الخدمة العلنية
الإنجيل
الملكوت
التوبة
السلطان
الهوية المؤكدة
النجاح النهائي
التأكيدات
الاعتراف الرسولي
التجلي
موضوعات ذات صلة
الخدمة العلنية
الإنجيل
الملكوت
التوبة
السلطان
الهوية المؤكدة
النجاح النهائي
التأكيدات
الاعتراف الرسولي
التجلي
الخدمة العلنية
تماشياً مع أهدافنا في هذا الدرس سنحدّد خدمة يسوع العلنية بأنها بدأت في الوقت الذي شرع فيه يسوع بالكرازة للجموع، وانتهت برحلته الأخيرة إلى أورشليم. مرة أخرى، سنلخّص الأحداث التي وقعت قبل أن نمضي في سرد التفاصيل عن تلك الفترة.
نقرأ في لوقا 3: 23 بأن يسوع كان في حوالي الثلاثين من عمره، عندما بدأ خدمته العلنية. واستناداً إلى المعلومات المذكورة في الأناجيل الأربعة لا سيما إنجيل يوحنا، يعتقد العديد من علماء اللاهوت أن خدمة يسوع العلنية استمرت حوالي ثلاث سنوات. ويذكر إنجيل يوحنا على وجه الخصوص بأن يسوع حضر ثلاثة أو أربعة أعياد فصح خلال تلك الفترة، كما نرى في يوحنا 2: 23، و6: 4، و11: 55، وربما 5: 1.
وفقاً لمتى الفصل الرابع والأعداد الثالث عشر إلى السابع عشر، بدأ يسوع خدمته العلنية في كفرناحوم، وهي مدينة في نواحي الجليل، على الجانب الشمالي الغربي من بحر الجليل. كان يكرز بملكوت الله ويعمل معجزات في جميع أنحاء الجليل وفي مدن إسرائيل الأخرى، كما نقرأ في متى 4: 23-24. كما قام في تلك الفترة باختيار تلاميذه الاثني عشر وأعدّهم لينضموا إليه في إعلان ملكوت الله، كما هو مدوّن في متى 10 ومرقس 3. بعد ذلك، وسّع يسوع خدمته لتمتد إلى مناطق أخرى من إسرائيل، بما فيها السامرة واليهودية.
في نهاية خدمته العلنية، توجه يسوع إلى أورشليم ليسلّم نفسه طوعاً ليصلب. وفي طريقه إلى هناك، كان يعدّ تلاميذه ليقبلوا حقيقة موته على أيدي بني الملكوت الذين مسحه الله لكي يخلصهم.
مع أن خدمة يسوع الرئيسية كانت الكرازة بالأخبار السارة عن التوبة والإيمان لأن ملكوت الله قد اقترب، فقد فعل يسوع ذلك بطرق عدة متنوعة. فخدم أنواعاً مختلفة من الناس وتقابل مع اليهود العاديين، والقادة الدينيين، والمنبوذين اجتماعياً، والوثنيين، والخطاة من كل الفئات. والتقى بأعداد متفاوتة من الناس، من حشود عددها بالآلاف، إلى لقاءات خاصة في البيوت ومع أفراد. كما علّم في العديد من الأماكن المختلفة، كالبيوت والمجامع، والساحات العامة. وانتهج عدة طرق في التعليم، بما في ذلك الأمثال، والإجابة عن الأسئلة، والنبوات والعظات وحتى المعجزات. وفي كل مرة، أدرك الناس أنه يعلّم بسلطان فريد، وكان ردّ فعلهم قويّاً، البعض بالإيمان والتوبة وآخرون بالغضب والرفض.
يتضمن الإنجيل الكثير من المعلومات عن خدمة يسوع العلنية ما يتيح لنا الفرصة لنسلط الضوء على ثلاث قضايا رئيسية: أولاً، كرازة يسوع بالإنجيل؛ ثانياً، البراهين على سلطانه، وثالثاً، التأكيدات على مسحته ليتولى وظيفة المسيح. لنبحث الآن في الإنجيل الذي كرز به يسوع.
الإنجيل
كرز يسوع بالإنجيل بطرق وأشكال عدة، اتسم البعض منها بالغموض، والبعض الآخر بالوضوح التام. وقد استخدم الأمثال والعظات والأحاديث؛ بالإضافة إلى وعود مستقبلية بالبركة، وتحذيرات من الدينونة، ونبوات عن المستقبل، وصلوات، وحتى معجزات. لكن عندما لخّص كُتّاب الإنجيل رسالته، مالوا إلى وصفها في جوهرها كدعوة إلى التوبة على ضوء اقتراب ملكوت الله.
