مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / رسالة يعقوب / الدرس الثاني: طريقان للحكمة

رسالة يعقوب – الدرس الثاني – القسم الثاني

تقدم القسم:
← العودة إلى الدرس
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

الحكمة العملية
الاحتياج

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_06.mp4

الحكمة الأرضية
الحكمة السماوية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_07.mp4
موضوعات ذات صلة
Why does James differentiate between two types of wisdom?

الإرشاد
معيار ناموس الله

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_08.mp4
موضوعات ذات صلة
What is James' understanding of the uses and function of the law in the life of the believer?

الأولويات في ناموس الله

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_09.mp4

الإيمان
الإيمان والأعمال

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_10.mp4
موضوعات ذات صلة
Why does James need to remind his audience to put what they've been taught into practice?

الإيمان والتبرير

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_11.mp4
موضوعات ذات صلة
What is the relationship between wisdom and righteousness?

الخاتمة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_12.mp4
  • الحكمة العملية
    الاحتياج
  • الحكمة الأرضية
    الحكمة السماوية
  • الإرشاد
    معيار ناموس الله
  • الأولويات في ناموس الله
  • الإيمان
    الإيمان والأعمال
  • الإيمان والتبرير
  • الخاتمة

الحكمة العملية
الاحتياج

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_06.mp3

الحكمة الأرضية
الحكمة السماوية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_07.mp3
موضوعات ذات صلة
Why does James differentiate between two types of wisdom?

الإرشاد
معيار ناموس الله

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_08.mp3
موضوعات ذات صلة
What is James' understanding of the uses and function of the law in the life of the believer?

الأولويات في ناموس الله

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_09.mp3

الإيمان
الإيمان والأعمال

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_10.mp3
موضوعات ذات صلة
Why does James need to remind his audience to put what they've been taught into practice?

الإيمان والتبرير

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_11.mp3
موضوعات ذات صلة
What is the relationship between wisdom and righteousness?

الخاتمة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_12.mp3
  • الحكمة العملية
    الاحتياج
  • الحكمة الأرضية
    الحكمة السماوية
  • الإرشاد
    معيار ناموس الله
  • الأولويات في ناموس الله
  • الإيمان
    الإيمان والأعمال
  • الإيمان والتبرير
  • الخاتمة

الحكمة العمليّة

من المؤكد أنَّنَا تقابلنا جَمِيعَنَا في وقت ما مع أشْخَاص عندهم مَعْرِفَة عَظِيمَة. وهم يُبهِرون الْجَمِيعَ بِمِقْدَار مَا لديهم من معرفة ليست عند الآخرين. وَلَكِنْ فِي بَعْضِ الأحْيَان، لا يَعْرِف هَؤلاء الأشْخَاص أنْفُسَهُمْ، الْكَثِير عَنْ الْحَيَاة الْعَمَلِيَّة. فَلا يدركون كَيْف يطبّقوا أفكارَهم العميقة في صورة أفعال وَمَوَاقِف سليمة. تناول يَعْقُوب هَذِه الْمُشْكِلَة بِطُرُق عديدة فِي رسالتِه. وكما رَأيْنَا، بَدَأ يَعْقُوب رِسَالَتَهُ بِالتَّشْدِيد عَلَى الْحِكْمَة التَّأمُّلِيَّة. فهو أدرك أهَمِيَّة أنْ يفهم الإنْسَان مَقَاصِد الله المستَتِرة مِنْ وَرَاء التجارب الَّتِي نَتَعرَّض لَهَا. وَلَكِنَّهُ شَدَّد أيْضًا عَلَى الْحِكْمَة الْعَمَلِيَّة، أيْ الْقُدْرَة عَلَى تطبيق هَذِهِ الْمَعْرِفَة في صورة أعْمَال وَمَوَاقِف تُسر الله.

ولتبسيط الأمر، سنتناول مَوْضُوعَ الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ بِطُرُقٍ توازي التناول السَّابِقُ. فَسَنَنْظُرُ أوَّلًا إلَى الاحتياج لِلْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ. وَثَانِيًا، سنرى كيف قدّم يَعْقُوبُ لقُرَّائهُ إرْشَادًا. وَثَالِثًا، سنبحث في الْعَلاقَةِ بَيْنَ الْإيمَانِ والممارسة العملية. لِنَنْظُر أوَّلًا إلَى تركيز يَعْقُوبُ عَلَى احتياج قُرَّائِهِ لِلْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ.

الاحتياج

كَمَا رَأيْنَا سَابِقًا، استخدم يَعْقُوبُ مُصْطَلَحَيْ “حِكْمَةٌ” وَ”حَكِيمٌ” فقط ضِمْنَ سِيَاقَيْنِ. السِّيَاقُ الْأوَّلُ هُوَ 1: 2-18، حَيْثُ سلّط يَعْقُوبُ الضوء عَلَى الْحِكْمَةِ التَّأمُّلِيَّةِ. أمَّا السِّيَاقُ الثاني فَهُوَ 3: 13-18، حَيْثُ شَدَّدَ يَعْقُوبُ عَلَى الْحَاجَةِ لِوَضْعِ الْحِكْمَةِ في حيز التَّطْبِيقِ وَالْمُمَارَسَةِ.

إن رِسَالَةُ يَعْقُوبُ رِسَالَةٌ عَمَلِيَّةٌ للغاية، فَالْكَاتِبُ يريد حقًا أن يطبّق النَّاسُ مَا يُؤمِنُونَ بِهِ. وهَذِهِ الْفِكْرَةِ أتَتْهُ مِنْ يَسُوعَ. فيَسُوعَ نفسه عَلَّمَ بأمثالٍ عَنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ عَلَى الرَّمْلِ أوْ الصَّخْرِ، وَكَانَ الْعَامِلُ الحاسم هو: “هَلْ تَعْمَلُونَ مَا أمَرْتُكُمْ بِهِ؟ هَلْ تَضَعُونَ مَا أُعَلِّمَّهُ في حيز الْمُمَارَسَةِ العملية؟” كَانَ يَسُوعُ يَبْحَثَ عَنْ أُنَاسٍ يطبقون مَا يُؤمِنُونَ بِهِ، وَقَدْ حَذَّرَ يسوع أيضاً مِنْ الْفِرِّيسِيِّينَ قَائِلًا: “فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ”. وَهَكَذَا نَرَى أنَّ يَسُوعَ كَانَ جَادًّا جِدًّا فِي قَضِيَّةِ تَطْبِيقِ التَّعْلِيمِ، وَلِذَا أعْتَقِدُ أن يَعْقُوبَ فقط كَانَ يَقْتَدِيَ بِأخِيهِ يَسُوعَ فِي تَعْلِيمِهِ عَنْ أهَمِّيَّةِ هَذَا الْأمْرِ. وَرُبَّمَا كَانَ هُنَاكَ سَبَبٌ آخَرٌ يُمْكِنُنَا أنْ نَسْتَنْتِجَهُ بِالْاِطِّلاعِ عَلَى تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ الْأولَى، وَهُوَ أنَّ يَعْقُوبَ ربما كَانَ قَدْ بَدَأ يَرَى مَدَى التَّأثِيرِ الضَّارِّ عَلَى الشَّهَادَةِ الْمَسِيحِيَّةِ لعدم إظهار بَعْض الْمَسِيحِيِّينَ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ فِي كَنِيسَتِهِ لِحَيَاة يَسُوعَ. فَقَدْ كَانَتْ لَدَيْهِمْ هذه العقائد العظيمة عَنْ يَسُوعِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يسلكون حقًا بمقتضاها. وَرُبَّمَا كَانَ هَذَا يَتَسَبَّبُ في انْتِقَادَاتٍ مِنَ الْآخَرِينَ: “أنْتُمْ لا تمارسون مَا تُنَادُونَ بِهِ”، وَكَانَ مِنْ شَأنِه أن يجلب التجديف على الرِّسَالَةِ الْمَسِيحِيَّةِ. فقد قَالَ يَسُوعُ نفسه: “كُونُوا كَامِلِينَ”، ويُكَرِّرُ يَعْقُوبُ هَذَا التَّعْلِيمُ. فَهُوَ يُرِيدُ أنْ يَضَعَ النَّاسُ التَّعْلِيمَ حيز التَّطْبِيقِ وَالْعَمَلِ. [د. پيتر واكر]

اِسْتَمِعْ إلَى 3: 13، حَيْثُ يُقَدِّمُ يَعْقُوبُ الْمَبَادِئ الْأسَاسِيَّةَ لِلْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ:

مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ، فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَةِ. (يعقوب 3: 13)

حِينَ نَتَذَكَّرُ أنَّ كَثِيرِينَ مِنْ قُرَّاءِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ كَانُوا مُؤمِنِينَ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ، وَلِذَا كَانُوا على دراية جَيِّدَةٍ بِالَعَهْدِ الْقَدِيمِ، فَإنَّهُ ليس من الصعب فَهْمَ سَبَبِ اِدِّعَاءَ بَعْضِهِمْ على الأقل بِأنَّهُمْ “حُكَمَاءٌ وَعَالِمُونَ”. لكن يُصِرُّ يَعْقُوبُ عَلَى أنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الْاِدِّعَاءُ حَقِيقِيًّا، فَإنَّهُمْ سَيُرُونَ أعمالهم بالتصرف الحسن. وَبِكَلِمَاتٍ أُخْرَى، كَانَ هَؤلاءُ بِحَاجَةٍ لِلْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ. فمن خلال تَأثِيرِ تَعْلِيمِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، خَاصَّةً سِفْرِ الْأمْثَالِ، عَرَفَ يَعْقُوبُ أنَّ الْحِكْمَةَ تفوق الْأفْكَارِ اللاهُوتِيَّةِ الْعَمِيقَةِ.

