوتي وعملٍ من النوع الملكي على حدّ سواء. فالتفويض الحضاري على الخليقة هو أن نكون مندوبين عن الله، أن نكون الخلائق التي لها علاقة مع الله، لنوسّع حدود هذه الجنّة المقدّسة، ولنفعل ذلك بالعبادة وبالتكريس والطاعة مستكشفين كلّ ثروات خليقته، وهذا سيُستردّ في النهاية في السماوات الجديدة والأرض الجديدة. [د. ستيفين وِلَم]
في كتاب التكوين شرحٌ للتفويض الحضاري. هو جزءٌ له أهميّة كبرى في دعوة الإنسان، فيما يريدنا الله أن نكون في عينيه ونحن ننعم بهبة الحياة. بالتأكيد يجب ألّا ننظر إلى الأمر على أنّ التفويض الحضاري هو ليغشّنا أو ليجعلنا نهمل المأمورية بالكرازة بأيّ شكلٍ من الأشكال. فكلاهما من الله، وكلاهما شرعيٌّ وله أهميّته. فالتفويض الحضاري في الأساس هو هبة وامتياز عظيم. هو في الأساس تدبير إلهي يدعو شعب الله المخلوق على صورته إلى تحمّل المسؤولية، وإلى العمل باعتناء، وإلى إدارة وتطوير الإمكانات المتوفّرة بكثرة في النظام الذي خلقه الله لنا كسفراء أمناء أو ممثلين مفوّضين عن العناية الإلهية بذاتها. وبالتالي بما اننا خلقنا لنكون مبدعين على صورة الخالق، فنحن مدعوين لنكون كرماء، وأسخياء، وأصحاب مسؤولية في تحقيق التفويض على الخليقة. [د. غلِن سكورجي]
أول التغييرات في وظيفة الكاهن حدثت عند سقوط البشر في الخطية، حين أكلوا من الثمرة الممنوعة لشجرة معرفة الخير والشر في تكوين 3.
السقوط
حين حدث هذا، طُرِد آدم وحواء من جنة عدن، وكان عليهما أن يبدآ بتقديم قرابين تكفيراً عن خطاياهم. نجد إشارةً ممكنة إلى هذه الممارسة في تكوين 3: 21، حين غطّى الله آدم وحواء بجلود حيوانات. ونجد إشارة أوضح إلى هذه الممارسة في تكوين 4: 4، حين قدّم هابيل قرباناً حيوانياً للرب.
كما تُوجَد إشاراتٌ أخرى خلال هذه الفترة، مثل قرابين وذبائح نوح التي قُدِّمت بعد الطوفان في تكوين 8: 20، وكبش إبراهيم الذي ذبحه في تكوين 22: 13؛ والذبائح التي قدّمها يعقوب في تكوين 31: 54. خلال هذه الفترة، كان رؤوس العائلات هم الذين يقومون بدور الكهنة لأولادهم ونسلهم، والكهنة الذين دُعوا لتشمل خدمتهم أكثر من هذا كانوا قليلين جداً.
حدث تغيُّر آخر في هذه الفترة في “مكان” الخدمة الكهنوتية. فقبل السقوط، كانت الخدمة الكهنوتية تتم في مقدس جنة عدن، ولكن حين طُرِد البشر من جنة عدن في تكوين 3، وجّه الله كهنته لتخصيص أماكن أخرى لعبادته، ولإقامة نُصُب تذكارية للإشارة إلى أماكن التقى معهم فيها. وعلى عكس فترة الخلق، في هذا الوقت من التاريخ لم يكُن ممكناً وصف مكانٍ واحدٍ كمكانِ سكنى الله على الأرض.
مجموعة التغييرات الرئيسية التالية حدثت في أيام خروج شعب إسرائيل من العبودية في مصر.
الخروج
فبعد أن بقيت أمة إسرائيل مُستعبَدة لفرعون مصر مدّةً تجاوزت الأربع مئة سنة، صرخوا إلى الرب، فأطلقهم الرب بقوةٍ عظيمة ومعجزاتٍ غير مسبوقة. يُوصَف هذا الحدث في الكتاب الثاني من الكتاب المُقدَّس، والذي يُدعى كتاب الخروج.