لنستمع إلى خلاصة متى لإنجيل يسوع في 4: 17:
مِنْ ذلِكَ الزَّمَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ وَيَقُولُ: تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ. (متى 4: 17)
وصف مرقس رسالة يسوع بطرق مماثلة في مرقس الفصل الأول والعددَين الرابع عشر والخامس عشر. وقد نسب متى رسالة الإنجيل هذه نفسها، إلى يوحنا المعمدان في متى 3: 22.
سننظر في ناحيتين من إنجيل يسوع: الأولى، رسالته أن الملكوت قد اقترب، وثانياً، دعوته إلى التوبة الفورية. لننظر أولاً في تعليم يسوع عن الملكوت.
الملكوت
عندما نفتح الأناجيل ونبدأ نقرأها يوجد شيء واحد قد يفاجئنا لكنه حتماً سيستوقفنا، وهو أن ما كان يسوع يكرز به ويعلمه ويظهره من خلال حياته، كان تجسيدا لملكوت الله بكل وضوح. بدءً من كرازة يوحنا المعمدان التي أنبأت بمجيء يسوع، إلى كلمات يسوع الأولى، في أن ملكوت الله قد اقترب، أو ملكوت السماوات قد اقترب. ثم في كل تعاليمه: طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السماوات، وكل الأمثال عن ملكوت السماوات. والطرق التي من خلالها كان يظهر نفسه بأنه الملك الحقيقي من نسل داود الذي دخل إلى أورشليم على حمار، وكل ما دونته الأناجيل وذكره البشيرون، كل ذلك جرى وورد ذكره ليجعلنا نفهم بوضوح أن رسالة يسوع وحياته كلها كانت حول مجيء ملكوت الله واسترداده لملكه. [د. جوناثان بينينغتون]
مثل كل اليهود في زمنه، عرف يسوع أن الله هو السيد السرمدي المطلق على جميع خلقه. لكن العهد القديم أعلن أن الله خطط لاستعلان ملكه الأبدي من خلال ملكوته المنظور على الأرض. وكما رأينا في درس سابق، بدأ الله هذه العملية عندما خلق الأرض وعيّن آدم وحواء كوكيلَين عليها. إلا أنهما فشلا بطريقة مزرية بالقيام بالمهمة الموكلة إليهما بجعل العالم كاملاً. لكن ملكوت الله أحرز تقدماً من جديد من خلال أمة إسرائيل التي نمت وأصبحت دولة عظيمة. لكن الملكوت عاد وتراجع بشكل خطير بسبب خطية بني إسرائيل ونفيهم من بلادهم. وعلى الرغم من أن الله عرض ردّ الأمة من جديد في زمن عزرا ونحميا، إلا أن الناس تسببوا بإطالة مدة نفيهم لقرون عدة بسبب عدم أمانتهم. في زمن يسوع، كان شعب إسرائيل قد عانى لمئات السنين من النفي، وكان في انتظار أن يقيم المسيح ملكوت الله على الأرض مع كل البركات التي ترافقه. لذلك عندما أعلن يسوع بشرى اقتراب الملكوت، حملت تلك الرسالة أملاً عظيماً.
أعلن يسوع الأخبار السارة بأن المرحلة الأخيرة من ملكوت الله على الأرض ستتم في أيامه. وسيطبع نموذج السماء العالم بأجمعه. وكما نرى في التطويبات في متى 5: 3-12، فإن كل شعب الله الأمين سيكون مباركاً جداً في ملكوت الله. وستنتهي أحزانه، ويرث الأرض بأسرها. ولن تكون هناك سلطات أجنبية تفرض العبادة الزائفة. ولن يكون هناك قادة دينيون فاسدون يساومون مع أعداء إسرائيل من أجل هدوء نسبي. والذين أخطأوا سينالون الغفران والمنفيون سيعودون. والذين سقطوا تحت دينونة المرض سوف يشفون. وسيهزم الرب بنفسه أعداء إسرائيل ويطهّر الناس من خطاياهم ويجدّد الخليقة بأكملها.
لكن على الرغم من روعة رسالة إنجيل يسوع عن الملكوت، فقد تضمنت أيضاً شرطاً: وهو التوبة.