فمن قَبِلُوا بِكُلِّ إخلاص فَهْمًا مِنَ اللهِ سيسلكون بتصرف حسن نابع مِنْ الْحِكْمَةِ. وَلَكِنَّ يَعْقُوبَ أشَارَ أيْضًا إلَى أنَّ هذا التصرف الحسن يشْتَمِلُ عَلَى “أعْمَالٍ”. وينتج عنه مَوَاقِفَ مُعَيَّنَةٍ مِثْلَ “الوداعة”. وكَمَا سَنَرَى، فَإنَّ الْأعْمَالَ وَالْمَوَاقِفَ السليمة أمْرَانِ أسَاسِيَّانِ لِلْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ.

وَلِمَزِيدٍ مِنْ شَرْحِ الاحتياج لِلْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ، قَابَلَ يَعْقُوبُ مَا بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي بِدَايَةِ هَذَا الدَّرْسِ. فَأشَارَ أوَّلًا إلَى الْحِكْمَةِ الْأرْضِيَّةِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَنْ الْحِكْمَةِ السَّمَاوِيَّةِ. لِنَنْظُر أوَّلًا إلَى الْحِكْمَةِ الْأرْضِيِّةِ.

الحكمة الأرضيّة

نَجِدُ الْوَصْفَ لِلْحِكْمَةِ الْأرْضِيَّةِ فِي 3: 14-16:

وَلكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ. لَيْسَتْ هذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ. لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ. (يعقوب 3: 14-16)

كَمَا رَأيْنَا فِي النِّصْفِ الأوَّلِ مِنْ هَذَا الدَّرْسِ، كَانَ يَعْقُوبُ مُهْتَمًّا بشدة بِالْاِضْطِرَابِ الَّذِي كَانَ حَاصِلًا مَا بَيْنَ الْمُؤمِنِينَ الْفُقَرَاءِ وَالْمُؤمِنِينَ الْأغْنِيَاءِ فِي الْكَنِيسَةِ. وَفِي 3: 14 أبْرَزَ يَعْقُوبُ حَقِيقَةَ أنَّ كَثِيرِينَ فِي الْكَنِيسَةِ كَانَتْ لهم غيرة مرة وتحزب في قلوبهم. وَبِحَسَبِ الْعَدَدِ الْخَامِسِ عَشْرَ، كَانَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْأقَّلِ يُبَرِّرُونَ مُمَارَسَاتِهِمْ بِدَعْوَتِهَا “حِكْمَةً”. وَلَكِنَّ يَعْقُوبَ حذرهم من الافتخار بِشَأنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ، ومن الكذب على الْحَقَّ الَّذِي كَانَ يُوشِكُ أنْ يقدّمه لَهُمْ.

يجد العديد من المؤمنين في العصرِ الحديث، صُعُوبَة فِي فَهْم سبب اهتمام يَعْقُوب الشديد، بالنِّزَاع بَيْنَ الْفُقَرَاء وَالأغْنِيَاء فِي الْكَنِيسَة الأُولَى. ويستمر وجود مؤمنين فقراء وأغنياء فِي الْكَنِيسِة الْيَوْم، خَاصَّة حِينَ نقارن بين المؤمنين فِي الدول الْمَخْتَلِفَة. وَلَكِنْ فِي الْعَالَم المعاصر، تَمِيل الْكَنَائِس الْمحَلِّيَّة لِأنْ تَكُون مُتَجَانِسَة اِجْتِمَاعِيًّا أكْثَر مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْقَرْن الأوَّل الْمِيلادِي. يفضّل المؤمنون الأغْنِيَاء الذهاب لكَنيِسَة شَعْبُهَا أغْنِيَاء، وَيَمِيل المؤمنون الْفُقَرَاء لِلذَّهَاب إلَى كَنِيسَة شَعْبُهَا فُقَرَاء. وَلَكِنْ تَخَيَّل أن تحتوي كَنِيستْكَ الْمَحَلِيَّة على فَقْرٍ شديد وَغِنَى فَاحِش. كم من الخلاف سينشأ عن هَذَا الْوَضْع؟ سيأتي بَعْض الْمُؤمِنِين للْكَنِيسَة بِثِياب بالية، ولا يعلموا مِنْ أيْنَ سَيَأتِي طَعَام وَجْبَتِهِمْ التَّالِيَة، بَيْنَمَا يَجْلِس آخَرُون فِي نفس الْمَكَان مُرَتَدُين أفخر الثِّيَاب، وَجُيُوبِهُمْ تَمْتَلِئ بالأموال. لو كَانَ ذلك هُوَ وَضْع كَنِيسَتْك الْمَحَلِيَّة، فَسَتَكُون فِي حَالَة اِضْطِراب.

كَانَتْ النزاعات بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأغْنِيَاءِ فِي زَمَنِ يَعْقُوبَ تَتَسَبَّبُ بِضَرَرٍ شديد فِي الْكَنَائِسِ الَّتِي وَجَّهَ إلَيْهَا رِسَالَتَهُ. فَوَاضِحُ أنَّ الْفُقَرَاءَ كَانُوا يَشْعُرَونَ بِأنَّ لهم العذر الكامل، بَلْ وَأنهم حُكَمَاءُ، فِي غيرتهم من ِالْأثْرِيَاءِ. فَقَدْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أمْثَالَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ الَّتِي تُعَلِّمُ الْأغْنِيَاءَ بِأنْ يَكُونُوا أسْخِيَاءَ مَعَ الْفُقَرَاءِ. وَهَكَذَا، علموا أنَّهُ يَنْبَغِي لإخْوَتِهِمْ وَأخَوَاتِهِمْ المؤمنين أنْ يُشَارِكُوهُمْ بِمَا لَدَيْهِمْ. كَمَا شَعَرَ الْأثْرِيَاءُ بِأنَّ لهم العذر أيضًا، بَلْ وَأنهم حُكَمَاءُ، فِي تحزّبهم. فَقَدْ كَانُوا يَقْتَبِسُونَ أمْثَالًا مِنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ تَعْزو الْفَقْرَ للتراخي، وَتُقَدِّمُ الْغِنَى عَلَى أنَّهُ مُكَافَأةٌ لِلْعَمَلِ الشاق.

وَلَكِنَّ يَعْقُوبَ أشَارَ إلَى أنَّ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْحِكْمَةِ كَانَ أسْوأ بكثير مِنْ كونه ارتكاب خطأ أو سوء الحكم على الأمور. فَهَذِهِ حِكْمَةٌ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، أو طَبِيعِيَّةٌ، وَهي أيضًا شَيْطَانِيّةٌ. وكان برهان أصْلِهَا الشَّيْطَانِيِّ جَلِيًا تَمَامًا. فَقَدْ قَادَتْ إلَى التَّشْوِيشِ وكُلِّ أمْرٍ رَدِيءٍ فِي الْكَنِيسَةِ.

أظُنُّ أنَّ الْجَمِيعَ يَعْرِفُونَ أُنَاسًا يرون أنْفُسَهُمْ حُكَمَاءَ في أعين أنفسهم، وَكَثِيرًا مَا تميّزت هذه الحِكْمَةَ بالغرور، أي بطبيعة عدائية، ورغبة في مُخَالَفَةِ الْآخَرِينَ. وَيقول يَعْقُوبُ إنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ حِكْمَةَ اللهِ. وَالْحَقِيقَةُ هِيَ أنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْحِكْمَةِ، الْحِكْمَةِ الْعَالَمِيَّةِ، أوْ كَمَا يَدْعُوهَا “حِكْمَةٌ أرضية”، لَيْسَ خَطِيراً أوْ غَيْرَ نَافِعٍ فَحَسْبُ، بَلْ يَدْعُوهَا “بالشَّيْطَانِيَّةِ” أيْضاً. في حين أن الحكمة التي من الله هي حكمة تَنْبُعُ مِنْ مَخَافَةِ الرَّبِ، ونتيجة لذلك فهي تَتَّسِمُ بِالتَّوَاضُعِ وَالتَّرَفُّقِ وَالْأمَانَةِ تجاه الرَّبِ، حيث يُدْرِكُ الْإنْسَانُ أن هذه الحكمة ليست منه، بل هي من اللهِ نَفْسِهِ الَّذِي أعْطَاهم إياها بِسَخَاءً، كَمَا يَقُوُل يَعْقُوبُ. هَذَا هُوَ نَوْعُ الْحِكْمَةِ الَّتِي يُفْتَرَضُ أن يظهرها المؤمنون، أتْبَاعِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْحَكِيمِ الْعَظِيمِ، الْأعْظَمِ مِنْ سُلَيْمَانٍ في حكمته، فِي حَيَاتِهِمْ. [د. سكَت رد]

وَفِي النِّهَايَةِ، بَدَلًا مِنْ أنْ يُسَاعَدَ جَسَدُ الْمَسِيحِ فِي اِمْتِدَادِ عَمَلِ اللهِ، نَرَاهُ صَارَ مُنْقَسِمًا وَفِي حَالَةِ حَرْبٍ مَعَ ذَاتِهِ. فَالْكَنَائِسُ الَّتِي يَكْتُبُ لَهَا يَعُقُوبُ وَقَعَتْ فَرِيسَةَ الشَّيَاطِينَ الَّتِي كَانَ أهَّمُ مَسْعَىً لَهَا على الإطلاق هو تخريب عَمَلَ اللهِ. وَكَانَ هَذَا الخراب هُوَ الَّذِي دَفَعَ يَعْقُوبُ إلَى الْإصْرَارِ عَلَى كَوْنِ قُرَّائَهُ بِحَاجَةٍ لِلْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ.

