مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / الرسالة إلى العبرانيين / الدرس الأول: خلفية العبرانيين والقصد من كتابتها

الرسالة إلى العبرانيين – الدرس الأول – القسم الأول

تقدم القسم:
← العودة إلى الدرس
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

المقدمة
الخلفية
الكاتب

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB01_01.mp4

الهوية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB01_02.mp4

لمحة عن حياته

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB01_03.mp4

المستلمون الأولون
يهود
هيلينيين
غير ناضجين

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB01_04.mp4

يعانون من الاضطهاد
على وشك الارتداد

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB01_05.mp4

التاريخ
القصد
حدة التحذيرات

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB01_06.mp4
  • المقدمة
    الخلفية
    الكاتب
  • الهوية
  • لمحة عن حياته
  • المستلمون الأولون
    يهود
    هيلينيين
    غير ناضجين
  • يعانون من الاضطهاد
    على وشك الارتداد
  • التاريخ
    القصد
    حدة التحذيرات

المقدمة
الخلفية
الكاتب

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB01_01.mp3

الهوية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB01_02.mp3

لمحة عن حياته

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB01_03.mp3

المستلمون الأولون
يهود
هيلينيين
غير ناضجين

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB01_04.mp3

يعانون من الاضطهاد
على وشك الارتداد

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB01_05.mp3

التاريخ
القصد
حدة التحذيرات

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB01_06.mp3
  • المقدمة
    الخلفية
    الكاتب
  • الهوية
  • لمحة عن حياته
  • المستلمون الأولون
    يهود
    هيلينيين
    غير ناضجين
  • يعانون من الاضطهاد
    على وشك الارتداد
  • التاريخ
    القصد
    حدة التحذيرات

المقدمة

عانى أتباع المسيح من الاضطهاد على مرّ العصور. فكان سلب الممتلكات، والضرب، والسجن، والاستشهاد من نصيبِ عدد لا يُحصى منهم. ووفق بعض التقارير، فإن الاضطهاد الذي يواجهه أتباع المسيح اليوم يفوق كل الاضطهادات التي عرفوها في السابق.

أما الذين لا يتـألمون بيننا في هذه الأيام، فمن الصعب عليهم أن يتخيّلوا التجارب التي تنتج عن الاضطهاد. فالمسيحيون الذين يعيشون في سلامٍ وطمأنينة، غالباً ما يساومون على إيمانهم حتى من دون أي تهديدات. لكن، هل يمكنك أن تتصوّر التجربة التي تواجهك لتساوم على إيمانك لكي تحمي نفسك، أو زوجتك، أو أولادك، أو أعز أصدقائك من خطر حقيقي؟ كيف، كيف يمكننا تشجيع إخوتنا المؤمنين الذين يمرّون بظروف مماثلة؟

هذا هو التحدّي الذي واجهه كاتب الرسالة إلى العبرانيين. فقد كتب إلى مجموعة من المسيحيين الذين تألموا في ماضيهم، وعادوا يُهدّدون بالمزيد من الآلام. كانوا قد أبلوا بلاءً حسناً في مواجهتهم الآلام، لكن يخشى كاتب العبرانيين أن يرتدّوا عن المسيح ليتجنبوا المزيد من الاضطهاد.

هذا هو الدرس الأول في سلسلة الرسالة إلى العبرانيين، وقد أعطيناه العنوان “خلفية العبرانيين والقصد من كتابتِها”. في هذا الدرس، نعرِض عدداً من وجهات النظر التي تساعدنا دون شك في تفسيرنا لهذه الرسالة الصعبة.

كما يشير عنوان الدرس، لننظر في خلفية العبرانيين والقصد من كتابتها من ناحيتَين: أولاً، النظر في خلفية الرسالة. وثانياً، تلخيص القصد الرئيسي الذي من أجله كُتبت العبرانيين. لنبدأ بوضع مخطط لبعض المسائل المتعلقة بخلفية الرسالة إلى العبرانيين.

الخلفية

ندرس هنا خلفية العبرانيين عن طريق النظر في ثلاثة مواضيع مترابطة: أولاً النظر في هوية كاتب الرسالة، ثم البحث فيمن هم مستلمو الرسالة الأولون وأخيراً، فحص تاريخ كتابة الرسالة إلى العبرانيين. لننظر أولاً إلى كاتب العبرانيين.

الكاتب

تفاوتت الآراء منذ أقدم العصور حول كاتب العبرانيين. من أجل أغراضنا في هذا الدرس سنتطرّق إلى مسألتَين: الأولى، مسألة هوية الكاتب. والثانية، وضع لمحة عامة عن الكاتب بالتركيز على بعض الميزّات البارزة في الرسالة. لنبدأ بفحص هوية الكاتب.

الهوية

مسألة تحديد هوية كاتب العبرانيين ليست سهلة كما هو الحال بالنسبة لعدد كبير من كتّاب العهد الجديد، فكاتب العبرانيين لا يُعرِّف أبداً عن نفسه. ومنذ عصر الآباء، أقرّ كل من أكليمندُس الإسكندري الذي عاش تقريباً بين العامَين 150-215م وأوريجانُوس الإسكندري الذي عاش في الفترة بين العامَين 185-254م بوجود آراء مختلفة في زمنهما حول مَنْ هو كاتب العبرانيين. في فترة باكرة، غالباً ما كان يُشار إلى الرسول بولس كالكاتب المحتمل، لكنَ الدارسين اقترحوا أيضاً برنابا، ولوقا، وأَبُلُّوس، وحتى أكليمندُس الروماني.