التوبة
حذّر يسوع من أن ملكوت الله سيأتي سريعاً، وسيظهر ليس فقط من خلال مباركة شعبه الأمين، بل أيضاً من خلال دينونته لأعدائه. لذلك، إن أراد بنو إسرائيل أن ينالوا البركات الموعود بها، عليهم أولاً أن يتوبوا عن خطاياهم.
التوبة عن الخطية تتضمن التوقف عن الخطية. لكن في المفهوم الإنجيلي التوبة هي أكثر من التوقف عن الخطية. فهي أيضاً الاقتراب من شيء ما. وهذا الشيء هو شخص. هو يسوع، ونحن نأتي إليه بالإيمان. إذن، هناك التخلي عن الخطية والاقتراب من يسوع بالإيمان. كما يمكننا في الوقت عينه أن نعيّن أو نستخرج بعدين مما تتضمنه التوبة. أحد هذين البعدين هو بعد فكري، إدراكي، للخطية. فالواحد لا يميل إلى التوبة ما لم يدرك أنه خاطئ، ويدرك أنه قد كسر وصايا الله بطريقة ما. وبالتالي يجب أن تكون التوبة نوعا من الوعي، والمعرفة، والقناعة، بأن كل إنسان خاطئ وبأن ما يقوم به هو خطأ في عيني الله. لكن في الوقت عينه، يمكن لكل واحد أن يدرك فكرياً أن ما فعله يغضب الله، ولكنه لا يبالي بالأمر. من هنا البعد الثاني يكون بعد الندم، عندما يقتنع الإنسان بعاطفته أنه لم يقم بعمل خاطئ فحسب، بل أن يتأسف عليه، وأنه مستاء من هذا التصرف. ويشعر بالحزن بسبب خطيته مثلما يشعر الله نحوها. هذان العنصران معاً يقوداننا إلى عنصر ثالث وهو ممارسة الإرادة، أو القدرة الاختيارية، للتوقف عن الخطية، فهي غير قادرة أن تمنحنا ما تعدنا به من متعة، واللجوء بدل ذلك إلى يسوع الذي يعطينا وعوداً ومتعاً أسمى. [د. روبرت لِستر]
غالباً ما يكون من المفيد أن نتحدث عن التوبة كمن يقلب وجه قطعة نقد معدنية. فبحركة واحدة ننتقل من الخطية إلى البر. ونحن نبدأ بالتوقف عن الخطية عندما نشعر بالأسف الفعلي على مخالفتنا لشريعة الله، ولتسببنا بأذية أخوتنا، في حال سببت لهم خطيتنا الأذية. ونحن نستمر بعيدين عن الخطية عندما نعترف بذنبنا لله ونطلب غفرانه. وأوجه التوبة هذه واضحة في مقاطع مثل إرميا 31: 19؛ وأعمال 2: 37-38.
إلا أن التوبة تعني أيضاً أن يتجه الإنسان إلى الله ويطلب منه أن يطهّره ويجدده؛ وأن يصمم على طاعته في المستقبل. هذا لا يعني أننا لن نرتكب الخطية أبداً ثانية؛ بل يعني أن التوبة الحقيقية تتضمن رغبة في إرضاء الله عن طريق طاعة وصاياه. ونرى ذلك في أماكن مثل يوئيل 2: 12-13؛ و2 كورنثوس 7: 10-11.
كلمة توبة في الكِتاب المُقدَّس “متانويا”، هي كلمة عظيمة. ونحن إن أردنا أن نتوب عن خطيتنا، فان ذلك يعني كل ذلك التغيير الذي تتضمنه كلمة “متانويا”. فنتغيّر من طرقنا الشريرة. هذا يعني أنه إن كنا نسير في الاتجاه الخطأ ويلمس يسوع حياتنا، نتحول ونبدأ نسير في الاتجاه الصحيح. نتغير. نغيّر كل ما يريدنا الله أن نغيّره. والحقيقة نحتاح إلى تغيير كامل. هذا المفهوم الكامل لتغيير الذهن، ليس مجرد تغيير لما تؤمن به في فكرك. في الواقع، أحب الكلمة التي يستخدمها العهد القديم لفعل يعرف، “يدع”، وهي تعني أن يختبر أن يقابل. فهي ليست ببساطة الذهن الذي يمكننا أن نعرف من خلاله، بل هي أيدينا، وأرجلنا، ومشاعرنا، وقلبنا، وكل شيء فينا نستعمله للإدراك. فنقوم بتغيير الأمور التي تتعلق بنا. نبدأ بتغيير سلوكنا. فما لم يتغير سلوكنا، ليس هناك على الأرجح من تغيير. أتذكر ما قاله أستاذي في كلية اللاهوت: “انت تفعل ما تؤمن به، وتؤمن بما تفعله”. هذا يتعلق إلى حد بعيد بما تعنيه التوبة بالفكر. [د. ماثيو فريدمان]
إن رسالة يسوع باقتراب ملكوت الله على الأرض هي أخبار سارة. لكن لا يمكن فصلها أبداً عن ضرورة التوبة. فقط أولئك الذين يتوبون عن خطاياهم ويرجعون إلى الله بإيمان، سيسمح لهم بالتمتع ببركات ملكوته.