بَعْدَ تناول يَعْقُوبُ لمَوْضُوعِ الاحتياج لِلْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ بِرَفْضِ الْحِكْمَةِ الْأرْضِيَّةِ الْمُدَمِّرَةِ، اِنْتَقَلَ مُبَاشَرَةً إلَى الْبَدِيلِ الَّذِي يَدْعُوهُ الْحِكْمَةَ السَّمَاوِيَّةَ.

الحكمة السماويّة

فِي 3: 17، يَصِفُ يَعْقُوبُ هَذِهِ الْحِكْمَةَ السَّمَاوِيَّةَ الْإيْجَابِيَّةَ كَمَا يَلِي:

وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلًا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ. (يعقوب 3: 17)

نَرَى هُنَا أنَّ يَعْقُوبَ كَانَ يُفَكِّرُ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي مِنَ فوق، أيْ الْحِكْمَةُ الَّتِي تَأتِي مِنَ اللهِ. هَذِهِ الْحِكْمَةُ مُسَالِمَةٌ، وَمُتَرَفِّقَةٌ، وَمُذْعِنَةٌ، ومَمْلُوءَةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، وَعَدِيمَةُ الرَّيْبِ، وعَدِيمَةُ الرِّيَاءِ. وَبِكَلِمَاتٍ أُخْرَى، الْحِكْمَةُ التي من فوق لا تُخْطِئُ بِتَبْرِيرِ الغيرة والتحزب، سواء لدى الْفُقَرَاءِ أو الْأغْنِيَاءِ. فالْحِكْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْآتِيَةُ مِنَ اللهِ تعزز محبة السلام. ويُظْهِرُ شَعْبُ الله هَذَا السَّلامَ بِتَرَفُّقِهِ بِالْآخَرِينَ، وإذعانه لهم، وإبداء الرحمة تجاههم. كما أنهم يُثْمِرُونَ أثمارًا صَالِحًا، وَلا يظهرون الريب لِجَمَاعَةٍ أوْ لِأُخْرَى. وجميع هَذِهِ الْأعْمَالِ وَالْمَوَاقِفِ تَنْبُعُ مِنْ تَكْرِيسٍ عديم الرياء لِلْمَسِيحِ.

هَذِهِ الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ، الَّتِي تَأتِي مِنَ اللهِ، فهي، لِكَوْنِهَا مِنْ فَوْقُ، اِنْعِكَاسٌ لِصِفَاتِ اللهِ. يَقُولُ يَعْقُوبُ إنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَمسَالِمَةٌ، وَمُتَرَفِّقَةٌ، وَمَمْلُوءَةٌ بِالْأثْمَارِ الصَّالِحَةِ، وَرَحِيمَةٌ، وَعَدِيمَةُ الرَّيْبِ، وَصَادِقَةٌ، أوْ بِكَلِمَاتٍ أخْرَى عَدِيمَةُ الرِّيَاءِ، والتي هي صِفَاتٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. اتصف يَسُوعُ بكُلَّ هَذِهِ الْأُمُور. ويقول يَعْقُوبُ إنَّ هَذِهِ هي الْأُمُورَ – التي لَنْ تُؤدِّيَ إلَى تقدمك فِي حَيَاتِكَ، وَلَنْ تَجْعَلَكَ نَاجِحًا، وَلَنْ تَعْنِي أَنَّكَ سَتَسْكُنُ فِي بَيْتٍ أَكْبَرَ، وَلَكِنَّهَا سَتُؤدِّي إلَى الْبِرِّ وَالسَّلامِ، حَسَبَ قَوْلِ يَعْقُوبَ؛ وبكلمات أخرى، “الشالوم” الحقيقي، أو السلام الحقيقي. ومن اللافت أنَّ الْجَمِيعَ يُرِيدُونَ فِي الَحَقِيقَةِ “الشالُومْ”، والْكَمَالَ، وَالْمِلءَ، وَالسَّلامَ. هم يُرِيدُونَ هَذِهِ الْأُمُورَ، وَيَظُنُّون أنَّ الْحِكْمَةَ الْأرْضِيَّةَ هي وسيلة حصولهم عليها، وَلَكِنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ أنَّ هذا النوع من السَّلامَ الناتج لا يَأتِي سوى مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي مِنْ فَوْقُ، الَّتِي لا تَسَعَى إلَى تَقَدُّمِ صاحبها، بَلْ، كَمَا يَقُولُ يَعْقُوبُ فِي الْعَدَدِ الثَّالِثِ عَشْر مِنَ الْأصْحَاحِ الثَّالِثِ، إنَّهَا حِكْمَةٌ تَتَّصِفُ بِالْوَدَاعَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَعَدَمِ طَلبِ مَا للنفس، بَلْ بطلب خَيْرَ الْآخَرِينَ. [د. دان مَكارتني]

فِي 3: 18، لَفَتَ يَعْقُوبُ اِنْتِبَاهَ قُرَّائَهُ إلَى مَا كَانَ فِي اِلْغَالِبِ مَثَلًا شهيرًا:

وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ. (يعقوب 3: 18)

وكما طوَّب يَسُوعُ صَانِعِي السَّلامِ فِي إنجيل مَتَّى 5: 9، أوْضَحَ يَعْقُوبُ أنَّ الْفُقَرَاءَ وَالْأغْنِيَاءَ فِي الْكَنِيسَةِ سَيَنَالُونَ مُكَافَأةً عَظِيمَةً لأجل بِرِّهِمْ – إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَصْنَعُونَ السَّلامَ فِي الْكَنِيسَةِ.

نَظَرْنَا الآنَ إلَى الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ، وَرَأيْنَا الْاِحْتِيَاجَ الَّذِي دَفَعَ يَعْقُوبَ لِتَخْصِيصِ جُزْءٍ كَبِيرٍ مِنْ رِسَالَتِهِ لِهَذَا الْمَوْضُوعِ، وَالْآن عَلَيْنَا أنْ نَنْتَقِلَ إلَى الْإرْشَادِ الَّذِي قدمه لِقُرَّائِهِ بِشَأنِ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي عَلَيْهِمْ أنْ يمارسوا بِهَا حِكْمَةَ اللهِ عمليًا.

الإرشاد

من الشَائِع أنْ يتحدث أتْبَاع الْمَسِيح كثيراً عَنْ الاحتياج لِلاهُوت الْعَمَلِي. فإننا نريد عِظَات عَمَلِيَّة. ونرغب في دروس تعرّفنا كَيْفَ نسلُك في الحياة. وَفِي أجْزَاء عديدة مِنَ الْعَالَم، توجد مَوَاد مُتَاحَة وجديرة بالثقة تُعْطِينَا الْإرْشَاد حول كُل جانب مِنْ جوانب الْحَيَاة. وَلَكِن تذكّرُنَا رسالة يَعْقُوب بِالْمَعَايِير وَالْأوْلَوِيَّات الَّتِي غَالِبًا مَا ننساها ونحن نسعى وَرَاء الْحِكْمَة في حَيَاتْنَا الْيَوْمِيَّة.

تحوي رِسَالَةِ يَعْقُوبَ الْكَثِيرُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُحَدَّدَةِ عَنْ الْإرْشَادِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَيَاةِ الْعَمَلِيَّةِ. وَلَكِنَّنَا سَنَحْصُرُ أنْفُسَنَا في اعتبارين فَقَطْ. أوَّلًا سَنَنْظُرُ كيف أيّدت رِسَالَةُ يَعْقُوبَ ِمِعْيَار نَامُوسِ اللهِ. وَثَانِيًا، سَنَرَى أنَّ يَعْقُوبَ نادى ببعض الأوْلَوِيَّاتٍ في نَامُوسِ اللهِ. وَلِنَنْظُرْ أوَّلًا إلَى مِعْيَارِ نَامُوسِ اللهِ.

معيار ناموس الله

يَعِي مُعْظَمُ المؤمنين الْمُعَاصِرِينَ التَّحْذِيرَاتِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِشَأنِ نَامُوسِ اللهِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. فمن ناحية، نعلم أن الْخَلاصَ هو بِالنِّعْمَةِ، بِواسطة الْإيمَانِ، وليس بِالْأعْمَالِ. ونحن نتبع بحق تركيز الرَّسُولُ بُولُسَ فِي رسائل، مِثْلَ رسالة غَلاطِيَّة، عَلَى مقاومة كُلَّ مُحَاوَلَةٍ لنوال الْخَلاصِ مِنْ خِلالِ طاعة الناموس.

بِالْإضَافَةِ إلَى هَذَا، نَعْرِفُ أنَّه عَلَيْنَا ألَّا نُطَبِّقَ نَامُوس اللهِ كَمَا لَوْ كُنّا فِي زَمَنِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. كما أننا نتبع بحق مَا تُشَدِّدُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأسْفَارُ، مِثْلَ رسالة الْعِبْرَانِيِّين، فَنُطَبِّقُ ناموس اللهِ كما عَلَّمَنَا الْمَسِيحُ وَالرُّسُلُ وَالْأنْبِيَاءُ أنْ نُطَبِّقَه فِي عَصْرِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ.

وَالْآن، بِرَغْمِ أهَّمِيَّةِ هَذِهِ التَّحْذِيرَات، لكننا لا نَجِدَهَا فِي رِسَالَةِ يَعْقُوب. وَبَدَلًا مِنْ ذَلِك، يُشِيرُ يَعْقُوبُ إلَى ناموس اللهِ بِلُغَةٍ إيْجَابِيَّةٍ تَمَامًا. فَقَدْ شَدَّدَ عَلَى مَا دُعِيَ قديمًا “الْاِسْتِخْدَامَ الثَّالِثَ للناموس”. فنحن نَتْبَعُ الناموس كَتَعْبِيرٍ عَنْ اِمْتِنَانِنَا للهِ لأجل مراحمه الَّتِي أبْدَاهَا لَنَا فِي الْمَسِيحِ.