خلال هذه الفترة، ضيَّق الله دعوته الكهنوتية من كل البشرية حاصراً إياها في أمّة إسرائيل. وقال في خروج 19: 6 أن أمة إسرائيل مملكة كهنة له. كما أنّه أفرز سبط لاوي ليكونوا خدّاماً خاصّين له. ومعظم أبناء هذا السبط خدموا في أدوارٍ كانت تدعم العدد القليل من اللاويين (أولاد هارون) الذين خدموا ككهنة للأمة. وضمن سبط لاوي، اختير هارون ونسله فقط ليكونوا كهنة، وكان من بينهم رئيس كهنةٍ واحد. ونجد تعليمات الله بشأن الواجبات الجديدة للكهنوت الهاروني في كل كتاب اللاويين، بالإضافة إلى بعض الأجزاء في كتاب العدد.
كما أعطى الله تعليمات بشأن صُنع خيمة الاجتماع خلال هذه الفترة. كانت خيمة الاجتماع خيمة كبيرة مُزيّنة، كان بنو إسرائيل قادرين على حملها في رحلاتهم. كان لخيمة الاجتماع الدور الذي كان لجنة عدن في الخلق: كانت مقدِس الله الأرضي، المكان الذي فيه تمشّى الله وتكلَّم مع شعبه. وبعد السقوط، كان الله يلتقي الناس في أماكن عديدة من وقتٍ لآخر. ولكن حين صُنِعت خيمة الاجتماع، عاد الله ليركِّز عبادته في مكانٍ واحد. كان ينبغي العناية بمكان العبادة هذا، والحفاظ عليه من قبل خدّامه المختارين، الكهنة. ويمكن قراءة التعليمات الخاصّة بخيمة الاجتماع وقصة صُنْعها في الفصول 25 إلى 40 من كتاب الخروج.
كان قصد الله من التغييرات التي أحدثها في الخروج أن تكون خطواتٍ نحو تتميم خطته الأصلية للبشرية. كانت خطته تقضي بأن يستخدم الكهنة الهارونيين لتحويل شعب إسرائيل أولاً إلى مملكة كهنة، ومن ثمّ من خلال أمانة هذه الأمة المُقدَّسة وخدمتها توسيع ملكوته ليشمل العالم.
التغيُّرات الأخيرة التي جرت في وظيفة الكاهن في العهد القديم حدثت خلال فترة الحكم الملكي في شعب إسرائيل، حين كانت أمة إسرائيل قد سكنت أرض الموعد، وصارت تحتَ حكم ملك.
الحكم الملكي
كانت للحقبة الملكية بداية شكلية مع شاول، الملك الأول على شعب إسرائيل. ولكنها بدأتْ بحماسٍ وجدية بخليفة شاول، أي بداود ونسله.
حين كان ملوك شعب إسرائيل يحكمون، كانوا مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالخدمة الكهنوتية. فمثلاً، وضع داود مخطّطاتٍ للهيكل. وقد سعى لضمان تتميم وأداء الخدمات الكهنوتية. كما قام بتنظيم عائلات الكهنة، وعيَّن مهماتٍ مُحدَّدة لهم. يمكن الاطّلاع على هذه التطوُّرات في مقاطع مثل 1 أخبار الأيام 15، 16، ومن 23 إلى 28.
كما حدَّد داود واجبات عائلات اللاويين، خاصة البوّابين والمُرنِّمين. كما أنه قدّم ذبائح وقرابين وأعلن بركاتٍ على الشعب، مشاركاً الكهنة في خدمتهم من وقتٍ لآخر، كما نقرأ في 2 صموئيل 6: 17-18. وفي إحدى المرات، خلع ثوبه الملكي وارتدى أفوداً كتانياً مُخصَّصاً للاويين، كما نقرأ في 1 أخبار الأيام 15: 27. وقد تمّ الحفاظ على هذه التطوُّرات حتى بعد زمن داود، كما نرى في عزرا 8: 20.
وفي زمن داود، حُدِّدت العائلات التي سُمِح بأن يكون رئيس الكهنة منها بعائلتَين من نسل هارون، وهما عائلة صادوق وعائلة أبياثار. نقرأ عن هذا في 1 أخبار الأيام 18: 16.
وبعد داود، حكم سليمان ابن داود ملكاً على مملكة الله، وقد انخرط في الخدمة الكهنوتية أكثر من داود نفسه. أدار سليمان مشروع بناء الهيكل، وأشرف على تقديم عددٍ عظيم من الذبائح والقرابين، وقاد الشعب في الصلاة في الهيكل، ونطق بالبركات عليهم، كما عمل أبوه. نقرأ عن هذه التفاصيل في 1 أخبار الأيام 21: 28، و2 أخبار الأيام 3 إلى 6، وفي 1 ملوك 8 و9. كما أنّها ترد بشكلٍ مُسلَّم به في مزامير كتبها داود، ومنها المزامير 5، 11، 18، 27، 65، 66، 68.