بالإضافة إلى إعلانات الإنجيل تضمنت خدمة يسوع العلنية العديد من البراهين لسلطانه والتي شهدت لصحة رسالته.
السلطان
في أعمال 10: 38، لخّص الرسول بطرس سلطان يسوع في صنع المعجزات بهذه الطريقة:
يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ. (أعمال الرسل 10: 38)
لقد صنع يسوع العديد من المعجزات التي أثبتت السلطان المعطى له من الروح القدس. لقد أثبت يسوع أن له سلطاناً على الخليقة، كما حصل عندما حول الماء إلى خمر في يوحنا 2: 1-11. كما أظهر سلطانه على الأرواح الشريرة وعلى تأثيرها، كما نرى في مقاطع مثل متى 12: 22؛ مرقس 1: 23-26؛ ولوقا 9: 38-43. وقد شفى المرضى والمقعدين، كما نرى في مرقس 10: 46-52؛ ولوقا 8: 43-48؛ ويوحنا 9. حتى أن يسوع أقام الموتى، كما نرى في متى 9: 18-26؛ ولوقا 7: 11-15؛ ويوحنا 11: 41-45. لقد صنع يسوع في الواقع معجزات أكثر من تلك التي صنعها أي نبي آخر في تاريخ إسرائيل. يذكر العهد الجديد خمس وثلاثين معجزة على الأقل، ويشير إنجيل يوحنا إلى أن يسوع صنع عدداً لا يُحصى من المعجزات إلى جانب تلك. كما نقرأ في يوحنا 21: 25:
وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. (يوحنا 21: 25)
إن إظهار يسوع لسلطانه في صنع المعجزات له على الأقل معنيان ضمنيان: أولاً، أكدت هذه البراهين على هويته بأنه المسيح. وثانياً، ضمنت هذه البراهين نجاحه النهائي في إقامة ملكوت الله على الأرض. لنبحث أولاً كيف أن معجزات يسوع أكدت هويته.
الهوية المؤكدة
إن معجزات يسوع التي عملها بسلطان أكدت هويته على أنه المسيح الذي مسحه الله بصورة مميّزة لكي يبدأ المرحلة الأخيرة من تحقيق ملكوته. كونه المسيح، كان يسوع سفير الله المؤيَّد بسلطان. وأثبتت معجزات يسوع موافقة الله القوية على كل ما قاله. نرى هذا في لوقا 7: 22؛ ويوحنا 5: 36؛ و10: 31-38. وفي العديد من الأماكن الأخرى.
علاوة على ذلك ربط العديد من الأشخاص في الكتاب المقدس بين معجزات يسوع والمهمات التي كانت من مظاهر وظيفة المسيح الأشمل. فقد رأوا فيها على سبيل المثال، تحقيقاً لدوره كنبي كما في لوقا 7: 16؛ ويوحنا 6: 14، و7: 40. وربط يسوع نفسه بين سلطانه في صنع المعجزات وواجبات الكهنة كما في لوقا 17: 12-19. كما ارتبطت معجزاته بوظيفته كملك كما جاء في متى 9: 27، و12: 23، و15: 22، و20: 30. استمع إلى ما قاله يسوع في يوحنا 10: 37-38:
إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. (يوحنا 10: 37-38)
إن معجزات يسوع أثبتت أن رسالة إنجيله صحيحة. وأنه كان حقاً المسيح، وأنه فعلاً كان يحقق المرحلة الأخيرة من ملكوت الله على الأرض. كما قال في لوقا 11: 20:
وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ بِأَصْبعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ. (لوقا 11: 20)
إن أعمال يسوع الخارقة أثبتت أنه المسيح، الشخص الذي أسس ملكوت الله على الأرض لكي ينهي استبداد الشيطان بشعب الله وخليقته.