ناموس الحريّة. تُقَدِّمُ رِسَالَةُ يَعْقُوب وَصْفَيْنِ لناموس اللهِ تنفرد بِهِمَا رسالته. فَيَدْعُوهَا أوَّلًا نَامُوسَ الْحُرِّيَّةِ.

تَكَلَّمَ يَعْقُوبُ عَنْ ناموس الْحُرِّيَّةَ فِي 1: 25، و2: 12، يَقُولُ يَعْقُوبُ إنَّ النَّامْوسَ يُحَرِّرَنَا مِنْ الْعُبُودِيَّةِ لِلْخَطِيَّةِ وَتَأثِيرَاتِهَا الْمُدَمِّرَةِ. فَحِينَ نَتْبَعُ النَامُوسَ مِنْ مُنْطَلَقِ الشُّعُورِ بِالْاِمْتِنَانِ للهِ، فَإنَّ هذا الناموس فِي الْحَقِيقَةِ يُعْطِينَا الْحُرِّيَّةَ.

أشَارَ يَسُوعُ إلَى هَذِهِ الفكرة نَفْسِهَا فِي إنْجِيلِ يُوحَنَّا 8: 32، حَيْثُ قَالَ:

وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ. (يوحنا 8: 32)

وَفِي رسالة رُومِيَّةَ 7: 7-13، وَصَفَ بُولُسُ النَّامُوسَ بِاعْتِبَارِهِ شَيْئًا تستغله الْخَطِيَّةُ لإنشاء كل شهوة فِينَا لِجَعْلِنَا عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ. وَلَكِنَّ حين دعا يَعْقُوبَ النَّامُوسَ “نَامُوسَ الْحُرِّيَّةِ”، كان يَصِفُ كيف يستخدم رُوح اللهِ النَّامُوسِ بِطَرِيقَةٍ إيْجَابِيَّةٍ بِاعْتِبَارِهِ مُرْشِدَنَا الرسمي للحصول على الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ.

وَكَمَا رَأيْنَا، فَإنَّ كَثِيرِينَ مِنْ قُرَّاءِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ كَانُوا عَالِقَينَ فِي شِبَاكِ الْخَطِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تُؤذِي الْكَنِيسَةَ، تاركة إياهم فِي حَالَةِ إحْبَاطٍ. وَطَالَمَا استمروا فِي اِتِّبَاعِ أفْكَارَهُمْ عَنْ الْحِكْمَةِ، كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ النَّجَاةِ مِنْ الْإحْبَاطَاتِ، وَالضِّيقَاتِ، والضرر الذي تحدثه الْخَطِيَّةُ في حَيَاتِهِمْ. وَلَكِنْ كَمَا حَرَّرَتْهُمْ كَلِمَةُ اللهُ مِنْ عُقُوبَةِ الْخَطِيَّةِ وطغيانها في البداية، رسمت كَلِمَةُ اللهُ أَيْضَاً مَسَارًا لِلْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ سَيُحَرِّرَهُمْ مِنْ اِضْطِرَابَاتِ وَإحْبَاطَاتِ الْخَطِّيَّةَ.

مُؤكَّدٌ أنَّ النَّامُوسَ يرشد وَيُؤدِّبُ ويقوّم حَيَاةَ الْمُؤمِنِ، وَيُحَاوِلُ أنْ يُعِيدَهَا إلَى حَالَةِ الْاِنْسِجَامِ مَعَ مشيئة اللهِ. ولذا أظُّنُّ أنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبَ الَّذِي لِأجْلِهِ دَعَاهُ يَعْقُوبُ بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ، وَلِأجْلِهِ قَالَ إنَّنَا سَنُحَاكَمُ بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ. وَأفْهَمَ هَذَا بِمَعْنَى الحرية التي أعطانا إياها المسيح. وَلِذَا فَإنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَحْيَا وَنَتَعَامَلَ بَعْضُنَا مَعَ بَعْضٍ. يَنْبَغِي أنْ نُحَاكَمَ بِالنَّامُوسِ الَّذِي بِحَسَبِهِ لا يُحَابِي الله أحدًا، بَلْ يُعْطِي نعمته مَجَّانًا، وَلِذَا عَلَيْنَا أنَ نُبْدِي النِّعْمَةَ نَفَسَهَا وَعَدَمَ الْمُحَابَاةِ نَفْسَهَا فِي تَعَامُلِنَا بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، أغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، شيوخًا وأحداث، عَبِيدًا وَأحْرَارًا، ذُكُورًا وَإنَاثًا، وَهُوَ مَا يَقُولُهُ بُولُسُ بالفعل. [د. جفري چيبز]

لِهَذَا أصَّرَّ يَعْقُوبُ فِي 1: 22-25 على الآتي:

وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ. … وَلكِنْ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ ­ نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ ­ وَثَبَتَ، وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلًا بِالْكَلِمَةِ، فَهذَا يَكُونُ مَغْبُوطًا فِي عَمَلِهِ. (يعقوب 1: 22-25)

الناموس الملوكي. بِالْإضَافَةِ إلَى الحديث عَنْ نَامُوسِ اللهِ بِصِفَتِهِ نَامُوسَ الْحُرِّيَّةِ، فَإنَّ يَعْقُوبَ يُشِيرُ إلَيْهِ بِإيجَابِيَّةٍ أيْضَاً باعتباره “النَّامُوسِ الْمُلُوكِيّ”.

أطلق يَعْقُوبُ على النَّامُوسَ اسم “النَّامُوسِ الْمُلُوكِيّ” فِي 2: 8. وَقَدْ لَفَتَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ الْاِنْتِبَاهَ إلَى وِجْهَةِ نَظَرٍ بِشَأنِ وَصَايَا اللهِ تَظْهَرُ فِي جميع أنحاء الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ. كَانَ نَامُوسُ اللهَ هو مَرْسُومَهُ الْمَلَكِيِّ. فقَدْ صَدَرَ مِنْ القائد الْأعْلَى لِشَعْبِهِ بِصِفَتِهِمْ مُوَاطِنِي مَمْلَكَتَهُ.

فِي عَالَمِنَا الْمُعَاصِرِ، كَثِيرًا مَا نُوَاجِهُ صُعُوبَةً فِي فَهْمِ مَغْزَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَلَكِيَّةِ. فَقَلِيلُونَ مِنَّا يَعِيشُونَ فِي دُوَلٍ يَحْكُمُهَا مُلُوكٌ أقْوِيَاءٌ. وَلَكِنَّ قُرَّاءَ رِسَالَةَ يَعْقُوب كَانُوا يَعِيشُونَ تَحْتَ سُلْطَةِ الْإمْبَرَاطُورِ الرُّوَمَانِيِّ. وَلِذَا عَرَفُوا مَعْنَى أنْ يُدْعَى نَامُوسُ اللهِ بِـ”النَّامُوسِ الْمُلُوكِيّ”. فَبِبَسَاطَةٍ، كَانُوا يَعْرِفُونَ أنَّهُ لا يُمْكِنُ التَّعَامُلُ مَعَ نَامُوسِ اللهِ بِاسْتِخْفَافٍ. فَهُوَ لَيْسَ شَيْئًا يُمْكِنُنَا أنْ نَقْبَلَهُ أوْ نرفضه كَمَا نَرْغَب. بل هو صادر عن الْمَلِكِ الْإلَهِيِّ لِلْكَوْنِ. وَلِذَا، فَإنَّ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ سُلْطَةً مطلقة عَلَيْنَا.

اِسْتَمِعْ إلَى مَا يَقُولُهُ يَعْقُوبُ فِي 2: 8-10، حَيْثُ يَتَوَسَّعُ يَعْقُوبُ فِي شَرْحِ سُلْطَةِ نَامُوسِ اللهِ الْمُلُوكِيّ:

فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ … فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ. … لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ. (يعقوب 2: 8-10)

كَثِيرُونَ مِنْ قُرَّاءِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ المؤمنين مِنْ أصْلٍ يَهُودِيٍّ، إن لم يكن معظمهم، كَانُوا يُدْرِكُونَ أهمية نَامُوسَ اللهُ. وَلَكِنَّهُمْ، كَمَا نَرَى هُنَا، كَانُوا يَخْضَعُونَ للناموس بِانْتِقَائِيَّةٍ. فَقَدْ كَانُوا يَحْفَظُونَ أجْزَاءً مِنْه بَيْنَمَا يَتَجَاهَلُونَ أجْزَاءً أُخْرَى. وَلِذَا ذَكَّرَهُمْ يَعْقُوبُ بِأنَّ النَّامُوسَ هُوَ “النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ”. فقد صدر هَذَا النَّامُوس عن مَلِكِهِمْ الْإلَهِيِّ. وَلِذَا فَإنَّ “مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ”.

لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا لدى الْمُلُوكِ القدامى من البشر أنْ يُطِيعَ مُوَاطِنُوهُمْ فَقَطْ قَوَانِينَ البلد الَّتِي كَانُوا يَرُونَهَا مُنَاسِبَةً أوْ مُسِرَّةً. وهكذا أيضًا، لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا أنَ تَقْتَصِرَ طَاعَةُ أتْبَاعَ الْمَسِيحِ عَلَى شرائع مَلَكُوتِ اللهِ الَّتِي يَجِدُونَهَا مُنَاسِبَةً أوْ مُسِرَّةً. كَانَ الْمُلُوكُ القدامى من البشر يعتبرون هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْاِنْتِقَائِيَّةِ تَمَرُّدًا عَلَى سُلْطَتِهِمْ الْمَلَكِيَّةِ. هكذا يعتبر اللهُ أيْضَاً هَذِهِ الْاِنْتِقَائِيَّةِ تَمَرُّدًا عَلَى سُلْطَتِهِ الْمَلَكِيَّةِ. فنَامُوسُ اللهُ هُوَ مِعْيَارَ الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ، وَهُوَ يَأتِي بِالْحُرِيَّةِ لِكُلِّ من يَسْعَونَ مُخْلِصِين إلَى إطَاعَةِ جميع أحْكَامِهِ الْمَلَكِيَّةِ.

بعد أن نَظَرْنَا إلَى مدى إصْرَارِ يَعْقُوبَ عَلَى أنَّ الْإرْشَادَ اللازم لنوال الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ مَوْجُودٌ فِي مِعْيَارِ نَامُوسِ اللهِ، نَتَحوَّلُ الْآنَ إلَى الطرق الَّتِي بِهَا ركّز عَلَى بعض الأوْلَوِيَّات فِي ناموس اللهِ.

الأولويّات في ناموس الله

دعونا نواجه الأمْر، كُلَّمَا تَكَلَّم المؤمنون عَنْ حِفْظ جميع الْوَصَايَا الَّتِي أعْطَاهَا الله لنا، نُوَاجِه مُشْكِلَة عَمَلِيَّة للغاية. فَهُنَاك عَدَد كَبِير جِدًا مِنْ الْوَصَايَا حَتَّى أنه يَصْعُب تَذَكُّرُهَا جَمِيعًا، فكم بالحري طاعتها كلها. وَلِذَلك، بسبب قيود مَحْدَودِيَاتِنَا، نكون مُجْبَرين عَلَى التَّرْكِيز عَلَى وَصِيَّة ما أوْ غيرها. وبالتأكيد يسهل وقوعُنا فِي فَخِّ تجاهل سلطان كَلِمَة الله بِتَرْكِيزِنَا فَقَط عَلَى مَقَاطِع الْكِتَاب الْمُقَدَّس الَّتِي نرغب في طاعتها. لِتَجَنُّب هَذِه الْمُشْكِلَة، نَحْتَاج أن نُدْرِك الأوْلَوِيَّات الَّتِي يضعُها لَنَا النَّامُوس نفسَه. وَعَلَيْنَا دَوْمًا أنْ نُعْطِي الأوْلَوِيَّة لِلأبْعَاد الأكْثَر أهَمِّيَّة فِي ناموسِ اللهِ.

ربما تتَذَكَّرْ أنَّ يسوع تناول مَوْضُوعِ الأوْلَوِيَّاتِ في ناموس اللهِ فِي إنجيل مَتَّى 22: 34-40. فِي هَذِهِ الْأعْدَادِ، حدّد يَسُوعُ أعظم وصيتين. فَقَدْ قال بِكَلِمَاتٍ لا تقبل الجدل إن وَصِيَّةَ مَحَبَّةِ اللهِ، الْوَارِدَةِ فِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ 6: 5، هِيَ أهَمُّ مَبْدَأ يَنْبَغِي أنْ يضعه الْإنْسَانُ فِي اعتباره. كَمَا أشَارَ إلَى أنَّ وصية مَحَبَّةَ قَرِيبِنَا، الْوَارِدَةُ فِي سفر اللاوِيِّينَ 19: 18، هِيَ الْمَبْدَأُ الثَّانِي الأكثر أهَّمِّيَة.

لقد فهم الرَّسُولَ بُولُسَ بِوُضُوحٍ أنَّ مَحَبَتَنَا للهِ هِيَ أعْظَمُ الْوَصَايَا. لكن في رسالة غَلَاطِيَّةِ 5: 14، يَقُولُ أيْضًا إنَّ كل النَّامُوس يُكمَلُ فِي وصية مَحَبَةِ قَرِيبِنَا كَأَنْفُسِنَا. وَمن اللافِتٌ لِلنَّظَرِ أنَّ يَعْقُوبَ عَلَّمَ الْأمْرَ نَفْسَهُ.

اِسْتَمِعْ إلَى بَقِيَّةِ مَا يَقُولُه 2: 8-10، حَيْثُ نجد تركيز يَعْقُوبَ الْخَاصُّ عَلَى ثَانِي أعْظَمِ الْوَصَايَا:

فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ، تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ النَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ. لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ. (يعقوب 2: 8-10)

لاحِظْ هُنَا كيفية تَلْخِيصُ يَعْقُوبُ لِأوْلَوِيَّاتِ النَّامُوسِ الْمُلُوكِيَّ بكَلِمَاتِ سِفْرِ اللّاوَيِّيِنَ، الْأصْحَاحِ التَّاسِعِ عَشْرَ وَالْعَدَدِ الثَّامِنِ عشر: “تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ”.

ليس سَبَبُ قيام يَعْقُوب بهذا لغزاً. فَالْاِضْطِرَابُ الَّذِي كَانَ حَاصِلًا بَيْنَ الْمُؤمِنِينَ الْفُقَرَاءِ وَالْمُؤمِنِينَ الْأغْنِيَاءِ فِي الْكَنِيسَةِ كَانَ نَتِيجَةُ تَجَاهُلِهُمْ لِثَانِي أعْظَمِ الْوَصَايَا.

وَكَمَا يشُيِرُ يَعْقُوبُ هُنَا، فَإنَّ من “يُحَابُونَ” لصالح الْأغْنِيَاءِ هم “مُوَبَّخِينَ مِنَ النَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ” ولَيْسَ هَذَا أمْرًا بَسِيطًا. فَكُلُّ مَنْ يَتَجَاهَل هذه الوَصِيَّة الوَاحِدَة بَيْنَمَا يَحْفَظُ بَقِيَّةَ الْوَصَايَا الأخرى هُوَ “مُجْرِمٌ فِي الكُلِّ [كل النَّامُوسِ]”. وَهَكَذَا، يُعْطِي نَامُوسُ اللهِ، الَّذِي هُوَ الْمُرْشِدُ الرسمي بِشَأنِ الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ، أوْلَوِيَّةً عظمى لِمَحَبَّتِنَا بَعْضِنَا لِبَعْضٍ، كوصية في المرتبة الثانية مباشرةً بَعْدَ وَصِيَّةِ مَحَبَةَ اللهِ من كُلِّ قلوبنا.

وَبِهَذَا الشَّأنِ ذَكَّرَ يَعْقُوبُ الْأغْنِيَاءَ فِي 1: 27 قَائِلاً:

اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ. (يعقوب 1: 27)

مَا هُوَ اِمْتِحَانُ الدِّيَانَةَ الْحَقِيقِيَّةَ؟ لَيْسَ هو عَمَلَ أُمُورٍ صَالِحَةٍ وَأخْلاقِيَّةٍ، تجعلك تَظْهَرَ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ أمام الْمُجْتَمَعِ، بَلْ الْاِمْتِحَانُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ اِتِّبَاعَ طُرِقِ اللهِ -فهو يَهْتَّمُ بِالْيَتَامَى وَالْأرَامِلِ – في الخفاء، وَحِينَ لا تَحْصُلُ عَلَى شَيءٍ بِالْمُقَابِلِ. مَنْ هُوَ الْيَتِيمُ؟ ومَنْ هِيَ الْأرْمَلَةُ؟ هو الشَّخْصُ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ أنْ يَرُدَّ لَكَ مُقَابِلَ مَا تُعْطِيِه. وَلِذَا، فَإنَّ عمل إحْسَانَكَ تجاه جارك أوْ رئيسك في العمل لا يُحْسَبُ دَلِيلًا عَلَى الدِّيَانَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَلَكِنْ اللهَ يُحِّبُ الْفُقَرَاءَ، وَيَهَتَمُ بِأضْعَفِ الضُّعَفَاءِ، وَلا يَأخْذُ مُقَابِلَ ذَاكَ أيُّ شَيءٍ مَادِّيٍّ. بالطبع ينال تَسْبِيحَنَا، ويتلذذ ويسر بِالْخَيْرِ الَّذِي نعْمَلَهُ. وَلَكِنَّ الْاِهْتِمَامَ بمن ليس لديهم ما يعطونه بالمقابل، هَذَا اِمْتِحَانٌ ضخم. [د. دان دورياني]

ركّز يَعْقُوبُ عَلَى حَاجَةِ الأغنياء إلى اتباع أوْلَوِيَاتِ نَامُوسِ اللهِ بمحبتهم لأقربائهم الْفُقَرَاءَ. وَلَكِنَّ مَحَبَّةَ الْقَرِيبِ كَانَتْ أمْرًا بَالِغَ الْأهَّمِّيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ حَتَّى أنَّ يَعْقُوبَ ركّز عَلَى كَوْنِهَا تَخُصُّ الْفُقَرَاءَ وَالْأغْنِيَاءَ عَلَى حد سواء. ومن الأمثلة على هذا أن يعقوب أوْضَحَ طوال رسالته أنَّ مَحَبَّةَ أقْرِبَائِنَا تَعْنِي اِسْتِخْدَامَ ألْسِنَتَنَا كأدَوَاتٍ لِلْبَرَكَةِ.