حوالي سنة 325م أشار المؤرخ الكنسيّ يوسابيوس في كتابه تاريخ الكنيسة إلى وجهة نظر أوريجانوس حول كاتب العبرانيين في المجلد 6، الفصل 25، والجزء 14. حيث نقرأ هناك:

أما من كتب الرسالة إلى العبرانيين، الله وحده يعلم.

ويعكس تعليق أوريجانوس عدم يقينه هو وكثيرون غيره في زمنه في من هو كاتب العبرانيين. ويتفق معظم علماء الكتاب المقدس اليوم مع هذا الرأي. وحده الله يعلم يقيناً من كتب هذه الرسالة.

مع الأسف، خلال عصر الآباء، أدّت الأسئلة حول هوية الكاتب، وسوء استخدام الجماعات الهرطوقية لرسالة العبرانيين، إلى تشكيك بعضهم في مسألة اعتبار العبرانيين من ضمن الأسفار القانونية. بالطبع، قام علماء بارزون أمثال أكليمندس الروماني، الذي توفي حوالي سنة 99م، بالتعامل مع العبرانيين باعتبارها مساوية لبقية الأسفار القانونية. وكذلك فعل يوستينوس الشهيد الذي عاش ما بين العامَين 100-165م. لكنَّ العبرانيين حُذفت من اللائحة التي وضعها مارقيون حوالي عام 144م، وكذلك من اللائحة الموراتورية التي وُضِعت حوالي العام 170م. ولكن مع نهاية عصر الآباء، أقرّ معظم المفسّرين البارزين في الكنيستَين الشرقية والغربية برسالة العبرانيين كجزء من الأسفار القانونية. وقد اتفقوا إجمالاً على كون الرسول بولس هو الكاتب.

طوال فترة العصور الوسطى، تمسّك معظم العلماء البارزين بالاعتقاد أن بولس هو كاتب العبرانيين. لكن في فترة الإصلاح شكَّك المصلحون البروتستانت في الكثير من التقاليد الكنسية، بما فيها الرأي التقليدي الذي ينسب كتابة الرسالة إلى بولس. فاقترح مارتن لوثر أن يكون أبلوس هو الكاتب. أما جون كالفن فلم يقترح بديلاً عن بولس، لكنه أصرّ أنه لا يمكن أن يكون الكاتب.

يرفض معظم المفسّرين اليوم نسبة الرسالة إلى بولس. وسنتطرّق إلى ثلاثة أسباب لهذا الموقف: أولاً، كما سبق وأشرنا، هذه الرسالة لا تذكر اسم كاتبها، علماً أن من عادة بولس أن يذكر اسمه في رسائله. في الواقع كما توضّح 2 تسالونيكي 2: 2، كان بولس قلقاً جداً من انتشار كتابات منحولة تحمل اسمه. لذلك، من المستبعد أن يكون قد أغفل التعريف عن نفسه في حال كان هو الكاتب.

ثانياً، تشدّد الرسالة إلى العبرانيين على مواضيع لا يبدو أن بولس أعارها الكثير من الاهتمام في رسائله. على سبيل المثال، أشار كاتب العبرانيين إلى مَلْكِي صَادَقَ ثلاث مرات. كما لفت الانتباه إلى المسكن في العهد القديم. وتناول بالتفصيل موضوع المسيح كرئيس كهنة. وعندما نأخذ هذه المواضيع معاً، نجد أنها تميّز الرسالة إلى العبرانيين عن سائر الرسائل التي نعرف أن بولس كتبها.

ثالثاً، السبب الأقوى الذي يجعلنا نشكك في كون بولس هو كاتب العبرانيين، هو الطريقة التي ينأى فيها الكاتب بنفسه عن أتباع يسوع في الجيل الأول. استمع إلى ما جاء في العبرانيين 2: 3:

فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هذَا مِقْدَارُهُ؟ قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا. (العبرانيين 2: 3)

لاحظ هنا أن كاتب العبرانيين نوّه بالخلاص الذي ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ – الرب هنا إشارة إلى يسوع نفسه – ثُمَّ “تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا”. أي أن الكاتب وقرّاء رسالته تحققوا من الإنجيل من خلال الأشخاص الذين سمعوا يسوع مباشرة. واعتراف الكاتب بأنه تسلم الإيمان المسيحي بصورة غير مباشرة يتباين مع مقاطع مثل غلاطية 1: 11 و12، و1 كورنثوس 11: 23 حيث أصرّ بولس على استلامه الإنجيل مباشرة من يسوع.

إنّ الإجابة المختصرة عن السؤال، “مَن هو كاتب الرسالة إلى العبرانيين؟” هي، لسنا نعلم. إلّا أنّه لدينا بضعة مفاتيح أو مؤشّرات تساعدنا على معرفة هويّة الكاتب. ولسنين عديدة ساد الاعتقاد في الكنيسة بأنّ بولس هو مَن كتب هذه الرسالة. لكنّي أظنّ في الغالب أنّ بولس ليس الكاتب، فثمّة فروقات بين الرسالة إلى العبرانيين ورسائل بولس. على سبيل المثال، اعتاد بولس غالباً أن يُعرّف عن نفسه في بداية رسائله، الأمر الذي لا نراه في الرسالة إلى العبرانيين. من هنا، نرجّح ألّا يكون بولس هو الكاتب. وثمّة آراء أخرى تنسب كتابة هذه الرسالة إلى برنابا أو أَبُلُّوس. ببساطة نحن نجهل من هو الكاتب. وأكثر ما يمكن قوله في هذا الشأن، هو أنّ الكاتب كان من مؤمني الجيل الثاني. فهو يشير في الفصل 2 من الرسالة إلى الذين سمعوا الشهادة من المسيح نفسه وتمسّكوا بها ثم سلّموها إلى الجيل التالي، فيبدو أنّه يضع نفسه بين مؤمني الجيل الثاني. [الدكتور ستيفن إي. ويتمر]

لقد قمنا بالبحث في مسألة كاتب الرسالة إلى العبرانيين وأثبتنا أن هوية الكاتب لا تزال مجهولة. لكن ما زال بإمكاننا أن نضع لمحة مختصرة عن حياة الكاتب.