بعد أن رأينا أن براهين يسوع لسلطانه أكدت على هويته أنه المسيح، لننظر الآن كيف أنها ضمنت نجاحه.
النجاح النهائي
أثبتت معجزات يسوع أنه يمتلك السلطان اللازم ليحقق ما دعا إليه ولكي يفي بوعوده. فقد امتلك كل السلطان الذي احتاجه ليحقق ملكوت الله على الأرض كما هو في السماء. في الواقع، إن الكثير من بركات معجزاته كانت بمثابة عيّنة عن ذلك الملكوت السماوي. على سبيل المثال، عندما شفى المرضى وأقام الموتى، أعطى يسوع صورة عن الملكوت حيث لا يوجد مرض ولا موت، كما هو موصوف في رؤيا 21: 4. وعندما أشبع آلاف الجياع، قدّم مثالاً واضحاً عن الوفرة التي سيتمتع بها ملكوته الأبدي، كما نقرأ في أماكن مثل خروج 23: 25-26؛ ويوئيل 2: 26؛ ولوقا 12: 14-24.
كما أظهر يسوع أيضاً أنه يمتلك السلطان الكامل ليقضي على أعداء ملكوته. على سبيل المثال، عندما أخرج الشياطين، أظهر بأن لديه السلطان اللازم ليؤسس ملكوتاً لا يتزعزع، ملكوتاً لا يهدده شيء، كما نرى في متى 12: 22-29.
جذب سلطان يسوع انتباه جميع الذين عاينوه. وفي حين أن أعداءه برّروا سلطانه بأنه من الشيطان، تبقى الحقيقة أن سلطان يسوع هو من الله. وهو البرهان بأن يسوع هو المسيح، الذي له القدرة على إتمام كل أمر، وتحقيق كل وعد، وإنزال كل عقاب نطق به. ولا شك أن هذا مصدر تعزية وسعادة لنا كمسيحيين. فذلك يعني أن إيماننا بيسوع في مكانه. ومهما كانت الشكوك التي قد نواجهها، والوقت الذي يتطلبه إتمام عمل الله الذي بدأه بيسوع، فقد أعطانا يسوع سبباً كافياً للوثوق بإنه هو حقاً المسيح الذي اختاره الله. وبأننا إن آمنا به، فسنضمن منزلة من الكرامة والبركة في ملكوته الأبدي.
الآن وقد بحثنا في إعلانات إنجيل يسوع وبراهين السلطان الذي له، لننظر في خدمته العلنية بارتباطها بالتأكيد على مسحه لوظيفة المسيح.
التأكيدات
لقد تثبت مسح يسوع بصفته المسيح بطرق عدة خلال خدمته العلنية. ولكن على سبيل الإيضاح، سنركز على تأكيدين جديرين بالذكر هما: اعتراف بطرس الرسول بأن يسوع هو المسيح، وتجلي يسوع بمجد. دعونا ننظر أولاً في اعتراف بطرس الرسول.
الاعتراف الرسولي
لنستمع إلى ما سجله متى عن اعتراف بطرس في متى 16: 15-17:
قَالَ لَهُمْ [يسوع]: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيّ! فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. (متى 16: 15-17)
وهذا الحدث ذاته مسجل في مرقس 8: 27-30؛ ولوقا 9: 18-20.