فِي 1: 19، دَعَا يَعْقُوبُ كَلَّ إنسانٍ أنْ يَكُونَ “مُسْرِعًا فِي الْاِسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ” مع بَعَضِهِمْ البَعْض. وَفِي 4: 1-3، أصر يَعْقُوبُ عَلَى ضرورة ألَّا تُوْجَدُ الحروب، والْخُصُومَاتُ، وَالذم وَسَطَ شَعْبِ اللهِ. وَفِي 4: 11، أدَانَ يَعْقُوبُ “الذَّمَّ”. وَفِي 5: 9، أمَرَ قَائِلًا: “لا يئنُّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ”. وَبَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، بِحَسَبِ 5: 16، كان عَلَيْهِمْ أنْ “يَعْتَرِفُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلّاتِ [أي زلاتهم] ويصلوا بعضهم لأجل بعض”.

إنْ أراد الْمُؤمِنُونَ مِنْ قُرَّاءِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ أنْ يُظْهِرُوا أنَّ لَدَيْهِمْ الحِكْمَةً التي من فوق، فعليهم أن يكرّسوا أنْفُسَهُمْ لِمِعْيَارِ نَامُوسِ اللهِ. وَيَعْمَلُوا هَذَا وَهُمْ مُدْرِكُونَ تَمَامًا لِلْأوْلَويَّةِ الَّتِي أعْطَاهَا نَامُوسُ اللهِ لِمَحَبَّتِهِمْ بَعْضِهِمْ نحو بعضٍ.

وَالْآن، بَعْدَ أنْ رَأيْنَا كيف خاطب تركيز يَعْقُوبُ عَلَى الْحِكْمَةِ الْعَمَليِةِّ احتياج قُرَّائِهُ وقَدَّمَ لهم الْإرْشَادَ، لِنَنْظُرَ إلَى مَوْضُوعٍ رَئِيسِيٍّ ثَالِثٍ أثَارَهُ يعقوب، وَهُوَ الْعَلاقَةُ بَيْنَ الْإيمَانِ وَالْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ.

الإيمان

لو أن هُنَاك أمْر وَاحِد يُمَثِّل مِحْوَر الْمَسِيحِيَة فبالتأكيد هذا الأمر هو الإيمَان. فنحن نتحدث عَنْ الْمَسِيحِيَّة بِاعْتِبَارِهَا “إيمَانُنَا”. كما نتحدث عَنْ الْمَسِيح بِاعْتِبَارِه مَوْضُوعُ إيمَانِنَا. وَنُؤكِّد عَلَى الْعَقِيدَة الْبرُوتُسْتَانْتِيَّة سُولا فِيدِي، أيْ أن التَّبْرِير هو بِالإيمَان وحدَه. وترجع أهَّمِّيَّة الإيمَان الذي نعترف به الْيَوْم إلى مَرْكَزِيَّة الإيمَان فِي الْعَهْد الْجَدِيد نَفْسهِ. كذلك كَان الإيمَان مِحْوَر الْمَسِيحِيَّة فِي الْقَرْن الأول الْمِيلادِي. ولذلك، أثَار يَعْقُوب قَضِيَّة الْإيمَان للتأكيد على أهَّمِّيّة الْحِكْمَة الْعَمَلِيَّة لِقُرَّائِهِ.

لا يتيح لَنَا الْوَقْتُ سوى بأنْ نَذْكُرَ طريقتين رَبَطَ بِهِمَا يَعْقُوبُ بَيْنَ الْحِكْمَةِ الَعَمَلِيَّةِ وَالْإيمَانِ. أوَّلًا، يَشْرَحُ يَعْقُوبُ الْعَلاقَةَ بَيْنَ الْإيمَانَ وَالْأعْمَال، وَثَانِيًا يَشْرَحُ الْعَلاقَةَ بَيْنَ الْإيمَانِ وَالتَّبْرِيرِ. وَلِنَنْظُرْ أوَّلًا لكيفيّة تناوله لِمَوْضُوعِ الْإيمَانِ وَالْأعْمَالِ.

الإيمان والأعمال

بَدَأ يَعْقُوبُ حديثه فِي 2: 14 بِسُؤالٍ مُبَاشِرٍ:

مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ (يعقوب 2: 14)

وَطَبْعًا، الْجَوَابُ عَنْ سُؤالِ يَعْقُوبُ هُوَ “لا”. فَالْإيمَانُ غَيْرَ الْمَصْحُوبِ بِالْأعْمَالِ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُخَلِّصَ.

كَلِمَةُ “الْإيمَانْ” أو “يؤمن” هي تَرْجَمَةٌ لِلْاِسِمِ الْيُونَانِي بِيسْتِيس [πίστις]، والفعل بِيسْتوُو[πιστεύω]. تَظْهَرُ حصيلة الكلمات هذه مِئاتِ الْمَرَّاتِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. وَهِيَ تُشِيرُ إلَى عَدَدٍ مِنَ الْمَفَاهِيمِ الْمُخْتَلِفَةِ.

على سبيل المثال لا الحصر، فِي بَعْضِ الْأحْيَانِ يُشِيرُ الْإيمَانُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ إلَى مُجَرَّدِ الموافقة الْعَقْلِيَّةِ عَلَى صحة شيء ما. وَفِي بَعْضِ الأحيان، تُشِيرُ الكَلِمَةُ إلَى الْمُصَادَقَةِ الْمُؤقَّتَةِ. وَفِي أحيان أُخْرَى تُشِيرُ إلَى مَا يَدْعُوهُ اللاهُوتِيُّونَ عَادَةً “الْإيمَانِ الْخَلاصِيِّ”. والإيمان الخلاصي هُوَ الثِّقَةُ الْقَلْبِيَّةُ لمدى الْحَيَاةِ، وَالْاِتِّكَالِ عَلَى الْمَسِيحِ بِصِفَتِهِ الطَرِيقَ للْخَلاصِ. وقد أدْرَكَ يَعْقُوبُ أنَّ “الْإيمَانَ” يُمْكِنُ أنْ يَعْنِي أشْيَاءَ كَثِيرةً، وَلِذَا دَعَا قُرَّاءَهُ إلى فحص نَوْعِ الْإيمَانِ الَّذِي كَانَ لَدَيْهِمْ.

فَمَثَلًا، فِي 2: 19، تَحَدَّى يَعْقُوبُ قُرَّاءَهُ الْمَسِيحِيِّينَ مِنْ أصْلٍ يَهُودِيٍّ بِالْكَلِمَاتِ التَّالِيَةِ:

أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ! (يعقوب 2: 19)

فَحِينَ سَلَّمَ يَعْقُوبُ بِحَقِيقَةِ أنَّ قُرَّاءَهُ كَانُوا يُؤمِنُونَ، وَهِيَ تَرْجَمَةٌ لِلْفِعْلِ الْيُونَانِي بِيسْتُوو [πιστεύω]، بِأنَّ اللهَ وَاحِدٌ، كَانَ يُشِيرُ إلَى مَا يُدْعَى الشِّمَاع.

يَقُولُ لَنَا إقرار الإيمان القديم هذا الموجود في الْعَهْدِ الْقَدِيمِ فِي سفر التَثْنِيَةٍ 6: 4: “اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ”. ومِنْ وِجْهَةِ نَظَرِ يَعْقُوب، كانت مُصَادَقَةَ قُرَّائَهُ العقلية عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ أمْرٌ حسن. وَلَكِنْ بِرُغْمِ ذلك، فَإنَّ هَذَا النَّوعَ مِنَ الْإيمَانِ لَيْسَ كَافِيًّا، إذْ “الشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ” بِهَذَا. وَفِي الْحَقِيقَةِ، يقشعرّ الشَّيَاطِين خَوْفًا حِينَ يُفَكِّرُونَ فيها. وَلَكِنَّ هَذَا لا يجديهم نفعًا. فَمجرد الْمُصَادَقَةُ العقلية مِنْ دُونِ الطَّاعَةِ لَيْسَتْ إيمَانًا خَلاصِيًّا.

أوْ كَمَا عَبَّرَ يَعْقُوبُ عَنْ هَذِهِ الْفِكْرَةِ ببلاغة فِي 2: 26:

لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ. (يعقوب 2: 26)

بَعْدَ نَظَرنِا إلَى هذا المَفْهُومِ الأساسي عن الْإيمَانِ وَالْأعْمَالِ، عَلَيْنَا أيْضًا أنْ نَذْكُرَ تناول يَعْقُوبَ لِمَوْضُوعِ الْإيمَانِ وَالتَّبْرِيرِ.

الإيمان والتبرير

كَانَتْ مَسْألَةُ هوية مَنْ يَتَبَرَّرُ، أو يَصِيرُ بَارًّا أمَامَ اللهِ، مَحَلَّ جَدَلٍ وَسَطَ الْمُعَلِّمِينَ الْيَهودِ في زَمَن يَعْقُوب. وَقَدْ اِسْتَمَرَّ هَذَا الأمر مَوْضُوعًا مَرْكَزِيًّا فِي الْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ في الْقَرْنِ الْأوَّلِ. فمَنْ هو الَّذِي يُحْسَبُ بَارًّا؟ مَنْ يُعْتَبَرُ بَارًّا؟

يُجِيبُ يَعْقُوبُ عَنْ هَذِهِ الْأسْئِلَةِ فِي 2: 21-24 كَمَا يَلِي:

أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ … تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. (يعقوب 2: 21-24)

يَتَكَلَّمُ يَعْقُوبُ هُنَا عَنْ التَّبَرُّرِ مُسْتَخْدِماً الْفِعْلُ الْيُونَانِي دِيكَايُوُو [δικαιόω]، الَّذِي يَعْنِي “يُعْلِنُ بَارًّا” أوْ “يُبَرِّرُ” أوْ “يُبْرِّئُ”. وَهُوَ يُؤكِّدُ هُنَا عَلَى أنّ إبْرَاهِيِمَ قد تَبَرَّرَ أوْ تَبَرَّأ كبارٍ بِالْأعْمَالِ، أي بِعَمَلِ تَقْدِيمِهِ اِبْنَهُ إسْحَاقَ للهِ كما جاء فِي سفر التكوين 22. وَعَلَى هَذَا الْأسَاس، اِسْتَنْتَجَ أنَّ لا أحدَ يَتَبَرَّرُ أوْ يَتَبَرَّأ بِالْإيمَانِ وحده. فَكُلُّ مَنْ يَقْبَلَهُ اللهُ بِصِفَتِهِ بَارًّا يَتَبَرَّرُ بِالْأعْمَالِ.