لمحة عن حياته

لكن اختصاراً للوقت، سنشير بالأحرى إلى ميزتَين واضحتَين في حياة الكاتب.

يهودي ذو ثقافة هيلِّينية. في المقام الأول، كان كاتب العبرانيين يهودياً ذا ثقافة هيلِّينية – يونانية. يتفق معظم علماء الكتاب المقدس اليوم مع استنتاج أوريجانوس بأن الله وحده يعلم من هو كاتب الرسالة إلى العبرانيين. صحيح أن هويّة كاتب العبرانيين كانت موضوع جدال عبر السنين، لكن يجب ألا يمنعنا ذلك من استكشاف فكر الكاتب وشخصيته من خلال بعض المؤشرات في نص الرسالة.

يمكننا أن نستنتج من خلال نص الرسالة التأثيرات اليهودية والهيلينية التي شكّلت شخصية الكاتب ورسالته. أما الإرث اليهودي القوي فواضح من خلال معرفة الكاتب بالعهد القديم. في الواقع، اقتبس الكاتب من العهد القديم 31 مرة على الأقل في فصول رسالته 13.

كما يبدو أيضاً أنه كان للكاتب تنشئة هيلينية قوية. في الماضي، كان المفسّرون يشيرون إلى استخدام الكاتب للسبعينية، أي الترجمة اليونانية للعهد القديم، كدليل على كونه يهودياً هيلينيّاً. لكن في النصف الثاني من القرن الماضي، كشفت البحوث في مخطوطات البحر الميت أن الاقتباسات التي اعتبرت في البداية مأخوذة مباشرة من السبعينية، قد تكون مأخوذة عن نصوص يهودية غير تقليدية. لهذا السبب، لا يمكننا أن نجزم بأن كاتب العبرانيين استخدم السبعينية.

لكن على الرغم من هذا الاكتشاف، ما زال بإمكاننا أن نكون واثقين بأن كاتب العبرانيين كان هيلينيّاً. إن لغته اليونانية المصقولة تقدّم دليلاً قوياً على تنشئته الهيلينية. كما أن مفرداته وأسلوبه تدل على إتقانه للغة، وهو إتقان يفوق ما نجده في كتابات لوقا.

مفكر متحمس. لم يكن كاتب العبرانيين يهودياً هيلِينيّاً فحسب، بل يمكننا أن نضيف إلى لمحة عن حياته، أنه كان مفكّراً متحمّساً. يقرّ المفسّرون على نحو واسع أن كاتب العبرانيين كان مفكراً مثقفاً. فالحجج اللاهوتية في العبرانيين مصقولة أكثر من الكثير من تلك التي نجدها في بقية العهد الجديد. في الواقع، أشار الكاتب نفسه إلى أولوية التأمل اللاهوتي العميق في مقاطع مثل العبرانيين 5: 13 و14 حيث أشار أنه بغرض التمييز بين الخير والشر، على أتباع المسيح أن ينضجوا في العقيدة.

هناك عدد من الأمور التي يمكن أن تُقال عن الكاتب، انطلاقاً من محتوى الرسالة إلى العبرانيين، أولها أنّه كان بارع الحجة. فقد كان يعرف الترجمة السبعينيّة، وهي الترجمة اليونانية للعهد القديم، معرفة جيدة. وقد عرف كيف يربط بين النصوص بطريقة مقنعة جدّاً لقرائه اليهود التقليديين. وهو على الأرجح كاتبٌ يهوديٌ ذو ثقافة هيلينية، يتوجّه بكتاباته إلى اليهود الهيلينيين. وعندما أقول “يهود هيلينيين”، أعني بذلك اليهود الذين يتكلّمون اليونانيّة وهم على الأرجح يهود الشتات المهاجرون، لكنهم متمسّكون بتقاليدهم اليهوديّة. [الدكتور كريغ إس. كينر]

على الرغم من أن كاتب العبرانيين كان شخصاً مثقفاً، إلا أنه لم يكن محايداً أو غير مبال، فقد كان متحمساً للإيمان المسيحي. وولاؤه وحبه لإخوته المسيحيين واضحان في رسالته.

استمع إلى الطريقة التي يتعاطف فيها مع قرائه في العبرانيين 10: 33 و34:

مِنْ جِهَةٍ مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيقَاتٍ، وَمِنْ جِهَةٍ صَائِرِينَ شُرَكَاءَ الَّذِينَ تُصُرِّفَ فِيهِمْ هكَذَا. لأَنَّكُمْ رَثَيْتُمْ لِقُيُودِي أَيْضاً، وَقَبِلْتُمْ سَلْبَ أَمْوالِكُمْ بِفَرَحٍ، عَالِمِينَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَنَّ لَكُمْ مَالاً أَفْضَلَ فِي السَّمَاوَاتِ وَبَاقِياً. (العبرانيين 10: 33–34)

وبطريقة مماثلة يظهر حبه للمسيح بقوله:

لِذلِكَ نَحْنُ أَيْضاً إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ (العبرانيين 12: 1–2).