يلعب اعتراف بطرس دوراً محورياً في الأناجيل، لأنه يظهر في متى ومَرقُس ولوقا، وفي الأناجيل المتشابهة النظرة. ويركّز النصف الأول من الأناجيل الثلاثة في الواقع على سلطان يسوع الإلهي؛ وعلى إظهاره لسلطانه من خلال المعجزات، وطرده للأرواح الشريرة، وشفاءاته، ومن خلال معجزاته وتعاليمه. وهكذا، أدرك بطرس الحقيقة وعلم أن يسوع هو حقاً المسيح الموعود. من هذه النقطة بدأت تبرز دعوة المسيح لكي يتألم. لكن رغم ما ذكر يبدو أن كلا من متى ومرقس ولوقا يضعون تشديداً مختلفاً قليلا على اعتراف بطرس. ففي مرقس ولوقا، كل تلك المعجزات التي قادت إلى ذلك الاعتراف، يبدو أنها برهنت لبطرس، وأكدت له، أن يسوع هو حقاً المسيح؛ وأنه بالفعل المسيح الموعود. وهكذا أقرّ بأن الله يعمل من خلال يسوع وبطريقة ما أدرك في بشريته أن يسوع هو المسيح. ومتّى يخبرنا أن أول شيء قاله يسوع بعد الاعتراف: “طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”. من هنا يشدّد متى أكثر على أن هذا إعلان إلهي من خلال عمل يسوع، بلا ريب، من خلال آيات سلطانه، لكن هذا الاستنتاج توصل إليه بطرس فقط لأن الرب أعلنه له. فهذا النوع من الإعلان الإلهي؛ هو الأهم كما يبدو في إنجيل متى. [د. مارك ستراوس]
إن تأكيد بطرس على مسح يسوع ليقوم بوظيفة المسيح كان إعلاناً مباشراً من الله. وكما رأينا، كان من المفترض أن يستنتج الناس ببساطة أن يسوع هو المسيح بمجرد النظر إلى معجزاته. إلا أن اعتراف بطرس الناطق باسم الرسل كان أكثر من ذلك. فقد شكل إعلاناً نبوياً ذا سلطان من الله. وهو بالتالي تأكيد معصوم عن حقيقة أن يسوع هو حقاً المسيح.
أحد أكثر الأمور الملفتة للنظر في الأناجيل هي تلك اللحظة التي أعلن فيها سمعان بطرس، ردّاً على سؤال يسوع: “من يقول الناس إني أنا؟” بقوله: “أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!” إنها لحظة غير عادية. وما هو غير العادي فيها؟ إنها في الحقيقة، كما قال يسوع نفسه، لحظة إعلان، فيها أعلن الله لسمعان بطرس شيئاً لم يكن ليدركه بنفسه. لكنها غير عادية أيضاً بسبب الشوق الكثير والانتظار على مدى خمسمئة سنة لمجيء تلك الشخصية المسيحانية. وها هو بطرس يجهر بقوله لهذا الشخص الماثل أمامه: “انت هو المسيح”، فقد كان الشوق والانتظار عظيمين، وفجأة ها هي اللحظة حاضرة. [د. بيتر واكر]
بعد أن رأينا كيف أن اعتراف الرسول بطرس أكد على أن يسوع ممسوح لوظيفة المسيح، لننظر الآن في تجلي يسوع المجيد.
التجلي
التجلي هو اسم أطلقه اللاهوتيون على الحدث الذي ظهر فيه يسوع لتلاميذه بمجده. وهو يشير إلى حقيقة أن مظهره قد تبدل جذرياً، كاشفاً عن جزء من مجده الإلهي. لقد سُجل هذا الحدث في متى 17: 1-8؛ ومَرقُس 9: 2-8؛ لوقا 9: 28-36؛ كما أشير إليه في 2 بطرس 1: 16-18.
باختصار، اصطحب يسوع كلاً من بطرس ويعقوب ويوحنا إلى الجبل للصلاة. وبينما كانوا هناك، تغيّرت هيئة يسوع. فقد شعّ وجهه بالمجد وثيابه صارت ناصعة البياض. وفي الوقت الذي تغيّرت فيه هيئة يسوع، ظهر كل من موسى وإيليا معه، وسُمع صوت الله آتياً من السماء، مؤكداً أن يسوع هو ابنه. وعندما اقترح بطرس على التلاميذ أن يصنعوا ثلاث مظال واحدة لكل من يسوع وموسى وإيليا، ميّز الله يسوع باعتباره مستحقاً لأعظم مجد وطاعة. وهذا الأمر كان له مغزاه لأن موسى كان معطي الشريعة ومحرّر شعب الله، وكان إيليا نبياً أميناً دعا أمة إسرائيل لكي تعود عن ارتدادها. وهذا يعني أن يسوع كان استمرارية للشريعة والأنبياء، وكان متمماً لتوقعات التي كانت عند أعظم قادة إسرائيل في الماضي. كما هذا يعني أيضاً بأنه كان أعظم من مسحهم الله، والوريث النهائي لداود، من أتى بملكوت الله إلى الأرض.