كما حصر سليمان نسل رئيس الكهنة بدرجةٍ أضيق مما فعل أبوه. فلأن أبياثار شارك في مؤامرة، استبعده سليمان هو وعائلته من الخدمة الكهنوتية، كما نرى في 1 ملوك 2: 26-27، 35. وقد كان هذا بمثابة تحقيق الدينونة التي صدرت في السابق على بيت عالي، الذي كان كاهناً غير أمين في أيّام القضاة، والمُدوَّنة في 1 صموئيل 2: 27-36.
مع أن ثمّة خدماتٍ خاصّة في الهيكل كانت مسؤولية الكهنة فقط، فقد تبع ملوك يهوذا مثالَي داود وسليمان بالانخراط في أنماطٍ من الخدمة الكهنوتية. وبهذا، كانوا بمثابة كهنة ملكيين في هيكل سليمان.
انتهت حقبة الملكية بتدمير البابليين لأورشليم وهيكل سليمان عام خمسمئة وسبعة وثمانين أو خمسمئة وستة وثمانين قبل الميلاد، وسبيهم للشعب إلى بابل. ولكنْ حوالي العام 515 قبل الميلاد، وخلال جهود العودة والردّ بعد السبي، بُني هيكل ثان. وفي هذه الفترة، أعلن النبيان حجي وزكريا أن الله عيَّن يشوع، وهو من نسل صادوق، رئيساً للكهنة. كما أعلنا أن يشوع سيخدم مع زربابل، الذي كان من نسل داود، والذي سيقود عملية الردّ. لكن المؤسِف أن جهود زربابل ويشوع لم تستمرّ طويلاً. فقد ارتدّ معظم الكهنة واللاويين عن الرب، مثلما عملتْ معظم الأمّة. وكانت عبادة شعب إسرائيل فاسدة، ولذا حلّت دينونة الله على الأمة مئاتٍ من السنين.
ومع هذا، فخلال هذه الفترة، استمرّ بنو إسرائيل ينظرون إلى الماضي، إلى أيّام داود وسليمان. فقد كان الأمناء يتذكَّرون تلك الأيام وكيف كانت الحال حين كان الملوك والكهنة يخدمون الله كما ينبغي. وكانوا يأملون بأن يأتي يومٌ جديد تتم فيه الواجبات الملكية والكهنوتية أمامَ الله بشكلٍ أجلّ وأعظم وأبهى مِمّا سبق، وأن يُرحِّب الله بشعبه التائب إلى بركات حضوره الخاصّ.
بعدَ أن نظرنا إلى التوقُّعات المتعلِّقة بالوظيفة الكهنوتية التي أوجدتها التطوُّرات التاريخية، صرنا مستعدِّين لنرى كيف خلقت نبوات مُحدَّدة في العهد القديم توقُّعات بشأن كهنةٍ مستقبليين.
النبوات المحددة
في هذا القسم، سنركِّز على ثلاث نبوّات مُحدَّدة في العهد القديم عن وظيفة الكاهن. أول توقُّع سننظر إليه هو المتعلِّق برئيس كهنة عظيم سيأتي في النهاية تكون خدمته بلا نهاية.
أشارَ العهدُ القَديمُ بِطُرُقٍ عَديدَةٍ إلى أنَّهُ يَوماً ما سَيَبْلُغُ الكَهْنوتُ ذُرْوَتَهُ في رَئيسِ كَهَنَةٍ يَخْدِمُ إلى الأَبَد. عَيَّنَ اللهُ هارونَ رئيسَ كَهَنَةٍ في زَمَنِ موسى، ولَكِنَّ العهدَ القديمَ يَتَطَلَّعُ إلى مُسْتَقْبَلٍ يَكونُ فيهِ كَهْنوتٌ يَفوقُ كَهْنوتَ هارون. كانَ كَهْنوتُ هارونَ مُؤَقَّتاً وسَيَبْقى حتّى مجيءِ رَئيسِ الكَهَنَةِ العَظيم. وفي الحَقيقةِ، كانَ رَجاءُ العهدِ القديمِ أنَّ وَظيفَتَي المَلِكِ والكاهِنِ تَتَوَحَّدانِ في وَظيفَةٍ وشَخْصٍ واحِدٍ هُوَ رَئيسُ الكَهَنَةِ العَظيمُ والمَلِكُ المَسيحاني.