من الصعب أن نقرأ هذه المقاطع وأخرى مشابهة لها دون أن ندرك أن هذا الكاتب لم يكن باحثاً لا التزام له، فقد كان يحب قراءه والمسيح. وما لم نرَ هذا الحب، تفوتنا إحدى أبرز ميزات الرسالة.

ما نعرفه أيضاً عن الكاتب هو اهتمامه الأكيد بأمر الذين يكرز لهم أو يكتب إليهم. فقد كان قلقاً حيال فتورهم الروحي، لذلك كان يحذّرهم في رسالته مرّة تلو المرّة من خطر أن يَكِلّوا أو يخوروا في نفوسهم، أو حتّى أن يرتدّوا عن إيمانهم. وهكذا، فهو إلى جانب كونه لاهوتيّاً ومفسّراً بارعاً جدّاً للأسفار المقدسة، كان على معرفة وثيقة بقرّائه، ومن الواضح أنه كان على علاقة شخصيّة جيّدة معهم. وقد اهتم حقّاً لأمرهم وبذل كل ما في وسعه في ترتيب كلّ الأمور من النواحي اللاهوتيّة، وتفسير الكتاب المقدس وتطبيقه، ليساعدهم في رحلتهم الروحيّة الطويلة. [الدكتور ايخهارد شنابل]

في بحثنا حول خلفية الرسالة إلى العبرانيين ركزنا حتى الآن على كاتب الرسالة. دعونا الآن ننتقل إلى مسألتنا الثانية: المستلمون الأولون للرسالة إلى العبرانيين.

المستلمون الأولون

لا تشير الرسالة إلى العبرانيين بوضوح إلى الذين أُرسلت الرسالة لهم، سواء بالاسم أو بالمدينة أو المنطقة. مع ذلك يمكننا الوثوق بأن المؤلف كتب إلى قرّاء محدّدين معروفين عنده وتربطه بهم علاقة شخصية. في 13: 19–24، طمأن الكاتب قرّاءه واعداً إياهم بأنه سيزورهم ثانية. وتحدّث عن تيموثاوس ودعاه “الأخ”، كما أشار أيضاً إلى مجموعة من الناس من إيطاليا التي يبدو أن قرّاءه يعرفونهم.

سنبحث في خمسة عوامل تتعلق بالذين وُجهت الرسالة إليهم يجب أن نأخذها بعين الاعتبار.

يهود

أولاً، هناك سبب يجعلنا نعتقد أنّ قسماً هاماً، على الأقل، من الذين وُجّهت الرسالة إليهم كانوا يهوداً. وهذا واضح في العبرانيين 1: 1:

اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ (العبرانيين 1: 1).

هنا يشير الكاتب إلى كيفية إعلان الله عن نفسه لإسرائيل في العهد القديم. لكن لاحظ كيف دعا بني إسرائيل في العهد القديم بالآباء – أجداد الكاتب ومستلمي الرسالة.

لا عجب أنه من عصر مبكر في زمن ترتليانوس، الذي عاش تقريباً بين العامين 155-230م، كان العنوان التقليدي الذي ارتبط بهذه الرسالة هو “ﭘروس إبرايوس” ΠΡΟΣ ΕΒΡΑΙΟΥΣ أي “إلى العبرانيين”.

هيلينيين

ثانياً، من المحتمل أيضاً أن الذين وُجّهت الرسالة إليهم كانوا في معظمهم هيلينيين. يمكننا أن نستنتج من خلال محتوى الرسالة إلى العبرانيين أن الناس الموجهة إليهم كانوا معتادين أكثر على التعاليم اللاهوتية المنتشرة بين اليهود الذين هم خارج فلسطين منه بين تلامذة التوراة اليهود داخل فلسطين.

وقد سعى عدد من المفسّرين إلى تحديد مكان إقامة مستلمي الرسالة خارج فلسطين. وحيث إن الرسالة الأولى لأكليمندس الروماني أشارت إلى الرسالة إلى العبرانيين في فترة باكرة حوالي 95م، جعلت بعضهم يعتبر أن متلقي الرسالة كانوا في روما. وقد استُخدمت العبرانيين 13: 24 لتدعم هذا الرأي لأنها تشير إلى الَّذِينَ مِنْ إِيطَالِيَا. هذه الاقتراحات مثيرة للانتباه، لكن أكثر ما يمكننا قوله، مع بعض اليقين، هو أن مستلمي الرسالة كانوا إلى حد بعيد يهوداً هيلينيين يعيشون خارج فلسطين.

غير ناضجين

ثالثاً، كان الذين وُجهت إليهم رسالة العبرانيين غير ناضجين. استمع إلى الطريقة التي يصفهم فيها الكاتب في العبرانيين 5: 12:

لأَنَّكُمْ إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ، تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ (العبرانيين 5: 12).

لاحظ أنّ الذين وُجهت إليهم الرسالة كان لهم في الإيمان مدّة كافية جعلت الكاتب يقول “لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ”. كان يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ. كان ينبغي أن يكونوا قد أحرزوا تقدّماً مهمّاً من جهة العقيدة. لكن كما دوّن الكاتب، هم محتاجون أن يعلّمهم أحد ما “هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ”.

اللافت للنظر هو أنّه على الرغم من المعرفة اللاهوتيّة البسيطة التي لدى الذين استلموا الرسالة، تحتوي الرسالة إلى العبرانيين على أعلى مستوى من التعاليم اللاهوتيّة وأكثرها عمقاً في كلّ العهد الجديد. فكيف لسفرٍ مثل هذا أن يتلاءم مع قلّة النضج الروحي للقرّاء؟ أفضل طريقة لنفهم هذا الوضع هو أن نُبقيَ في أذهاننا أنّ المسيحيّين الأوّلين اعتمدوا أسلوباً في التعليم كان مألوفاً في مجامع القرون الأولى.