أثَارَ تصريح يَعْقُوب هَذَا شَتَّى أنْوَاعِ الْجدَالِ عَبْرَ الْقَرُونِ، وَيَعُودُ هَذَا بِشَكلٍ خَاصٍّ إلَى كونه يَبْدُو مُنَاقِضًا لِمَا عَلَّمَهُ الرَّسُولُ بُولُسُ عَنْ التَّبْرِيرِ.

يَقُولُ يَعْقُوبُ فِي 2: 24:

تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. (يعقوب 2: 24)

وَفي الْمُقَابِلِ كَتَبَ بَولُسُ الرَّسُولِ فِي رسالة غَلاطِية 2: 16:

إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. (غَلاطِية 2: 16)

وَلَكِنَّ الْحَقِيقَةُ هِيَ أنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَنَاقُضٍ هُنَا. بل قد استخدم يَعْقُوبُ وَبُولسُ اللفظ نَفْسَهُ دِيْكَايُوو [δικαιόω]، أو “يتَبَرَّرَ” بِطَرِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. فَفِي معجم بُولُسَ التِّقَنِيِّ لِلْمُصْطَلَحَاتِ اللاهُوتِيَّةِ، كَانَ يفرد اِسْتِخْدَامَ الْكَلِمَةُ “يتَبَرَّرَ” لأْمرٍ وَاحِدٍ فقط. فَبِالنِّسْبَةِ لِبُولُسَ، يُشِيرُ “التَّبْرِيرُ” إلَى الْإعْلانِ الْأوَّلِي لبر كُلّ من لَدَيْهِمْ إيمَانٌ خَلاصِيٌّ بِالْمَسِيحِ مِنْ خِلالِ احتساب بِرَّ الْمَسِيحِ لهم.

أمّا يَعْقُوبُ فَقَدْ تحدث عَنْ التَّبْرِيرِ بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَقَدْ اِسْتَخْدَمَ المصطلح دِيكَايُوو [δικαιόω] بِمَعْنَى “تبرهن” أوْ “تبرأ”. لَمْ يُنْكِرْ يَعْقُوبُ الحسبان الأولي لِبِرِّ الْمَسِيحِ حِينَ يُؤمِنُ الْإنْسَانُ إيمَانًا خَلاصِيًّا. وَلَكِنَّ مُصْطَلَحُ دِيكَايُوو بِالنِّسْبَةِ لِيَعْقُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالْإنْسَانِ الَّذِي أعْلَنَ إيمَانَهُ بِالرب يَسُوعِ، وَهَذَا الْإيمَانُ “يتبرهن” أوْ “يتبرأ” بِعَمَلِ الرُّوحِ الْقُدُسِ فِي حَيَاةِ هَذَا الْإنْسَانُ. فَمِنْ وِجْهَةِ نَظَرِ يَعْقُوب، تَقُودُ قوة وتمكين الرُّوحِ الْقُدُسِ إلَى تَكْرِيسٍ أمِينٍ لِلْمَسِيحِ. فَبِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّا يَدَّعِيِهِ الْإنْسَانُ، إنْ لم يُظْهرُ إيمَانَهُ ويبرهن عليه بِالْأعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَإنَّ هذا الشخص في النهاية لن يتبرأ. وَهَكَذَا، تحدّث يَعْقُوبُ عَنْ الْعَلاقَةِ بَيْنَ الْإيمَانِ وَالتَّبَرِيرِ كَطَرِيقَةٍ يؤكد بها على أهَمِّيَّةَ الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ لِقُرَّائِهِ.

إن مَا يَبْدُو تَنَاقُضًا بَيْنَ بُولُس وَيَعْقُوب حَوْلَ قضية التَّبْرِيرُ بِالْإيمَانِ وحده هُوَ في الحقيقة الْقَضِيَّةُ الرَّئِيسِيَّةُ فِي رِسَالَةِ يَعْقُوب، حَسَبَ اعْتِقَادِي. فهي تظهر فيه. وَرُبَّمَا لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ فِي هَذِهِ الرَّسِالَةِ تم الكتابة عنها أكثر من أي موضوع آخر بِقَدْرِ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ المحددة. أُرِيدُ أوَّلًا أنْ أقُولَ إنَّ الْكَلِمَةَ الْيُونَانِيَّةُ دِيكَايُوو تَعْنِي أحياناَ “فعل التَّبْرِيرِ”. وَلِتَبْسِيطِ هَذَا أقُولُ إنَّ التَّبْرِيرَ هُوَ بِمَثَابِةِ وَجْهَيْنِ لِعُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَمِنْ نَاحِيَةٍ، تجد الغُفْرَان، أي أن اللهِ يغفر لنا، وَهَذِهِ هِيَ نَاحِيَةُ الاقتطاع. وَمِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى نجد الْإضَافَةِ، الَّتِي هِيَ حُسْبَانُ الْبِرِّ. ومن هذا يأتي ذلك الْإعْلانَ: “أنْتَ مُبَرَّرٌ أمَامِي”. وَهَكَذَا، نَحْنُ مُتبَرّرُونَ بِالْإيمَانِ، وهَذِهِ إحْدَى استخدامات كلمة “التَّبْرِيرْ”. وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، يُمْكِنُنَا أنْ نَسْتَخْدِمَ الْكَلِمَةُ “تَبْرِيرْ” بِمَعْنَى “التبرئة” أو “اظهار البر”. وَهَكَذَا، يَسْتَخْدِمُ بُولُسُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِالْمَعْنَى الْقَضَائِيِّ، بَيْنَمَا يَسْتَخْدِمُهَا يَعْقُوبُ بِمَعْنَى قدوة بالْأعْمَالِ، أيْ بِمَعْنَى إظْهَارِ الْإنْسَانِ لِحَقِيقَةِ كَوْنِهِ بَارًّا. وَبإختصار، نَقُولُ إنَّ اسْتِخْدَامَ بُولُسُ لِلتَّبْرِيرِ هُوَ لِلْإشَارَةِ إلَى أَولِويَّةِ الْإيمَانِ، بَيْنَمَا يَعْقُوبُ يَنْظُرُ إلَى التَّبْرِيرِ باعتباره أمرًا يلي التَّجْدِيدِ، أو بِصِفَتِهِ برهانًا لِلْإيمَانِ. وَلِذَا فَإنَّ سُؤالَ يَعْقُوبُ هُوَ: “مَنْ الَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُعْتَبَرَ بَارًّا؟ هَلْ هُوَ من يَقُولُ إنَّهُ يُؤمِنُ بِاللهِ، أمْ من يَحْيَا حَيَاةً مَبْنِيَّةً عَلَى أسَاسِ اعْتِرَافِهِ وَإيمَانِهِ بِاللهِ؟” وَبِالنِّسْبَةِ لِبُولُسَ وَيَعْقُوبَ، يَنْبَغِي لِلْإيمَانِ أنْ يَعْمَلَ. هَلْ أقُولَهَا ثَانِيَةً: يَنْبَغِي لِلْإيمَانِ أنْ يَعْمَلَ. يَنْبَغِي أنْ يُثْمِرَ. يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مَرْئيًّا. الْإيمَانُ الشفهي لَيْسَ كَافِيًا، وَالْإيمَانُ العقلي لَيْسَ كَافِيًا. فَيَنْبَغِي أنْ يَتَحرَّكَ الْإيمَانُ وَيَعْمَلَ. فهو يَحْتَمِلُ التجارب، وَيُطِيعُ كَلِمَةُ اللهِ، وَيُثْمِرُ أناسًا عامِلِينَ بِالكلِمَةِ، وَلا يحابي، ويلجم اللِسَانِ، ويتصرف بِحِكْمَةٍ، ويمد بالقُوَّةً لِمُقَاوَمَةِ إبْلِيسَ، وَالْأهَّمُ أنَّهُ يَنْتَظَرُ بأناة مَجِيءَ الرب. وَقَدْ عَلَّمَ كُلٌّ مِنْ بُولُسَ وَيَعْقُوبَ الْأمْرَ ذاته تَمَامًا. [لاري واترز]

اِسْتَمِعْ إلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي بِهَا طَبَّقَ يَعْقُوبُ هَذَا الْمَبْدَأ فِي 2: 15-17:

إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا» وَلكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟ هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ. (يعقوب 2: 15-17)

يَصْعُبُ تَخَيُّلَ أنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَشْدِيدٌ عَلَى هَذِهِ النُّقْطَةِ أكْثَرَ مِمَّا فعل يَعْقُوب. فقد كَانَ قُرَّاءُ رِسَالَتَهُ بِحَاجَةٍ لِمُعَالَجَةِ الْاِضْطِرَابِات فِي كَنَائِسِهِمْ بِالطَّاعَةِ الْعَمَلِيَّةِ لِنَامُوسِ اللهِ، خَاصَّةً لوصية أن يحبوا بَعْضِهِمْ الِبَعْض. ومَهْمَا كَانَ مَا يدَّعونه بشأن إيمَانِهِمْ، فَإنَّهُمْ لا يَظْهَرُونَ أبْرَارًا فِي عَيْنَي اللهِ مِنْ دُونِ أعْمَالِ الْمَحَبَّةِ الصَّالِحَةِ وَالْعَمَلِيَّةِ.