ربما أوضح تصريح على هذه الفكرة هو الوارد في المزمور 110: 4، حيث نقرأ هذه الكلمات:
أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: “أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ. (مزمور 110: 4)
في سياق هذا المزمور، وعد الله بأن خدمة المسيح المنتظر الكهنوتية لن تنتهي، بل ستدوم إلى الأبد.
يُمسِك الفصل 7 من رسالة العبرانيين هذه الفكرة، ويربطها مباشرةً بيسوع في وظيفته كرئيس كهنةٍ لشعب الله. ويشير الفصل نفسه إلى أن كهنوت المسيح الدائم أمرٌ يُشار إليه ضمنياً بسبب ارتباطه بالعهد الجديد، الذي تنبّأ عنه إرميا في 31: 31، حيث أشار إرميا في ذلك المقطع إلى أن الحياة في العهد الجديد ستكون كاملةً ورائعة. وانسجاماً مع هذا التعليم، يؤكِّد كاتب العبرانيين أن هذا العهد الجديد يتطلّب كهنوتاً أفضل، كهنوتاً يبقى إلى الأبد. يعبِّر كاتب العبرانيين عن هذه الحقيقة في عبرانيين 7: 21-22 مستشهداً بالمزمور 110: 4:
أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ، أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ … عَلَى قَدْرِ ذلِكَ قَدْ صَارَ يَسُوعُ ضَامِناً لِعَهْدٍ أَفْضَلَ. (مزمور 110: 4)
نستنتج من هذا أن العهد القديم تنبّأ بشكلٍ مُحدَّد بأنّ الله في العهد الجديد سيُعيِّن رئيس كهنةٍ عظيماً لن تنتهي خدمته.
الأمر الثاني المتوقَّع بشأن وظيفة الكاهن الذي تم التنبؤ به في العهد القديم هو أن رئيس الكهنة العظيم سيحكم كملك.
كما رأينا سابقاً، فقد كان البشر كهنة وملوكاً في جنة عدن. وملكي صادق نفسه كان يعمل ويتمتّع بهاذين المركزين معاً. ومع أنَّ هاتَين الوظيفتَين انقسمتا لاحقاً، تنبّأ العهد القديم بأنّهما ستتوحَّدان ثانيةً في النهاية في شخص المسيح المنتظر.
لننظر مرةً أخرى إلى المزمور 110، وفي هذه المرة إلى الأعداد 2-4، حيث أعطى الربُّ وعداً بشأن المسيح المنتظر المستقبلي:
يُرْسِلُ الرَّبُّ قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ… أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: “أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ”. (مزمور 110: 2-4)
وعد الله هنا بأن يكون المسيح المنتظر من نسل داود، وبأنّه سيحكم ملكاً ويخدم كاهناً. ترد هذه الفكرة نفسها في زكريا 6: 13، حيث نجد نبوةً عن المسيح المستقبلي:
يَكُونُ كَاهِناً عَلَى كُرْسِيِّهِ. (زكريا 6: 13)
بحسب العهد القديم، فإن أحد التوقُّعات الخاصّة بوظيفة الكاهن هو أن المسيح المنتظر سيوحّد وظيفة الكاهن بوظيفة الملك.
التوقُّع المُحدَّد الثالث الذي يتنبّأ العهد القديم عنه بشأن وظيفة الكاهن هو أن شعب الله أنفسهم سيكونون مملكة كهنة.
كما رأينا في تكوين 2: 15، فقد بدأ البشر في جنة عدنٍ بالخدمة ككهنة. ولذا، ينبغي ألا نُفاجأ بأن ردّنا بعدَ السقوط سيخدم البشرية المفدية ثانيةً من خلالنا ككهنةٍ لله. وفي الحقيقة، هذا أمرٌ تمّ التنبؤ به بشكلٍ مُحدَّد في مقاطع مثل خروج 19: 6، وإشعياء 61: 6.