نحن نعلم من مقاطع مثل لوقا 4: 16، وأعمال الرسل 13: 15، و1 تيموثاوس 4: 13 أنّ القادة في المجامع اليهودية والكنائس المسيحيّة كانوا يشرفون على تلاوة الأسفار المقدّسة على الرعيّة وتفسيرها لهم. من هنا، عندما قام كاتب العبرانيين بكتابة أحد أكثر مقاطع العهد الجديد عمقاً على المستوى اللاهوتي، كان يتوقّع أن يقوم قادة الكنائس بتعليم جماعتهم ما ورد في هذا الكتاب. ونرى أنّ الكاتب في العبرانيين 5: 11، وبخ قرّاءه لكونهم “مُتَبَاطِئِي الْمَسَامِعِ”. فمن المعقول جدّاً أن يكون القسم الأكبر من الذين وُجهت الرسالة إليهم غير ناضجين لاهوتياً لأنّهم لم يحترموا قادتهم كما يجب. ويدعم هذا الطرح قول الكاتب لقرّائه في العبرانيين 13: 17:

أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَاباً، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هَذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ (العبرانيين 13: 17).

يعانون من الاضطهاد

رابعاً، كان الذين وُجهت رسالة العبرانيين إليهم يعانون من الاضطهاد. عرف القرن الأول الميلادي حقبتين من الاضطهاد المسيحي من الممكن أن يكون العبرانيون الذين وُجهت الرسالة إليهم قد تأثّروا بهما ولو بطريقة غير مباشرة. ففي العام 49م قام الإمبراطور الروماني كلوديوس بترحيل اليهود من مدينة روما. وحوالي العام 64م، اضطهد الإمبراطور نيرون المسيحيين في جوار روما.

وإذ نتابع قراءتنا في رسالة العبرانيين، يتوضّح لنا أنّ الذين استلموها سبق أن واجهوا اضطهاداً في الماضي، وأن بعضاً منهم كان يواجه اضطهاداً في حينه، وتوقّع الكاتب أنْ يطال الاضطهاد عدداً أكبر في المستقبل وربّما يكون اضطهاداً أشدّ وأعنف.

في 10: 32–35، يجذب الكاتب انتباهنا إلى الأحداث المؤلمة التي كان بعض القرّاء على الأقلّ قد اختبروها في الماضي:

وَلَكِنْ تَذَكَّرُوا الأَيَّامَ السَّالِفَةَ الَّتِي فِيهَا بَعْدَمَا أُنِرْتُمْ صَبِرْتُمْ عَلَى مُجَاهَدَةِ آلاَمٍ كَثِيرَةٍ … فَلاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي لَهَا مُجَازَاةٌ عَظِيمَةٌ (العبرانيين 10: 32–35).

نرى هنا كيف أنّ الكاتب يمدح قراءه بسبب مقاومتهم الشدائد حين كانوا مضطهدين في “الأيام السالفة بعدما أنيروا أوّلاً”. لكنّه حثّهم أيضاً على ألّا “يطرحوا ثقتهم”. والكلمة اليونانيّة المترجمة إلى “ثقة” هي ﭙاريسيا παρρησία، وهي في سياقات عديدة تأتي بمعنى “شجاعة”، “جرأة”، أو “جسارة” في حضرة أصحاب المقام الرفيع. واختيار هذه الكلمة يوحي بأنّ قارئي الرسالة كانوا يواجهون نوعاً من الاضطهاد من الشعب أو من الحكومة، وكانوا مجرّبين أن يفقدوا جرأتهم.

في 13: 3 أشار الكاتب أيضاً بطريقة مباشرة إلى اضطهادات كان مستلمو الرسالة يواجهونها في الحاضر، إذ قال:

اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي الْجَسَدِ (العبرانيين 13: 3).

بإمكاننا أن نرى من خلال هذا العدد أنّ الكاتب يحثّ قرّاءه بقوله “اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي الْجَسَدِ”. فمن الواضح أنه يوجد بين قرائه مَن ما زالوا يواجهون الاضطهاد.

بالإضافة إلى الاضطهاد الحاصل في الماضي والاضطهاد الذي يواجهونه في الحاضر، يقرّ كاتب العبرانيين في 12: 3 و4 بأنّ المزيد من الاضطهاد يهدّد قرّاءه في المستقبل. استمع إلى تحذيره هذا:

فَتَفَكَّرُوا فِي المسيح الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ. لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ (العبرانيين 12: 3–4).

وكما يشير هذا المقطع، يتوقّع الكاتب أن يواجه قرّاؤه المزيد من الاضطهاد وهو قلق جدّاً حيال مرورهم باختبارٍ كهذا.