إن التجلي هو ذلك المشهد المدهش الذي بدا حين صعد يسوع إلى جبل مع تلاميذه. ثلاثة منهم فقط ذهبوا معه، وشاهدوا ذلك الإعلان عن مجد المسيح. وهنا نرى لمحة عن هاتين الطبيعتين للمسيح. لم يكن تغيّر شكله وظهور مجده طارئا عليه، فقد كان لاهوته دائماً أصيلا فيه، كان لاهوته كما تعلن ترنيمة ميلادية، محجوباً في الجسد. على الجبل نرى هذا الإعلان الذي يعمي البصر عن حضوره المجيد إلى حد أن التلاميذ نزلوا من الجبل ووجوههم تشع نوراً. وعندما نفكر بتحقيق هذا العهد، نجده قوياً، لان يسوع التقى خلال تجليه، بمن؟ لقد التقى بموسى وايليا! فيسوع هنا يظهر كاتمام للشريعة الموسوية، واتمام للوظيفة النبوية، واتمامه لهوية المسيح بهاتين الطريقتين: فالعهد القديم قد تحقق في يسوع في لقائه مع موسى معطي الشريعة، ثم اتمامه للوظيفة النبوية العظمى في ايليا، إذاً ها هو يسوع يأتي ويلتقيهما ويثبت هويته المسيحانية في ذلك التجلي المدهش. [د. إريك ثيونيس]
الآن وقد بحثنا في موضوع ولادة يسوع واستعداده لوظيفة المسيح، ونظرنا في خدمته العلنية، بتنا مستعدين أن ننتقل إلى موضوع آلامه وموته.
القسم الثاني: الخدمة العلنية
مخطط لتدوين الملاحظات
II. الخدمة العلنية
أ. الإنجيل
1. الملكوت
2. التوبة
ب. السلطان
1. الهوية المؤكدة
2. النجاح النهائي
ج. التأكيدات
1. الاعتراف الرسولي
2. التجلي
أسئلة المراجعة
1. كم كان عمر يسوع عندما بدأ خدمته العلنية؟
2. ما هي العبارة التي تلخص بأفضل طريقة وعظ يسوع؟
3. ما هي التوبة؟
4. كيف أظهر يسوع بشكل خاص قوته أثناء خدمته الأرضية؟
5. في لوقا 11: 20، يقول يسوع، “ولكن إنْ كُنتُ بأصبِعِ اللهِ أُخرِجُ الشَّياطينَ، فقد _____________.”
6. بحسب متى 16: 15-17، ما الاعتراف الذي قام به بطرس؟
7. بحسب الدرس، ما الأمر المقترح من خلال ظهور موسى وإيليا أثناء تجلِّي يسوع؟
أسئلة تطبيقية
1. صف اختبار توبتك وإيمانك الأول، عند تحولك من الخطية إلى يسوع.
2. كيف يجب علينا أن ندمج رسالة التوبة عندما نشارك البشارة مع الآخرين؟
3. هل تشارك رسالة المسيح مع آخرين؟ كيف يمكنك أن تكون بهذا بشكل أكبر؟

- التجليحدث مسجل في متى 17- 1-8، ومرقس 9: 2- 8، ولوقا 9: 28- 36 عندما أُعلن يسوع لتلاميذه في المجد
- الصلبشكل من أشكال العقاب بالموت تم استخدامه في الإمبراطورية الرومانية القديمة حيث كان يتم ربط المجرمين أو تسميرهم إلى الصليب ثم يتم تعليقهم هناك حتى يموتوا، في الغالب بسبب الاختناق، وهي الوسيلة التي مات يسوع بواسطها
- العصمة عن الخطأعدم القدرة على السقوط في الخطية، تُستخدم في الكثير من الأحيان للإشارة إلى حقيقة أن يسوع كان غير قادر على السقوط في الخطية
- العهد الجديدعهد التحقيق في المسيح، ذًكر أولاً في أرميا 31: 31
- العهداتفاق قانوني ملزم يقطعه شخصان أو مجموعتان من الأشخاص، أو بين الله وشخص أو مجموعه من البشر.
- الفصحاحتفال يهودي يتذكر عندما خلص الله إسرائيل من العبودية في مصر
- الكريستولوجيدراسة وعقيدة شخص وعمل يسوع المسيح
- الكفارةذبيحة تقدم لإزالة ذنب الخطية ولمصالحة الخاطئ على الله
- جوهر اللهالواقع الذي لا يتغير والذي يكمن خلف كل ما يكشفه الله عن نفسه بإظهارات متغيرة. طبيعة الله الأساسية أو الجوهر الذي يتكون منه
- خلقدونيةمدينة في آسيا الصغرى حيث عُقد مجمع كنسي في عام 451م للدفاع عن العقائد المسيحية التقليدية وانكار الهرطقات
- عهد الفداءعهد دخل فيه أقانيم الثالوث في ترتيب مهيب لضمان الفداء ولتطبيقه على الخليقة الساقطة، وخصوصًا على البشرية الساقطة.