يشير كلا هذين المقطعين إلى أنه حين يملك المسيح المنتظر، سيخدم كل شعبِ الله ككهنةٍ أمناء، ويتّحدون في أمّةٍ واحدة أو مملكة كهنة. عادةً ما يشير اللاهوتيون إلى هذه الفكرة بكهنوت المؤمنين. والرسول بطرس يشير إلى أن هذا الأمر قد تمّ في زمنه. استمع إلى ما كتبه الرسول بطرس في 1 بطرس 2: 5:
كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ… بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. (1 بطرس 2: 5)
إذْ كانَ الكَهَنَةُ في العهدِ القديمِ يَعْمَلونَ “كمصالحين للعهدِ”، كانوا باسْتِمرارٍ يُذَكِّرونَ شَعْبَهُمْ بِأَهَمِّيَّةِ عَلاقَةِ العَهْدِ مَعِ الله. وبِسَبَبِ الخَرابِ الذي تَسَبَّبَتْ بِهِ الخَطِيَّةُ في الخَليقَةِ، فَقَدْ كانَتْ وَظيفَةُ الكاهِنِ ضَرورِيَّةً وَحَيَوِيَّةً لاسْتِمرارِ تَقَدُّمِ مَلَكوتِ اللهِ ولِإتْمامِ مَقاصِدِه. وَلكنْ ما كانَ مُمْكِناً إتمامُ هذِهِ المقاطعِ مِنْ دونِ الشَخْصيَّةِ الكَهْنوتِيِّةِ المِحْوَرِيَّةِ في كلِّ التاريخِ – المسيحِ المُنْتَظَرِ، الذي كانَ كلُّ العَهْدِ القديمِ يَتَوَقَّعُ مَجيئَه.
بعد أن نظرنا إلى خلفية العهد القديم لوظيفة الكاهن، صرنا جاهزين للانتقال إلى موضوعنا الرئيسي الثاني: تحقيق الوظيفة الكهنوتية في يسوع.
القسم الأول: خلفية العهد القديم
مخطط لتدوين الملاحظات
المقدمة
I. خلفية العهد القديم
أ. المؤهلات
1. التعيين من الله
2. الوفاء لله
ب. الأعمال
1. القيادة
2. الطقوس
3. التشفع
ج. التوقعات
1. التطور التاريخي
2. النبوات المحددة
أسئلة المراجعة
1. كيف يعرِّف الدرس الكاهن؟
2. متى بدأ دور الكهنة؟
3. ما هو الأمر الخاص بوظيفة ملكي صادق؟
4. ما هي مواصفات الكاهن؟
5. ما الذي حدث لناداب وأبيهو عندما قدموا نارًا غريبة، مخالفين شرائع الكهنة؟
6. كيف كان الكهنة في العهد القديم يوفرون القيادة؟
7. ما هو أكثر ملمح معروف عن خدمة الكهنوت؟
8. اشرح تعليم الدرس حول كيفية جعل ذبائح العهد القديم فعالة.
9. ماذا تعني كلمة “تكفير”؟
10. ماذا تعني كلمة “استرضاء”؟
11. ما هي المهام الثلاثة لكاهن العهد القديم؟
12. صِف الدور الواضح للكهنة أثناء كل حقبة من حقب التاريخ: في الخليقة، بعد السقوط، بعد الخروج، أثناء المملكة.
13. مَن الذين كان عليهم أن يكونوا كهنة رسميين أثناء عهد موسى؟
14. كم رئيس كهنة كان هناك في عهد موسى؟
15. اذكر النبوات الخاصة في العهد القديم حول الكهنوت الخاص المستقبلي.
أسئلة تطبيقية
1. هل ترى نفسك في دور “كهنوتي” بأي طريقة من الطرق؟ كيف؟
2. ما هي الأهمية الشخصية بالنسبة لك للكفارة والتكفير التي صنعها المسيح.
3. كيف يمكنك أن تشارك هذه الرسالة مع الآخرين؟
4. هل ساعدك هذا الدرس على فهم معنى ذبائح العهد القديم؟ اشرح.