واجه مستلمو الرسالة إلى العبرانيين عدداً من المشاكل المؤلمة. ففي الفصل 10 يشير الكاتب إلى أنّهم قاسوا شتى أنواع الآلام؛ فالبعض خسروا ممتلكاتهم، والبعض الآخر أُلقوا في السجن. ومع ذلك كان يكتب إليهم ويحثّهم على أن يكونوا مستعدّين دائما لحمل عار المسيح، وعار إبعادهم عن المحلة. هذا الإبعاد يُقصد به في الغالب الطرد من المجمع، أو في حال كانوا يفكّرون في العودة إلى أورشليم الطرد من الهيكل، وكان على الأرجح لا يزال قائماً في زمن كتابة الرسالة. فهذه هي أشكال الاضطهاد الذي كانوا يواجهونه. إلّا أنّ الكاتب يقول في الفصل 12 إنّهم لم يصلوا بعد إلى حدّ بذل الدم، لكنه على الرغم من ذلك كان مدركاً لحاجتهم إلى التحرّر من الخوف من الموت، كما يقول في الفصل 2 بفضل انتصار يسوع المسيح عليه. فيبدو أنّ ثمّة اضطهاداً أشدّ وأعنف يلوح في الأفق. [الدكتور دينيس إي. جونسون]

على وشك الارتداد

خامساً، بينما واجه مستلمو الرسالة إلى العبرانيين الاضطهاد، كان البعض منهم على وشك الارتداد. هؤلاء لم يضعفوا أو تثبط عزيمتهم في مواجهة الآلام فحسب، بل كانوا في خطر التخلي كلّيّاً عن الإيمان المسيحي. نقرأ على سبيل المثال في العبرانيين 10: 26-27 التحذير التالي:

فَإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا، بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ الْمُضَادِّينَ (العبرانيين 10: 26–27).

لا بدّ أن نوضّح هنا أنّ كاتب العبرانيين لم يكن قلقاً حيال الزلات أو الخطايا الصغيرة. لكنه كان يحذّر قراءه بصرامة معلناً أن الذين يتخلّون تماماً عن المسيح “لاَ تَبْقَى بَعْدُ (لهم) ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا”. فحين يترك أناسٌ الإيمان بالمسيح، وهذا ما كان بعض مستلمي الرسالة مجرّبين أَن يقعوا به، فإن فعلوا هم يبرهنون أنّهم لم يختبروا يوماً الإيمان الخلاصي. ولهذا السبب، لا يبقى بعد غير “قُبُول دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ مدّخرة لِلْمُضَادِّينَ”.

كما سنشرح في درسنا التالي، لا يدل هذا المقطع أو أيّ مقطع مشابه له في هذه الرسالة على أنّه يُمكن للمؤمنين الحقيقيين أن يفقدوا خلاصهم. بل بالحريّ تتحدث هذه المقاطع عن أولئك الذين جاهروا بإيمانهم واختبروا العديد من بركاته لكن دون أن يتجدّدوا أو يتبرّروا فعلاً. في جميع الأحوال، من الواضح أن بعض الذين وُجِّهت رسالة العبرانيين إليهم كانوا مُجرّبين بقوة أن يتخلوا عن إيمانهم.

والآن بعد أن بحثنا في خلفيّة العبرانيين آخذين في عين الاعتبار كاتب الرسالة ومستلمي الرسالة الأولين، ننتقل إلى موضوعنا الثالث: تاريخ كتابة الرسالة إلى العبرانيين.

التاريخ

على الرغم من عدم قدرتنا على تحديد تاريخ كتابة الرسالة إلى العبرانيين بدقّة، إلّا انّه يمكننا أن نحدّد يقيناً التاريخَين الأبكر والأبعد لكتابتها. لننظر أوّلاً في أبكر تاريخ ممكن لكتابة هذه الرسالة، أو ترمينوس آكوو، ومن ثمّ في أبعد تاريخ ممكن أو ترمينوس أد كويم. باستطاعتنا تحديد هذَين التاريخَين بدرجة معيّنة من اليقين معتمدين على أدلّة كتابيّة وتاريخيّة.

من ناحية، يساعدنا العدد 23 من الفصل 13 للعبرانيين على تحديد التاريخ الأبكر لكتابة الرسالة بشكلٍ مؤكّد. وقد جاء في هذا العدد:

اِعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أُطْلِقَ الأَخُ تِيمُوثَاوُسُ، الَّذِي مَعَهُ سَوْفَ أَرَاكُمْ، إِنْ أَتَى سَرِيعاً (العبرانيين 13: 23).

نرى هنا أنّ “تِيمُوثَاوُس قد أُطْلِقَ” حديثاً من السجن. لا نسمع عن سَجْن تِيمُوثَاوُس في أيّ مكانٍ آخر في العهد الجديد. في الواقع، في رسالة 2 تيموثاوس، وهي رسالة بولس الأخيرة التي كتبها قبل موته بمدّة قصيرة، كان لتيموثاوس الحريّة الكاملة للسَفَر وجَلْب بعض الحاجات لبولس. أما العدد أعلاه، فيروي لنا أنّه في زمن كتابة الرسالة إلى العبرانيين كان تيموثاوس مسجوناً وأُطلق. لهذا السبب، لا بدّ أن تكون الرسالة إلى العبرانيين قد كُتبت بعد موت بولس، أي حوالي العام 65م.

من ناحية أخرى، إنّ أبعد تاريخ محتمل لكتابة الرسالة هو حوالي العام 95م أي قبل أن يشير أكليمندُس الروماني إلى رسالة العبرانيين في رسالته 1 أكليمندُس بفترة وجيزة.

بالإضافة إلى ذلك، يرى العديد من المفسّرين أنّه في مقاطع مثل العبرانيين 5: 1–3، استخدم الكاتب زمن الحاضر في وصفه لمهام رئيس الكهنة الذبائحية. وهذا أمرٌ مهمّ،ٌ لأنّه في بقيّة رسالته استخدم الكاتب دائماً زمن الماضي في اللغة اليونانيّة أثناء روايته للأحداث الماضية.