- عهد النعمةالتحمل والمميزات التي يعطيها الله لكل من هو جزء من شعبه العهدي، حتى وإن لم يكونوا مؤمنين حقيقيين.
- قانون الإيمان الخلقدونيقانون إيمان كُتب في عام 451 م في مجمع كنسي في مدينة خلقدونية والذي أكد، من ضمن أشياء أخرى على أن يسوع هو "إله كامل وإنسان كامل" وهو ما يُسمى بالرمز الخلقدوني، والتعريف الخلقدوني
- كريستوسكلمة يونانية (تم نقلها حرفيًا إلى العربية) تعني المسيح، وهي مستخدمة في السبعينية لتترجم "مشيخ" أو "مسيا" وتعني "الممسوح"
- مجمع خلقدونيةمجمع كنسي انعقد في 451م في مدينة خلقدون والذي أكد، وسط أمور أخرى، على أن يسوع هو "إله كامل وإنسان كامل"
- هيرودس العظيمملك يهودي عينه الرومان وحكم من سنة 37 ق.م حتى موته في 4 ق.م. يُعرف عنه أنه أمر بذبح كل الأطفال الذكور من سن سنتين ودون هذا السن بعد أن علم بميلاد يسوع.
- يوم الخمسيناحتفال يهودي، يُسمى في الكثير من الأحيان "عيد العنصرة أو عيد الأسابيع"، والذي يحتفل بالحصاد المبكر، يحتفل به المسيحيون على أنه اليوم الذي انسكب فيه الروح القدس على الكنيسة المبكرة.
- خلقدونيةمدينة في آسيا الصغرى حيث عُقد مجمع كنسي في عام 451م للدفاع عن العقائد المسيحية التقليدية وانكار الهرطقات
- المسيحمن الكلمة اليونانية "كريستوس" والتي تعني "الممسوح"، مرتبطة بشكل وثيق بالكلمة العبرية "المسيا" في العهد القديم
- داودملك إسرائيل الثاني في العهد القديم والذي اخذ الوعد بأن نسله سيجلس على العرش ويملك للأبد
- فسادحالة الفساد الأخلاقي الناتج عن سقوط البشرية في الخطية
- الطاعة الفعالةطاعة يسوع لكل شيء يأمر به الآب.
- التدبيريةمصطلح يعني "متعلق بإدارة المنزل"، يُستخدم في الحديث عن كيفية تعامل الأقانيم الثلاثة للثالوث بعضهم مع بعض
- المشورة الأزليةخطة الله الأزلية للكون، والتي أسسها قبل عمل الخلق
- سبق المعرفةمعرفة الله، من قبل الخليقة، بالأحداث التي سوف تجري عبر التاريخ
- الاتحاد الهيبوستاتيتعبير مستخدم للتعبير عن عقيدة أن طبيعتي المسيح الإلهية والبشرية متحدتان في شخص واحد.
- الحُسبان أو الإسنادالعمل الذي فيه نسب الله ذنب الخطاة لشخص المسيح.
- تجسدتعبير يشير إلى اتخاذ يسوع الطبيعة البشرية المستمرة
- مشيخكلمة عبرية (نقلت حرفيًا إلى العربية) تعني "المسيا"، الممسوح
- وجوديمعنى المصطلح "المختص بالكينونة"؛ يُستخدم للإشارة إلى حقيقة أن الأقانيم الثلاثة للثالوث يمتلكون نفس الصفات الإلهية والجوهر الإلهي.
- آلام المسيحمن الكلمة اليونانية "باشو" (نقلت حرفيًا للعربية) والتي تعني "يتألم أو يعاني" وتشير إلى آلام يسوع وموته، بدءًا من ليلة القبض عليه.
- توبةجانب قلبي من الإيمان حيث نرفض خطيتنا بشكل أصيل ونتحول عنها
- الجلوستعبير لاهوتي يُستخدم للإشارة لملك يسوع المستمر وخدمة الشفاعة التي يقوم بها وهو جالس عن يمين الله الآب.
- الثالوثتعبير لاهوتي يُستخدم للتعبير عن حقيقة أن الله جوهر واحد في ثلاثة أقانيم
- يهوهاسم عبراني لله، عادة ما تترجم "رب"، ويأتي من جملة "أكون من أكون"