الخاتمة

نَظَرْنا فِي هَذَا الدَّرْسِ إلَى طَرِيقَي الْحِكْمَةِ فِي رِسَالَةِ يَعْقُوب. فَرَأيْنَا كَيْفَ وَجَّهَ يَعْقُوبُ قُرَّاءَهُ نَحْوَ الْحِكْمَةَ التَّأمُّلِيَّةِ بِإبْرَازِ احتياجهم لِلْحِكْمَةِ التَّأمُّلِيَّةِ وَتَقْدِيمِ الْإرْشَادِ لهم، وَالرَّبْطِ بَيْنَ الْحِكْمَةِ التَّأمُّلِيَّةِ وَالْإيمَانِ. وَنَظَرْنَا أيْضًا إلَى كيفية تَوْجِيهِ يَعْقُوبَ قُرَّاءَهُ لْلسَّعِي إِلَى امتلاك الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ بِإظْهَارِهِ لَهُمْ اِحْتِياجَهُمْ، وارشادهم أن يُطَبِّقُوا حَقَّ اللهُ في خدمة أمينة ومتضعة للهِ وَلشَعْبِهِ.

دَعَا يَعْقُوب المؤمنين في القرن الأول، الذين كَانُوا مِنْ أصْل يَهُودِي، لاتِّبَاع طَرِيقَيّ الْحِكْمَة. وَهَذِه الدَّعْوَة هي لي ولك أيْضَاً اليوم. فَنَحن نَحْتَاج أيْضًا لِلْحِكْمَة التَّأمُّلِيَّة وَالْحِكْمَة الْعَمَلِيَّة. وللحصول على هذه العَطَايَا من الله، يَنْبَغِي أنْ نَخْضَع لِلإرْشَاد الَّذِي قَدَّمَهُ يَعْقُوب. وَعَلَيْنَا أنْ نحرص على أنْ نَعْمَل هَذَا بِإيمَان وَتَكْرِيس كامل للهِ. وفي الوقت الذي نَتْبَع فيه الْحِكْمَة الأرْضِيَّة بِسُهُولَة، يجب أنْ نأخذ رِسَالَة يَعْقُوب على مَحمل الجَد، وَنَسْلُك في طريقيّ الْحِكْمَة اللذَيِن هما مِنْ اللهِ.

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

1. نشجعك على أن تنسخ وتلصق أدلة الدراسة في ملف Wordجديد.
2. قم بمشاهدة الفيديو مع تدوين ملاحظاتك أسفل كل عنوانٍ من عناوين أدلة الدراسة.

القسم 2: الحكمة العملية

الخطوط العريضة لتدوين الملاحظات

2.الحكمة العملية

أ. الاحتياج

1. الحكمة الأرضية

2. الحكمة السماوية

ب. الإرشاد

1. معيار ناموس الله

2. الأولويات في ناموس الله

ج. الإيمان

1. الإيمان والأعمال

2. الإيمان والتبرير

الخاتمة

أسئلة المراجعة

1. كيف يصف الناس في محيط مجتمعك “الحياة الصالحة”؟ كيف يختلف ذلك عن تعاليم يعقوب في 3: 13؟
2. خذ لحظات وقم بسرد خصائص الحكمة الأرضية والحكمة السماوية المذكورة في يعقوب 3: 14-18. ما هي بعض الاختلافات الواضحة بينهما؟
3. ماذا يقول كل من يعقوب ويسوع عن “صناع السلام”؟ كيف تكمل تعاليم كل منهما الآخر؟
4. بينما يحذرنا معظم العهد الجديد من الاعتماد على الناموس وطاعتنا له من أجل خلاصنا، يشير يعقوب الى ناموس الله بشكل إيجابي جدًا. ما الذي أكد عليه يعقوب في رسالته بخصوص الناموس؟
5. لماذا كان يعامل الملوك البشريون القدامى المعتدين على القانون كمتمردين؟
6. كيف تساعدنا معرفتنا بتعاليم بولس في غلاطية 5: 14 على فهم تشجيع يعقوب للحفاظ على الناموس الملوكي؟
7. لماذا الإيمان بالإله الواحد لا يعد هو نفسه “الإيمان الخلاصي”؟
8. اشرح الفرق بين استخدام بولس لتعبير “التبرير” واستخدام يعقوب له.

أسئلة التطبيق

1. هل اختبرت كنيستك أو خدمتك انقسامًا على الإطلاق؟ ما الحلول التي وصلتم إليها، إن وجدت، والتي كانت سببًا في الشفاء لهذا الأمر؟
2. يقول يعقوب أن الناموس يعطى الحرية. كيف يمكن للالتزام بإتباع ناموس الله أن يوفر الحرية؟
3. هل تُغوى على الإطلاق في التقليل من أهمية الطاعة بسبب عقيدة التبرير عند بولس؟ ولماذا؟

AJAX progress indicator
Search: (clear)
  • دِيكَايُوُو
    كلمة يونانية (منقولة حرفيًا إلى العربية) الَّذِي يَعْنِي "يُعْلِنُ بَارًّا" أوْ "يُبَرِّرُ" أوْ "يُبْرِّئُ".
  • يوسابيوس
    مؤرخ مسيحي مبكر (263- 340 م) كتب كتاب "التَّارِيخِ الْكَنَسِيِّ".
  • استخدام ثالث للناموس
    استخدام الناموس كمرشد أو كقاعدة لإظهار كيفية عيش حياة أخلاقية بشكل أكبر للمسيحيين الأمناء. يُسمى أيضًا "الاستخدام المعياري"
  • كوريوس ساباوث
    مصطلح يوناني (منقول حرفيًا إلى العربية) يعني "الرب القدير" أو "رب الجنود"
  • صوفيا
    مصطلح يوناني (منقول حرفيًا إلى العربية) يعني "الحكمة"
  • يوسيفوس
    مؤرخ يهودي من القرن الأول الميلادي (37- 100م تقريبًا) والذي كتب مجلد "الْعَادِيَّاتِ".
  • إيمان خلاصي
    الموافقة على حق الإنجيل وثقة في المسيح بقلب كامل، طول العمر أنه يخلصنا من خطايانا
  • أوريجانوس
    (185-254م تقريبًا) هو لاهوتي مسيحي مبكر من الإسكندرية، تشمل كتاباته على "عن المبادئ الأولى"، والذي يدافع فيه عن كون الكتاب المقدس السلطة النهائية للعقيدة المسيحية، و"الهكسبلا"، وهي دراسة مقارنة للترجمات العديدة للعهد القديم.
  • الناموس الملوكي
    تعبير في رسالة يعقوب يشير إلى فكرة أن ناموس الله كان هو مَرْسُومَهُ الْمَلَكِيِّ. يرتبط أيضًا باللاويين 19: 18: " تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ."
  • بيراسموس
    مصطلح يوناني (منقول حرفيًا إلى العربية) يمكن ترجمته "محنة" وَ"غواية" وَ"امْتِحَانٍ"
  • هيلينية
    من الحضارة، أو الثقافة، أو اللغة اليونانية أو متعلقة بها، من زمان بعد زمن الإسكندر الأكبر
  • بِيسْتِيس
    مصطلح يوناني (منقول حرفيًا إلى العربية) يعني "الإيمان"، "الأمانة"، "الإحسان"
  • حكمة عملية
    هي الحكمة التي تتمركز حول النصيحة والإرشاد للحياة اليومية  
  • اسم منتحل
    أو الاسم المستغل (المُنتحَل) هي ممارسة اسناد عمل مكتوب لشخص غير الكاتب الفعلي.
  • حكمة سليمان
    كتاب حكمة مؤثر، خارج الكتاب المقدس، يُعرف أيضًا باسم "كتاب الحكمة"، يُعتقد أنه كتب في القرن الأول أو الثاني ق.م.
  • حكمة تأملية
    الحكمة التي ننالها من جرّاء فهم مَقَاصِدِ اللهِ الْكَامِنَةِ وَرَاءَ التَّجَارِبِ والضيقات
  • شِّمَاع
    إقرار إيمان قديم من العهد القديم موجود في التثنية 6: 4
  • مجمع
    المكان الذي كان يجتمع فيه اليهود للعبادة والارشادات.
  • يعقوب (رسول)
    ابن زبدي وأخو يوحنا، استُشهد تحت حكم هيرودس أغريباس
  • يعقوب (أخا يسوع)
    أخو يسوع وليس شقيقه: قائد الكنيسة في أورشاليم وكاتب رسالة يعقوب في العهد الجديد.
الاختباراتالحالة
1

رسالة يعقوب – الدرس الثاني – الامتحان الثاني

2

رسالة يعقوب – الامتحان التراكمي

‫القسم ‫السابق

انجازك في الدورة

محتوى الدورة الدراسية

ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: مقدمة إلى رسالة يعقوب
  • التحضير للدرس الأول
  • رسالة يعقوب - الدرس الأول - القسم الأول
  • رسالة يعقوب - الدرس الأول - القسم الثاني
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: طريقان للحكمة
  • التحضير للدرس الثاني
  • رسالة يعقوب - الدرس الثاني - القسم الأول
  • رسالة يعقوب - الدرس الثاني - القسم الثاني
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: القراءات المطلوبة
  • متطلبات القراءة 1
  • متطلبات القراءة 2
  • متطلبات القراءة 3
العودة إلى رسالة يعقوب

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in