كذلك، في 8: 13 يحثّ الكاتب قرّاءه على ألّا يعودوا إلى الممارسات الذبائحيّة “العتيقة” التي وضعها الله في عهده مع موسى. ويشرح لهم أنّه في ضوء العهد الجديد، كلّ هذه الممارسات هي “قريبة من الاضمحلال”. ونحن نعلم أنّ نشاطات رئيس الكهنة ونظام اللاويين الذبائحي ككل صار إلى زوال عام 70م حين قام الرومان بتدمير أورشليم وهيكلها. إذاً هذه الأدلّة تفترض تاريخاً لكتابة العبرانيين ما بعد موت بولس أي حوالي العام 65م وقبل تدمير الهيكل عام 70م.

في درسنا حول خلفيّة الرسالة إلى العبرانيين والقصد منها، نظرنا في أوجه عدة حول خلفيّة هذا الكتاب. ونحن الآن في طور الحديث عن القصد الرئيسي من هذه الرسالة. لماذا كُتبت الرسالة إلى العبرانيين؟

القصد

من المنصف أن نقول إنّ أيّ سفر بطول الرسالة إلى العبرانيين وبعمقها سيكون لكاتبه مقاصد متعددة في ذهنه. لكنّنا في هذا الدرس، سنهتم بالدرجة الأولى بتلخيص القصد الرئيسي وراء الرسالة. لكلّ جزء من هذه الرسالة تشديداته الخاصة التي سوف ندرسها في درسنا التالي. لكنّنا نود الآن أن نفحص كيف أنّ الرسالة بمجملها قد صُمّمت لتؤثّر في مفاهيم الذين وُجِّهت إليهم وسلوكهم وعواطفهم.

قام المفسّرون بتلخيص القصد الرئيسي من رسالة العبرانيين بطرق عدّة. لكنّنا في هذا الدرس سنعرّف القصد الأساسي من رسالة العبرانيين هكذا:

كان هدف كاتب العبرانيين أن يحضّ مستلمي رسالته على نبذ التعاليم اليهوديّة المحلّيّة وعلى بقائهم أمناء ليسوع.

يساعدنا هذا التعريف لقصد الكاتب على توجيه أنظارنا نحو الأفكار الرئيسيّة التي نجدها في الرسالة إلى العبرانيين.

كما سبق أن ألمحنا، كان هدف كاتب العبرانيين أن يحض أو (يعظ) مستلمي رسالته على الثبات. استمع إلى الطريقة التي يصف بها رسالته في 13: 22:

وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَحْتَمِلُوا كَلِمَةَ الْوَعْظِ، لأَنِّي بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ (العبرانيين 13: 22).

لاحظ هنا أنّ الكاتب يطلب من مستلمي رسالته أن يقبلوها ككلمة وعظ. والكلمة أطلب مشتقّة من الفعل اليوناني باراكاليو παρακαλέω وهي صيغة الفعل من الاسم اليوناني المترجم وعظ في الجملة عينها.

إنّ المصطلح يحضُّ أو (يعظ) يعني “الدعوة للوقوف إلى جانب المتكلّم” أو “دعوة أحدهم لتبنّي وجهة نظر المتكلّم”. وقد استُخدم المصطلح ذاته في وصف دعوة يوحنا المعمدان الملحّة والمقنعة إلى التوبة في لوقا 3: 18.

وبشكلٍ مثير للاهتمام، تعود عبارة “كلمة وعظ” لتظهر في أعمال الرسل 13: 15 حيث دعا رجال مجمع أنطاكية بيسيديّة بولس ومرافقيه إلى قول كلمة وعظ بعد قراءة الأسفار المقدّسة. فمن المحتمل جداً أن تكون عبارة “كلمة” أو رسالة “وعظ” هي مصطلح متداول في القرن الأوّل بمثابة ما نسمّيه اليوم العظة.

يعرّف الكاتب عمله على أنّه كلمة وعظ – وذلك في الفصل 13 ما يعني أنّ الرسالة إلى العبرانيين هي حض على الثبات، أي هي بمثابة عظة. من هنا كان الأسلوب البلاغي الذي استخدمه الكاتب في الأساس من أجل إقناع مستلمي الرسالة بأن يبقوا أمناء لالتزامهم بالمسيح ابن الله كربّهم ومخلّصهم. وهكذا فإنّ الأسلوب البلاغي في الرسالة إلى العبرانيين، أو في العظة إلى العبرانيين، يسمح للكاتب بتناول مواضيع شتّى بالتفصيل، وتفسير الأسفار المقدّسة اليهوديّة، تفسيرها بطريقة هادفة، ثمّ تقديمها بفعالية بحيث يفهم القرّاء بوضوح ما يريدهم الكاتب أن يفعلوا، هو يريد منهم أن يتمسّكوا بالخلاص الذي منحهم إيّاه المسيح… هذا الخلاص الذي وهبه الله لهم في المسيح. [الدكتور فريدريك لونج]

كلّ رسالة في العهد الجديد تتضمّن تحذيرات لقرّائها. لكنّ رسالة العبرانيين تتميّز عن سائر رسائل العهد الجديد بكثافة التحذيرات التي تظهر في الرسالة.

بغية اكتشاف قصد الكاتب، لننظر عن قرب في حدة التحذيرات التي تتكرّر بشكلٍ بارز على طول الكتاب. من ثمّ سوف ندرس الغاية من هذه التحذيرات، وكيف كان الكاتب يأمل أن يتجاوب مستلمو الرسالة معها. لننظر أوّلاً في حدّة التحذيرات التي يوجّهها الكاتب إلى قرّائه.

حدة التحذيرات

بغية التعمق أكثر في ما نعنيه بحدّة تحذيرات الكاتب، سننظر في مسألتين: أوّلاً، تكرار التحذيرات في الكتاب، وثانياً، أسلوب الكاتب البلاغي الذي يتلازم مع هذه التحذيرات. لنبدأ بتكرار هذه التحذيرات.