- الاسترضاءاستيفاء عدل الله وغضبه ضد الخطية
- التجليحدث مسجل في متى 17- 1-8، ومرقس 9: 2- 8، ولوقا 9: 28- 36 عندما أُعلن يسوع لتلاميذه في المجد
- الصلبشكل من أشكال العقاب بالموت تم استخدامه في الإمبراطورية الرومانية القديمة حيث كان يتم ربط المجرمين أو تسميرهم إلى الصليب ثم يتم تعليقهم هناك حتى يموتوا، في الغالب بسبب الاختناق، وهي الوسيلة التي مات يسوع بواسطها
- العصمة عن الخطأعدم القدرة على السقوط في الخطية، تُستخدم في الكثير من الأحيان للإشارة إلى حقيقة أن يسوع كان غير قادر على السقوط في الخطية
- العهد الجديدعهد التحقيق في المسيح، ذًكر أولاً في أرميا 31: 31
- العهداتفاق قانوني ملزم يقطعه شخصان أو مجموعتان من الأشخاص، أو بين الله وشخص أو مجموعه من البشر.
- الفصحاحتفال يهودي يتذكر عندما خلص الله إسرائيل من العبودية في مصر
- الكريستولوجيدراسة وعقيدة شخص وعمل يسوع المسيح
- الكفارةذبيحة تقدم لإزالة ذنب الخطية ولمصالحة الخاطئ على الله
- الكفارة البدليةعملية تقديم البديل لينوب عن العابد في طقس التكفير. وخصوصًا عمل موت المسيح على الصليب بصفته النائب الذي سكب الله عليه غضبه
- النبيمبعوث الله الذي يعلن كلمة الله ويطبقها، ويحذر بشكل خاص من الدينونة على خطية ويشجع على الخدمة الوفية لله والتي تؤدي إلى البركات
- الوحي العضويوجهة نظر للوحي تؤكد على أن الروح القدس استخدم شخصية الكاتب البشري، وخبراته، وآفاقه، ومقاصده بينما قاد كتاباتهم بسلطان وبطريقة معصومة.
- جوهر اللهالواقع الذي لا يتغير والذي يكمن خلف كل ما يكشفه الله عن نفسه بإظهارات متغيرة. طبيعة الله الأساسية أو الجوهر الذي يتكون منه
- عهد الفداءعهد دخل فيه أقانيم الثالوث في ترتيب مهيب لضمان الفداء ولتطبيقه على الخليقة الساقطة، وخصوصًا على البشرية الساقطة.
- عهد النعمةالتحمل والمميزات التي يعطيها الله لكل من هو جزء من شعبه العهدي، حتى وإن لم يكونوا مؤمنين حقيقيين.
- كاهنشخص وسيط بين الله وشعبه حتى يستقبلهم الله إلى حضوره المقدس الخاص ليعطيهم بركاته
- مارتن لوثر1483- 1546) راهب ألماني من القرن السادس عشر ومصلح بروتستنتي والذي بدأ الإصلاح عندما سمر حجهه الخمسة وتسعون على باب كنيسة فيتنبرج في عام 1517.
- هيرودس العظيمملك يهودي عينه الرومان وحكم من سنة 37 ق.م حتى موته في 4 ق.م. يُعرف عنه أنه أمر بذبح كل الأطفال الذكور من سن سنتين ودون هذا السن بعد أن علم بميلاد يسوع.
- يوم الخمسيناحتفال يهودي، يُسمى في الكثير من الأحيان "عيد العنصرة أو عيد الأسابيع"، والذي يحتفل بالحصاد المبكر، يحتفل به المسيحيون على أنه اليوم الذي انسكب فيه الروح القدس على الكنيسة المبكرة.
- يوم الكفارةيعرف أيضًا باسم يوم كيبور، وهو يوم يهودي مقدس يحدث مرة في السنة فقط حيث يقوم رئيس الكهنة بالطقوس ويقدم الذبائح ليكفر عن خطايا الشعب
- هارونأخو موسى من سبط لاوي والذي تم اختيار عائلته لتخدم في منصب الكاهن المتخصص
- آدمالانسان الأول، زوج حواء، الرجل الذي قطع الله معه عهد الأساسات حيث طلب من البشرية أن تملأ الأرض وتُخضعها.
- الكفارةذبيحة تقدم لإزالة ذنب الخطية ولمصالحة الخاطئ على الله
- خلقدونيةمدينة في آسيا الصغرى حيث عُقد مجمع كنسي في عام 451م للدفاع عن العقائد المسيحية التقليدية وانكار الهرطقات
- المسيحمن الكلمة اليونانية "كريستوس" والتي تعني "الممسوح"، مرتبطة بشكل وثيق بالكلمة العبرية "المسيا" في العهد القديم
- التكليف الحضاريالأمر في التكوين 1: 28 والذي يأمر البشرية بالنمو والحكم على الخليقة لإظهار مجد الله.