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

القسم الأول: الخلفية

مخطط لتدوين الملاحظات

المقدمة

1. الخلفية

أ. الكاتب

1. الهويّة

2. لمحة عن حياته

ب. المستلمون الأولون

1. يهود

2. هيلينيين

3. غير ناضجين

4. يعانون من الاضطهاد

5. على وشك الارتداد

ج. التاريخ

أسئلة المراجعة

1. هل يعرّف كاتب العبرانيين عن نفسه؟

2. لخص وجهات النظر المُعبر عنها حيال كاتب العبرانيين خلال عصر الآباء، وفي العصور الوسطى، وفي عصر الإصلاح، واليوم.

3. بحسب يوسابيوس، ما الذي قاله أوريجانوس (185- 254م) عن كاتب العبرانيين؟

4. ما الفكر السائد حول قانونية رسالة العبرانيين في عصر الآباء؟

5. هل كانت الرسالة إلى العبرانيين مدرجة في اللائحة التي وضعها مارقيون (144م)؟ ماذا عن اللائحة الموراتورية (170م)؟

6. لماذا يرفض معظم اللاهوتيون اليوم أن يكون بولس هو كاتب رسالة العبرانيين؟

7. صف صفات كاتب العبرانيين.

8. كيف يصف الدرس اللغة اليونانية المستخدمة في رسالة العبرانيين؟

9. ما معنى “يهودي هيلِّيني”؟

10. صف المستلمون الأولون لرسالة العبرانيين

11. أذكر أسماء اثنين من الأباطرة الرومان المؤثرين الذي كانوا في الغالب في الحكم وقت كتابة رسالة العبرانيين.

12. ما هو أبكر تاريخ ممكن لكتابة رسالة العبرانيين؟ وما هو أبعد تاريخ؟

13. صف الحجج المعطاة في الدرس التي تدعم التاريخ الأبكر الممكن وتلك التي تدعم التاريخ الأبعد الممكن لكتابة رسالة العبرانيين.

14. بحسب الدرس، هل حذر كاتب العبرانيين القراء أن يستمروا في أمانتهم تحت وطأة الاضطهاد لأنه كان يخشى أن يفقدوا خلاصهم؟

أسئلة التطبيق

1. ما الذي تتوقع أن تكسبه شخصيًا من هذه المادة حول رسالة العبرانيين؟

2. هل حقيقة أننا لا نعرف من هو كاتب رسالة العبرانيين تؤثر على ثقتك في سلطتها؟ اشرح.

3. هل حقيقة أن بعض المسيحيون الأوائل شككوا في قانونية الرسالة تجعلك تشك في قانونيتها؟ اشرح.

4. بحسب العبرانيين 5: 12، كان المستلمون الأوائل لرسالة العبرانيين غير ناضجين. ما هي بعض الجوانب في حياتك الروحية التي تشعر فيها أنك بحاجة للنمو؟

5. المستلمون الأوائل لرسالة العبرانيين كانوا مضطهدون بسبب اتباعهم للمسيح. هل تعرضت إلى اضطهاد من قبل من أجل إيمانك بالمسيح؟ اشرح.

6. كتب كاتب رسالة العبرانيين يحض المسيحيين المكافحين على رفض العقيدة الخاطئة وأن يظلوا أمناء ليسوع. ما التعاليم الخاطئة التي واجهتها؟ اشرح.

AJAX progress indicator
Search: (clear)
  • إكزامبلا
    هو أسلوب أدبي يوفر قوائم من الصور والأمثلة التي تتبع بعضها البعض
  • هيلينستي
    مصطلح يُستخدم لوصف اليهودي الذي يتحدث باليونانية
  • ملكي صادق
    ملك ساليم ورئيس كهنة بارك إبراهيم واستقبل منه العشور
  • آبائيات
    مصطلح مستخدم لدراسة كُتاب المسيحية المبكرين من نهاية العهد الجديد إلى بداية العصور الوسطى.
  • قول واهومير
    أسلوب أدبي يتحرك من "الخفيف إلى الثقيل"، بما أنّ المقدّمة البسيطة هي صحيحة، إذاً لا بدّ للخلاصة الأصعب من أن تكون صحيحة أيضاً.
  • قمران
    منطقة أثرية بالقرب من البحر الميت. وجدت "مخطوطات البحر الميت" في كهوف هناك خلال النصف الأخير من القرن العشرين.
  • بلاغة
    مصطلح مستخدم لوصف الأسلوب الأدبي المقنع أو الجدال المُلِح.
  • سينكريزِس
    أسلوب أدبي وهو مقارنة مفصلة بين شيئين أو أكثر
الاختباراتالحالة
1

الرسالة إلى العبرانيين - الدرس الأول - الامتحان الأول

‫القسم ‫السابق

انجازك في الدورة

محتوى الدورة الدراسية

ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: خلفية العبرانيين والقصد من كتابتها
  • تحضير الدرس الأول
  • الرسالة إلى العبرانيين - الدرس الأول - القسم الأول
  • الرسالة إلى العبرانيين – الدرس الأول – القسم الثاني
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: المحتوى والبنية
  • تحضير الدرس الثاني
  • الرسالة إلى العبرانيين - الدرس الثاني - القسم الأول
  • الرسالة إلى العبرانيين - الدرس الثاني - القسم الثاني
  • الأسئلة التعبيرية
  • الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: القراءات المطلوبة
  • متطلبات القراءة 1
  • متطلبات القراءة 2
  • متطلبات القراءة 3
العودة إلى الرسالة إلى العبرانيين

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in