- داودملك إسرائيل الثاني في العهد القديم والذي اخذ الوعد بأن نسله سيجلس على العرش ويملك للأبد
- فسادحالة الفساد الأخلاقي الناتج عن سقوط البشرية في الخطية
- الطاعة الفعالةطاعة يسوع لكل شيء يأمر به الآب.
- التدبيريةمصطلح يعني "متعلق بإدارة المنزل"، يُستخدم في الحديث عن كيفية تعامل الأقانيم الثلاثة للثالوث بعضهم مع بعض
- إيليانبي من العهد القديم ظهر مع موسى عند تجلي يسوع
- المشورة الأزليةخطة الله الأزلية للكون، والتي أسسها قبل عمل الخلق
- تكفيرإزالة ذنب الخطية
- سبق المعرفةمعرفة الله، من قبل الخليقة، بالأحداث التي سوف تجري عبر التاريخ
- الاتحاد الهيبوستاتيتعبير مستخدم للتعبير عن عقيدة أن طبيعتي المسيح الإلهية والبشرية متحدتان في شخص واحد.
- الحُسبان أو الإسنادالعمل الذي فيه نسب الله ذنب الخطاة لشخص المسيح.
- تجسدتعبير يشير إلى اتخاذ يسوع الطبيعة البشرية المستمرة
- الشفاعةالتأمل أو التضرع بالصلاة عن آخرين
- يثرونحمى موسى والذي عمل ككاهن عندما أشار على موسى فيما يختص بتنظيم الناس
- الإرسالية العظمىتعيين المسيح للإحدى عشر رسولاً الأمناء كالممثلين عنه ذوي السلطة ووصيته لهم أن ينشروا ملكوت الله عبر العالم أجمع (متى 28: 19- 20)
- ملكي صادقملك ساليم ورئيس كهنة بارك إبراهيم واستقبل منه العشور
- مشيخكلمة عبرية (نقلت حرفيًا إلى العربية) تعني "المسيا"، الممسوح
- موسى- نبي من العهد القديم ومحرر قاد الإسرائيليين من مصر. الرجل الذي قطع الله معهم "عهد الناموس" القومي، ومن قدم الوصايا العشرة وسفر العهد لشعب إسرائيل. ظهر أيضًا مع إيليا عند تجلي يسوع.
- وجوديمعنى المصطلح "المختص بالكينونة"؛ يُستخدم للإشارة إلى حقيقة أن الأقانيم الثلاثة للثالوث يمتلكون نفس الصفات الإلهية والجوهر الإلهي.
- الوحي العضويوجهة نظر للوحي تؤكد على أن الروح القدس استخدم شخصية الكاتب البشري، وخبراته، وآفاقه، ومقاصده بينما قاد كتاباتهم بسلطان وبطريقة معصومة.
- آلام المسيحمن الكلمة اليونانية "باشو" (نقلت حرفيًا للعربية) والتي تعني "يتألم أو يعاني" وتشير إلى آلام يسوع وموته، بدءًا من ليلة القبض عليه.
- كاهنشخص وسيط بين الله وشعبه حتى يستقبلهم الله إلى حضوره المقدس الخاص ليعطيهم بركاته
- النبيمبعوث الله الذي يعلن كلمة الله ويطبقها، ويحذر بشكل خاص من الدينونة على خطية ويشجع على الخدمة الوفية لله والتي تؤدي إلى البركات.
- الاسترضاءاستيفاء عدل الله وغضبه ضد الخطية
- توبةجانب قلبي من الإيمان حيث نرفض خطيتنا بشكل أصيل ونتحول عنها
- الجلوستعبير لاهوتي يُستخدم للإشارة لملك يسوع المستمر وخدمة الشفاعة التي يقوم بها وهو جالس عن يمين الله الآب.
- سليمانابن الملك داود وثالث ملوك لإسرائيل والذي اشتهر بحكمته وغناه، وسع حدود إسرائيل وبنى أول هيكل في أورشليم.
- السيد- الملك الأعظمامبراطور قوي أو ملك حكم على أمم أصغر، وهو الطرف الأقوى في المعاهدة- الشخص الذي وجب الخضوع له.
- الثالوثتعبير لاهوتي يُستخدم للتعبير عن حقيقة أن الله جوهر واحد في ثلاثة أقانيم
- يهوهاسم عبراني لله، عادة ما تترجم "رب"، ويأتي من جملة "أكون من أكون"